ترخيص المواقع الإخبارية: قيود قانونية وتشوهات بنيوية

ترخيص المواقع الإخبارية: قيود قانونية وتشوهات بنيوية
الرابط المختصر

15  موقعا إخباريا ما تزال محجوبة وتعمل من خلال منصات بديلة..

67  موقعا إخباريا تم ترخيصها بعد أن استأجرت أسماء أعضاء في نقابة الصحفيين..

تضاعف عدد الشكاوى القضائية ضد الصحفيين بعد ترخيص المواقع الإخبارية

تعديلات قانون المطبوعات والنشر التي كان يفترض بها تنظيم عمل قطاع الإعلام الالكتروني، الأوسع انتشارا في الأردن، أنتجت تشوهات بنيوية جديدة. تعديلات قانونية عملت عليها ومهدت لها أربع حكومات وأنجزتها وطبقتها حكومة خامسة في أقل من عام.

فرضت الحكومة رؤيتها لـ"تنظيم" المواقع من دون إشراك العاملين بها؛ أدخلت تعديلات إشكالية على القانون ومن دون حتى تكييفها وقوانين أخرى؛ مارست إنتقائية في تطبيق بنود القانون وخالفت الدستور والمعاهدات الدولية بفرض مزيد من القيود على حرية الإعلام والتعبير عبر الانترنت.

حتى حزيران 2014 تم ترخيص 160 موقعا إخباريا و100 موقع متخصص. فيما بقي أكثر من 112 موقعا إخباريا محجوبا لأنها غير مرخصة، 97 منها لم يعد موجودا (لغاية تشرين الاول 2014) فيما استمر 15 موقعا آخرا بالعمل رغم الحجب، نصفها مواقع إخبارية غير أردنية أو عربية والبقية اختارت الاستمرار مستعينة بمنصات إلكترونية أخرى للوصول لجمهورها.

شروط ترخيص غير قابلة للتطبيق

لكن مهمة دائرة المطبوعات والنشر في ترخيص وإخضاع مئات المواقع الإخبارية للقانون لم تكن هي الأخرى سهلة في ظل الشروط التي يفرضها القانون ، فلم تجد أمامها من خيار سوى مخالفة الشروط التي وضعتها الحكومة بنفسها في القانون، ربما على أمل أن تأتي نتائج التعديلات أكلها في المستقبل.

فقد تمت عملية ترخيص مئات المواقع الإخبارية مع تجاوزات بالجملة لشروط الترخيص الواردة في القانون المعدل، وتحديدا تلك المتعلقة بعضوية رئيس التحرير المشترط فيه عضوية نقابة الصحفيين. وهو ما أدخل المواقع في حلقة قانونية مفرغة، فلا قانون نقابة الصحفيين يسمح للعاملين في المواقع غير المرخصة بالانضمام للنقابة، ولا قانون المطبوعات والنشر يسمح بترخيص مواقع رؤساء تحريرها ليسوا أعضاء في النقابة، وفوق ذلك لمدة لا تقل عن أربع سنوات.

وللخروج من هذا المأزق، قامت المواقع بمخالفة القانون وبالتواطؤ أو بغض النظر من دائرة المطبوعات. فقامت المواقع بـ"استعارة" اسماء أعضاء نقابيين واستخدامها صوريا في طلبات الترخيص. وبذلك رخصت الدائرة 160 موقعا (لغاية حزيران 2014) يحمل أكثر من ثلثها أسماء رؤساء تحرير يعملون في الواقع في مؤسسات إعلامية أخرى مثل الصحف اليومية، حتى أن بعضهم لا يقيم في الأردن، وهما مخالفتان لشرطين في القانون.

لكن هذا المخرج لم يحل المعضلة كليا. فاستعارة الأسماء صوريا مع تحمل المسؤولية القانونية كرؤساء تحرير لم يكن مجانا، فلم تعد بعض المواقع قادرة على دفع كلف الأسماء المستعارة وتوالت استقالات زادت عن عشرين رئيس تحرير صوري، وصار على مالكي المواقع إعادة البحث عن أعضاء نقابة آخرين للقيام بهذه المهمة وخلال مدة لا تزيد عن شهرين وإلا الخضوع للحجب وفقا للقانون. لكن الهيئة لم تتابع مدى التزام المواقع بتنفيذ هذا الشرط.

انعكست هذه المخالفات على شرط آخر من شروط الترخيص، والتي أثرت بدورها على مصداقية المواقع أمام جمهورها. فعدم تطابق اسم رئيس التحرير الفعلي والصوري/القانوني دفع بعض المواقع إلى الإخلال بشرط آخر من شروط الترخيص والذي ينص على نشر اسم رئيس التحرير "في مكان بارز" على الموقع.

مخالفة أخرى لجأت لها مواقع إخبارية ودائرة المطبوعات، إذ تم ترخيص 75 موقعا إخباريا كـ"متخصصة" لتجاوز شرط رئيس تحرير عضو نقابة. وبذلك تمت مخالفة شرط قانوني آخر وهو أن يكـــون مدير الموقع المتخصص "حاصـــلا علـــى مؤهــــل علمـــي أو لديه خبرة معتمدة لا تقل عن خمس سنوات في موضوع تخصص المطبوعة".

المواقع المرخصة: ثبات مهني وتضاعف الشكاوى القضائية

 

"تنظيم عمل المواقع الإلكترونية الإخبارية" كان الدافع المعلن للحكومات عندما عدلت قانون المطبوعات والنشر. لكن المؤشرات لا تدلل على تحقق هذه الغاية. فالأداء المهني للمواقع الإخبارية لم يتحسن، بل ساهم حجب المواقع في تعميق مركزية الإعلام وتراجع التنوع في المحتوى الإعلامي.

وتضاعف عدد الشكاوى القضائية ضد الصحفيين. فخلال الشهور السبعة الأولى من عام 2013 تم تسجيل 100 قضية لجرائم واقعة خلافا لقانون المطبوعات والنشر، مقارنة بعام 2012 كاملا وبلغ فيه عدد القضايا 85 قضية، و80 قضية في كل من عامي 2011 و2010.

"يوجد تصاعد ملحوظ في عدد القضايا المرفوعة ضد المواقع الالكترونية بعد الحجب والترخيص"، يقول المحامي المتخصص في قضايا الإعلام، محمد قطيشات.

ويلفت إلى وجود "حملة لتشويه المواقع" ساهمت بإقبال أفراد وتجار ورجال أعمال على مقاضاة المواقع، مضيفا أن "القضاة أصبحو أكثر تشددا بإدانة المواقع في القضايا التي يرفعها أفراد من القطاع الخاص بدافع أنهم يتعرضون للابتزاز للحصول على الاعلانات. ويظهر هذا التشدد في ارتفاع قيم التعويضات التي تصل إلى 120 ألف دينار، مقارنة بمعدلها السابق 2000 دينار".

ووفقا لقطيشات، "يجد المحامون صعوبة في الدفاع عن المواقع الإخبارية بسبب تدني مهنيتها. فيصعب تصنيف موادها: هل هي مقال أم تقرير، وأحيانا العنوان لا يمت للموضوع بصلة".

وفي الأثناء، لم تقم أي من الحكومات التي حثت المواقع على تنظيم ذاتها بخطوات عملية تجعل منه أمرا قابلا للتطبيق. فلم تعدل القوانين والدستور للسماح للعاملين في المواقع بتأسيس نقابة خاصة بهم تنظم عملهم وتحفظ حقوقهم، بالإضافة إلى أن سياساتها غير الرسمية حالت دون توحيد المواقع تجاه قضايا القطاع الالكتروني، فقد مارست محاولات احتواء للصحفيين، خاصة في ضوء انتشار المواقع التي يديرها صحفيون يعملون في المؤسسات الإعلامية التي تملكها الحكومة. وبذلك تضاربت مصالح العاملين في القطاع وفقا لمدى استقلاليتهم عن الحكومة.

أضف تعليقك