جدران العاصمة عمّان... تحكي "أنا عربيّ"
كان درج الكلحة، وهو من أقدم السلالم في عمان، عبارة عن كتلة خرسانية غير ملهمة في قلب المدينة، إلى أن قامت مجموعة من الفنانين بقيادة طالب الهندسة رسّام الجرافيتي عبد الرّحمن أمجد بالرسم عليه. "أنا عربيّ" وصور للشاعر الفلسطينيّ محمود درويش وأخرى للمطربة اللبنانيّة فيروز والمغنّي مارسيل خليفة، لوحات فنيّة رسمها عبد الرّحمن أمجد (23 عاماً)، بالتّعاون مع زميلته الرسّامة ميرامار، ليحوّلا درج الكلحة (أقدم أدراج وسط عمّان) إلى لوحة فنيّة ومكان لاستقطاب الفضوليّين من محبّي التقاط الصور، بعدما كان الدرج كتلة إسمنتيّة جامدة. قال أمجد : "إذا نظرت إلى الدرج قبل الرسم وبعده ستجد أنّه تغيّر 180 درجة".
يحاول فنانون أردنيّون شباب من خلال ألوانهم كسر جمود النمط العمرانيّ للعاصمة عمّان، ويركّزون على شرق العاصمة التي تعاني من سوء الخدمات وعشوائيّة في البناء، واللون الإسمنتيّ القاتم الذي يميّز المباني. مدفوعاً بحب تغيير منظر المدينة إلى الأجمل، بدأ أمجد بالرسم الجرافيتي، قبل أربع سنوات، مؤمناً بأنّ "نظرة الناس إلى الشباب تتغيّر عندما يشاهدون أنّ الشباب هم من يهتمّون بتغيير منظر الشارع، إضافة إلى الانطباع الجيّد الذي تتركه هذه اللوحات لدى زوّار البلد بأنّ شبابه يهتمّون بالفنّ".
أمجد ليس وحيداً في الرسم الجرافيتي على الجدران، إذ أطلق مسرح البلد في العاصمة عمّان وفي بعض المحافظات الأردنيّة مشروع "واو بلدك" منذ عام 2013 للرسم على الجدران، ويختار المسرح في أيّار/مايو من كلّ عام مفهوماً واسعاً يترجمه الرسّامون إلى لوحات تعبّر عن معتقداتهم بالنّسبة إلى هذا المفهوم. وفي هذا السياق، قال مدير المشاريع في مسرح البلد معاذ السعيد : في أيّار/مايو الماضي، دعونا 15 فناناً أردنيّاً، إضافة إلى 6 فنانين عرب محترفين من فلسطين، سوريا، لبنان، مصر، تونس واليمن، للرسم تحت مفهوم تقبّل الآخر والتركيز على الاختلافات بين الأشخاص وتنوّع المجتمع".
يقوم مسرح البلد كل عام، بالتنسيق مع أمانة عمّان الكبرى، باختيار مواقع الرسوم، بينما يوفّر المسرح تذاكر السفر وبدل التنقّلات للفنانين، وتقدّم إحدى شركات الدهان الأدوات اللاّزمة مجّاناً. إلاّ أنّ رسوماً انتشرت سابقاً إبان فترة الاحتجاجات في الأردن بين عامي 2011- 2013 خرجت عن النص، وظهرت عبارات ورسوم مناهضة للحكومة ولمجلس النوّاب ورفع الأسعار ومطالبة بإصلاح النظام، ولكن سرعان ما طمستها الأجهزة الأمنيّة، واعتقلت حينها بعض الناشطين في عام 2012 من بينهم عضو الحراك الشبابيّ عبد الله محادين.
وفي عام 2013، أزالت أمانة عمّان الكبرى بعض الرسوم عقب تقارير صحافيّة قالت عنها: "رسوم عبدة شياطين". وأكّد معاذ السعيد أنّ المشاكل مع المجتمع كانت تواجههم أثناء رسمهم على الجدران حسب ثقافة المجتمع وشكل الرسمة ومضمونها، وقال: "عندما كنّا نرسم في جبل اللويبدة بالعاصمة عمّان لم نواجه أيّ مشاكل، ولكن عندما رسمنا في مدينة السلط لم يتقبّل الناس الأمر". أضاف: "تحتاج عمّان إلى 50 مشروعاً إضافيّاً للرسم على الجدران كي نخلق بيئة تتقبّل هذا الفنّ، خصوصاً في مدينة يسود فيها اللون الإسمنتيّ".
وكان صاحب جاليري "علي وراما" في جبل عمّان علي الحسني قد ابتكر فكرة في تمّوز/يوليو الماضي، وهي إقامة "عرض فنيّ حيّ في شارع عمر بن الخطّاب بعمّان" لمجموعة فنانين (13 رسّاماً) يرسمون مباشرة أمام الناس، ويلوّنون الأدراج، بهدف لفت الأنظار إلى هذا الشارع الذي يعاني من تقصير في الخدمات، رغم أنّه يتفرّع من شارع الرينبو السياحيّ. وفي هذا السياق، قال علي الحسني لـ"المونيتور": "إنّ هدفي من هذه المبادرة التي استمرّت يوماً واحداً إعطاء حياة وشهرة لهذا الشارع القديم، وتعريف المواطنين به، لكي أوصل رسالة أنّ شوارع عمّان ليست مقاهي وكافيهات فقط، إذ تستطيع أن تزورها وتكتشف أماكن فيها تتضمّن فنّاً محليّاً وتدعم الفنانين المحليّين".
ولفت إلى أنّ "الفكرة لاقت رواجاً لدى الحضور"، الأمر الذي دفعه إلى التفكير بتطبيقها في شوارع أخرى بهدف تسليط الضوء عليها لمدّها بالبنية التحتيّة وتحسين إضاءتها. ودعا أمانة عمّان وجميع الرسّامين الأردنيّين إلى "دعم فعاليّات كهذه وتنظيم مبادرات مماثلة لتجميل مدينة عمّان وكسر جمود الإسمنت".
ووضع موقع ucityguides المتخصّص في السياحة العاصمة عمّان في المرتبة الثالثة بين المدن "الـ10 الأبشع في العالم"، بسبب "الفوضى في البناء"، كما قال. ورأى المهندس المعماريّ رائد وهبة أنّ "عمّان ليست مدينة إسمنتيّة 100 في المئة كون بعض أبنيتها مصنوعاً من الحجر الأبيض، الأمر الذي يعطيها خصوصيّة وطابعاً عن غيرها"، معتبراً أنّ مبادرات الرسم والتلوين هي "أمر رائع"، وقال: "إنّ مشاركة الناس في تلوين المباني والرسم على الجدران وتلوين الأدراج بألوان مختلفة، تعطي طابعاً عفويّاً، وفي الوقت نفسه فنيّاً للمدينة، وتجعل الناس يرتبطون بشكل وثيق بمدينتهم، فمن الجميل أن يشعر الإنسان بدور في صناعة مدينته". وعن شكل مدينة عمّان وحاجتها إلى مبادرات فنيّة كهذه، قال: "من الناحية التخطيطيّة، فإنّ عمّان عشوائيّة جدّاً لأنّ طريقة نموّها عشوائيّة.
لقد بدأ تطوّرها العمرانيّ في نهاية القرن الـ19 من خلال الهجرات من مناطق مختلفة، وسكن المهاجرون في منطقة سقف السيل، ثمّ توسّعت المدينة باتّجاه مدينة السلط غرباً، وكان من المتوقّع أن تتوسّع بالاتّجاه الجنوبيّ". أضاف: "إنّ وجود مبادرات عفويّة من قبل الناس في طريقة تعاملهم مع المدينة سيعطيها روحاً وحيويّة ويكسر الجمود، وهذا الأمر مشابه لمدن في إسبانيا وإيطاليا، والتي تتميّز بألوان مبانيها وجدرانها". تحاول هذه المبادرات الفنيّة التي يطلقها شباب أردنيّون، كسر جمود الإسمنت وبثّ الروح في عمّان، كبرى مدن المملكة، من خلال الألوان التي يستعملونها، إلاّ أنّها تبقى مبادرات فرديّة تحتاج إلى دعم رسميّ، ويأمل القائمون عليها أن يتوافر الدعم الكافي لنشر ألوانهم على جدران المدن والقرى في المحافظات والخروج من إطار العاصمة.