تبعات "الربيع العربي" تعيد ترتيب الأولويات تجاه المطالبات النسوية
لم يعد "الربيع العربي" يحمل ذات المضمون في انعكاس تبعاته على المطالبات الحقوقية للمرأة في الأردن مع تراجع الأولويات حفاظاً على الاستقرار ومواجهة التحديات الخارجية.
انعكاس تبعات "الربيع العربي" وما حملته من ردة في عملية الاصلاح في الأردن بعد مرور ما يقارب 7 سنوات على بدايته؛ لم يقف عند الملفات السياسية فقط، لينسحب أيضاً على ترحيل تنفيذ العديد من المطالبات الحقوقية التي تصدرت أجندات المؤسسات الحقوقية النسوية مع بداية الربيع العربي وفقاً للمنظمات النسوية.
رئيس جمعية معهد تضامن النساء الأردني أسمى خضر، تؤكد أن تبعات "الربيع العربي" أعادت ترتيب الأولويات وساهمت في تراجع تنفيذ المطالبات النسوية، وتغيرت الأولويات باتجاه سلبي على مستوى الضرورات الأمنية والاستعدادات العسكرية واللجوء والأزمة الاقتصادية وكل المطالب الاجتماعية مؤجلة.
"بدأت ردود الفعل مع بداية "الربيع العربي" بالاستجابة للمطالبات بالإصلاح وانتهت بمكافحة الارهاب بشكل أمني، وهو ما أثر على المطالبات والنضال للحركات الاجتماعي ومنها المرأة"، تقول خضر.
ولا تنكر خضر وجود بعض التعديلات الجوهرية والاعتراف القانوني النظري بحقوق متساوية للنساء في دول الربيع العربي؛ إلا أنها تشير في ذات الوقت إلى أن الأردن لم يتبن المساواة دستوريا.
"فقد تم تعديل عدد من القوانين بشكل إيجابي لكن الواقع الاجتماعي أصبح أكثر تعقيداً أمام المرأة من خلال الوصول إلى العدالة من خلال هذه القوانين، حيث كان هنالك تعميمات بتعديلات لكن لم يتم تعديل الأنظمة بحجة قلة الموارد".
ورغم تصدر تعزيز حقوق المرأة في أجندات التمويل، إلا أن الأولويات لم تعد كسابق العهد مع تنامي أزمة اللجوء ومكافحة الارهاب، وهو ما تؤكده خضر بقولها "لو كان هنالك ضغط دولي حقيقي لتمت الاستجابة وتنفيذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، لكن في الواقع المفاوضات تتم على البعد الأمني ومكافحة الإرهاب".
كما انعكس تغير الأولويات بعد تبعات الربيع العربي، على التعامل مع كل من يطالب بحقوق متساوية؛ حيث تؤكد الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة سلمى النمس، أن أسهل طريقة لإيقاف العمل المدني أصبح التلويح بتهديد أمن الدولة والأجندات الخارجية.
فـ"إذا لم يكن هنالك استقرار في المنطقة ستبقى الملفات مؤجلة، مثل القضايا الجدلية كمنح الجنسية، وصار هنالك تمويه وتحييد للقضايا وتصغير لها، فعندما تمر أي دولة بالتحديات أول شيء يسقط من الأجندات هي المرأة، علما أن الأصل هو إيلاء قضايا المرأة الاهتمام باعتبارها المتأذية من التبعات" تقول النمس.
وتقر النمس بوجود "استسهال" لاستخدام أي تداعيات إقليمية "كشماعة" لعدم الالتزام السياسي بقضايا المرأة وحقوقها.
"خرج الأردن من تبعات عدم الاستقرار بالمنطقة بإجهاض الحراك المدني، والمرأة في الأردن تتحرك عن طريق المجتمع المدني بشكل أكبر فحراكها السياسي يتم من خلال المجتمع المدني الذي هو تحت الضغط والتضييق" تقول النمس.
أما فيما يتعلق بأجندات التمويل في الأردن؛ فتؤكد النمس أن ما حصل هو التركيز على أجندة خطة الاستجابة للجوء، وهو ما انعكس على أجندة التنمية ومشاركة المرأة والقضايا الحقوقية، واتضح في بداية ملاحظات مؤتمر سيداو، حيث تركزت الافتتاحية على الاعتراف بأن الأردن يواجه تحديات اللجوء، واتضحت عدم قدرته على الضغط على الأردن.
"أكثر الملفات الآن في أجندات التمويل المشاركة الاقتصادية للمرأة، لكن لا يمكن تحقيق مشاركة اقتصادية للمرأة دون منحها كامل حقوقها لوجود مشاكل بنيوية تعيق من قدرتها على التحرك..لا يمكن تحقيق شيء إلا من خلال تعديل مفاهيم أساسية للحقوق" تقول النمس.
مؤشرات تعكس تراجع تمكين المرأة
لم يشهد وضع المرأة في مجال الحقوق السياسية والاقتصادية تقدماً ملموساً، إذ أفاد مؤشر الفجوة الجندرية العالمي لعام 2016 أن الأردن جاء في المرتبة 134 من أصل 144 دولة، فيما كان الأردن شهد تراجعاً ملموساً في مؤشر الفجوة الجندرية العالمي لعام 2015، حيث احتل المركز 140 من أصل 145 دولة.
اقتصادياً؛ احتل الأردن المركز 138 من بين 144 دولة في الفجوة الجندرية للمشاركة والفرص الإقتصادية.
وبحسب التقرير فإن العوامل التي أدت إلى التراجع الكبير في المشاركة الاقتصادية تعود لانخفاض المشاركة في سوق العمل، حيث جاءت نسبة الإناث للذكور (0.22)، وفجوة الأجور، والفرق في الدخل المقدر للذكور والإناث حيث بلغت نسبة دخل الاناث إلى دخل الذكور (0.17).
فيما أظهرت البيانات التحليلية لملكية الأوراق المالية والصادرة عن مركز إيداع الأوراق المالية حتى تاريخ 7/5/2017 أن الأردنيات يملكن 4.69% من إجمالي القيمة السوقية للأسهم المدرجة ببورصة عمان مقابل ملكية الأردنيين الذكور التي وصلت إلى 17.6%.
وبلغت نسبة المستثمرات الأردنيات 40.8% من مجموع المستثمرين، مقابل 51.6% مستثمر أردني من مجموع المستثمرين.
أما فيما يتعلق بالتمكين السياسي، فقد جاء الأردن في المركز 123 من بين 144 دولة في مؤشر الفجوة الجندرية العالمي لعام 2016، وهي ذات المرتبة التي احتلها الأردن في ذات المؤشر عام 2015.
منجزات الأجندات الحكومية
كشف المنسق الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء باسل الطراونة أن الحكومة سعت بموازاة الحفاظ على الأمن والاستقرار، إلى تعزيز المنظومة الحقوقية أيضاً؛ حيث أقرت الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان والتي تضمنت ضرورة تمتع المرأة بحقوقها وما يحقق العدالة وتكافؤ الفرص.
وأضاف الطراونة أن الحكومة اتخذت إجراءات عديدة لمراجعة منظومة التشريعات ذات العلاقة بحقوق المرأة بموازاة اقتراح التعديلات في إطار النهج التشاركي وتفعيل الآليات الرقابية على مؤسسات القطاعين العام والخاص لتحقق من مدى تطبيق التشريعات ذات العلاقة بحقوق المرأة .
"هنالك حراك إصلاحي بدأ بالتعديلات الدستورية عام 2011، وصدرت العديد من التعديلات والتشريعات التي تحافظ على التطور النوعي للتشريعات، ولدى الأردن ما قبل الربيع وما بعد الربيع العربي قناعة راسخة بضرورة تطوير الحراك التشريعي" يقول الطراونة.
وكان تقرير حكومي أطلق بمناسبة يوم المرأة العالمي الماضي، أُعلن من خلاله عن العديد من المنجزات بما يتعلق بتمكين المرأة في التشريعات الأردنية، ومنها قانون العقوبات، والنص على 15 مقعداً مخصصة للمرأة في قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2016، وصدور نظام رصد وفيات النساء أثناء الحمل والولادة والنفاس، ورفع نسبة الكوتا المخصصة للمرأة إلى 5 % في قانون البلديات.
عدا عن ارتفاع عدد القضاة من النساء إلى 178 قاضية بعدما كان 60 في عام 2010، وتعيين قاضية بمنصب رئيس محكمة بداية عمان، وتعيين نائب عام امرأة ومدعي عام امرأة.
بالإضافة إلى صدور قانون الحماية من العنف الأسري، وقانون منع الاتجار بالبشر وصدور نظام الخدمة المدنية.
كما صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على بدء بتطبيق تأمين الأمومة على المنشآت المشمولة بأحكام القانون بالاستناد لقانون الضمان الاجتماعي رقم (7) لسنة 2010.
وكانت "رؤية الأردن 2025" أطلقت في عام 2015؛ والتي تهدف إلى وضع عدد من الأهداف التي تصبو الأردن إلى تحقيقها من ضمنها زيادة مشاركة المرأة في جميع جوانب المجتمع، والتي تتأتى من خلال مبادرات أدرجت ضمن الرؤية تتمثل في تعديل قانون العنف الأسري، ووضع آلية لضمان استجابة أسرع وأكثر كفاءة للعنف ضد المرأة، ووضع أحكام أكثر صرامة فيما يخص جميع أشكال التمييز والعنف ضد المرأة، عدا عن تشجيع قادة القطاع الخاص من النساء في الأردن على وضع برنامج ارشادي.
كما ووضعت الأجندة الوطنية عام 2005؛ جدولاً زمنياً لازالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة في التشريعات الأردنية، لتوصي الأجندة بتطبيق عدة مبادئ متعلقة بالمرأة؛ بتحقيق المساواة وازالة كافة أشكال التمييز بحقها في القوانين والتشريعات الأردنية، وتغيير الممارسات الاجتماعية الخاطئة بحقها وتصحيح الصورة النمطية السلبية التي تنتقص من حقوقها عدا عن ضمان مبدأ تكافؤ الفرص في اجراءات التعيين والترقية والتدريب في المؤسسات العامة والخاصة.
عدا عن مصادقة مجلس الوزراء على الاستراتيجية الوطنية للمرأة الأردنية للأعوام 2013 – 2017، والتي تضم ضمن محاورها؛ التمكين الاقتصادي، وتعزيز دور ومشاركة المرأة.
ورغم أن الأردن أحد الدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1992، ومن الملتزمين بما ورد في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عقد في بكين عام 1995؛ إلا أنه مؤسسات المجتمع المدني ما زالت تطالب برفع التحفظات الأردنية عن المادتين 9 ،16 من اتفاقية "سيداو"، فالمادة 9، التي تعطي للرجل والمرأة حقوقا متساوية في اعطاء الجنسية للأبناء والزوج، في حال الزواج من أجنبي، والمادة 16 التي تطلب من الدول الموقعة على الاتفاقية اتخاذ سائر التدابير للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، في أمور الزواج، والطلاق، والوصاية، والولاية على الأبناء.
* هذا التقرير يأتي ضمن مشروع "انسان"