تطور الدفاعات النفسية الشعبية بمواجهة القرارات الحكومية
العلاقات الأسرية تتراجع بضغط القرارت الاقتصادية
يؤكد خبراء اقتصاديون واجتماعيون، أن اتخاذ الحكومة لحزمة القرارات الاقتصادية الأخيرة، أغفلت الجانب الاجتماعي والأثر المنعكس على بنية الأسرة والمجتمع.
ويرى الخبير التنموي الدكتور محمد الجريبيع، أن مفهوم الرفاهية للأسرة سينعدم، والذي يتمثل بتخصيص أرباب الأسر جزء من مداخيلهم لشراء بعض الكماليات أو القيام بالتنزه، حيث سيجدون أنفسهم مضطرين لتأمين الحاجات الأساسية في ظل ما تشهده الأسواق من إرباك وارتفاع على الأسعار.
ويشدد الجريبيع على أهمية الرفاهية، وإن قلّت، لتحسين التواصل وتوطيد العلاقات الأسرية لما لذلك من آثار على صحة الفرد النفسية.
ويشير إلى منسوب القلق والخوف من مستقبل مظلم وظالم سيرتفع اليوم لدى المواطن، الأمر الذي سينعكس سلبا على تطور وظهور "الشخصية الانفعالية" بشكل ملحوظ.
خوف من "تغول لقمة العيش على كرامة العيش"
تذهب خبيرة علم الاجتماع الدكتورة عصمت حوسو، إلى أن إجماع المواطنين على مقاطعة بعض السلع والخدمات مؤخرا، وإن كانت غير منظمة وعليها ملاحظات، فهي تشكل ملفا هاما ينبغي قراءته نفسيا واجتماعيا.
وتوضح حوسو بأن "الذات الرسمية ذات عامة، والذات الشعبية ما هي إلاّ نتاج مجاميع الذوات الشخصية ولا تصل الى مستوى العام إلا عند الإجماع العارم، وفي ذلك خطورة حيث أن عدوى السلوك الجمعي وعدوى المشاعر الجمعية ما هي إلاّ نتيجة حتمية لمطرقة الغلاء وسندان الفساد".
وتقول "توافق المواطنين لم يكن لفرح، وإنما بسبب همّ وطني وهم فردي"، أفضى لرفع السقوف كدفاع نفسي من المواطنين تجاه التطورات الأخيرة.
فبعد احتجاجات سابقة مارسها المواطنون بنصوص فكاهية تارة ونصوص نارية تارة أخرى عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت ردة الفعل من "اللامبالاة، والإذعان الاختياري" إلى الإجماع على "الرفض" ومقاطعة منتجات واستخدام عبارات حادة وواضحة وموجهة لمؤسسات وأفراد.
وتبدي خبيرة علم الاجتماع خوفها من "تغول لقمة العيش على كرامة العيش" للمواطنين، وتراجع الهم العربي لدى المواطن ضمن سلم الأوليات.
ويسبب ذلك، بحسب حوسو، "انتقال الأمراض النفسية والإجتماعية، وتطور عواملها، وانتشار موجات العنف، للأجيال القادمة"، فيسهل استقبال السلوك وقبوله المجتمعي واعتياده ليصبح من السمة الشخصية للمواطنين في ظل استمرار الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة.
ويتفق الجريبيع وحوسو على ضرورة "تعامل الحكومة مع الدفاعات النفسية الشعبية بدرجة من النضج والتمحيص بمستوى الرفض والغضب الشعبي، وعدم اللعب بالنار، وأن توجد "توليفة" جامعة ما بين الحكمة والغضب".
اللامركزية والتنمية .والطريق الوعر
فيما تسعى الحكومة لتطبيق اللامركزية وتعول على أهميتها في التنمية وإنتاج المشاريع الصغيرة والمتوسطة والحفاظ على نسبة الفقر في المجتمع والسعي لتقليلها، يؤكد الجريبيع أن "فرص نجاح المشاريع التنموية في المحافظات وجيوب الفقر باتت ضعيفة، ليس فقط بسبب ارتفاع تكاليف إقامتها، وإنما لعدم استقرار التشريعات.
ويضيف بأن رجال الأعمال لا يأخذون العامل الاقتصادي والمالي بالأهمية فقط في دراستهم لجدوى أي مشروع، وإنما ينسحب ذلك إلى "مزاج المجتمع"، وقدرة الفرد على الإنتاج والجو العام في المنطقة وسبل التسويق، واصفا هذه الأجواء "بغير المناسبة والتي تدفع رجل الأعمال والرياديين إلى التردد قبل الإقدام على الاستثمار.
في ذات السياق، يؤكد الجريبيع بأن "الأولويات ستختلف عما كانت عليه للمواطن"، فحتى الأسرة الفقيرة ليس بمقدورها إقامة مشروع، ولن تكون المشاركة السياسية أولوية للمواطن، مقابل أولية الغذاء والأمن والتعليم.
ويعرب عن خشيته من أن تكون "القرارات الاقتصادية والتوجهات الإصلاحية جاءت في وقت غير مناسب ولن تؤتي ثمارها".