النزاع السوريّ يلقي بثقله على الدروز في هضبة الجولان
لا يزال السوريّون القلائل الذي ظلّوا صامدين في هضبة الجولان أوفياء لدمشق ولوطنهم الأمّ سوريا، على الرغم من مرور 50 سنة على الاحتلال الإسرائيليّ ومن القرار الإسرائيليّ الأحاديّ القاضي بضمّ هضبة الجولان إلى إسرائيل سنة 1981.
ومن بين 130 ألف سوريّ عاشوا في هضبة الجولان وزرعوها قبل العام 1967، لا يزال 25 ألف درزيّ سوريّ يعيشون في حوالى 5% من الأرض السوريّة المحتلّة. ويسكن حوالى 23 ألف مستوطن يهوديّ في 34 مستوطنة في هضبة الجولان، منتهكين القانون الدوليّ.
لقد بقي السوريّون في خمس قرى في هضبة الجولان في أرضهم عندما اجتاحت إسرائيل الجولان. وينتمي سكّان أربع من تلك القرى – وهي مجدل شمس وبقعاتا ومتسادا وعين قينيا – إلى الطائفة الدرزيّة، وهي فرقة سريّة من فرق الإسلام منتشرة خصوصاً في سوريا ولبنان وفلسطين. وتقع القرية الخامسة، وهي قرية الغجر، بالقرب من الحدود اللبنانيّة وسكّانها مسلمون.
وفيما يخضع الدروز الإسرائيليّون للتجنيد الإلزاميّ في الجيش الإسرائيليّ، بما أنّ زعماءهم الدينيّون وافقوا سنة 1956 على انضمام أبنائهم إلى صفوف الجيش الإسرائيليّ، يرفض الدروز في هضبة الجولان إسرائيل والاحتلال الإسرائيليّ رفضاً تامّاً ويتمسّكون بقوميّتهم العربيّة السوريّة بشراسة.
وقد ألقى النزاع الأهليّ في سوريا المستمرّ منذ سبع سنوات تقريباً بثقله على السوريّين المقيمين في هضبة الجولان المحتلّة.
وقال مدير المركز العربيّ لحقوق الانسان في الجولان، نزار أيوب، لـ "المونيتور" إنّ النزاع الطاحن في سوريا ألقى بثقله على السوريّين في هضبة الجولان، مضيفاً: "كنّا نصدّر التفّاح ونسجّل أولادنا في جامعات سوريّة ونستمتع بزيارات عائليّة مع أهلنا في سوريا. لكنّ الوضع تغيّر".
ومع أنّ سوريا وإسرائيل هما رسميّاً في حالة حرب منذ العام 1967، إلا أنّ قوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة تدير معبراً حدوديّاً صغيراً تشرف عليه قوّة الأمم المتّحدة لمراقبة فضّ الاشتباك ويسمح بتنقّل محدود للمنتجات الزراعيّة والطلّاب وبالزيارات العائليّة.
وقال أيوب إنّ المزارعين في الجولان كانوا يصدّرون منتجاتهم برّاً إلى العالم العربيّ عبر سوريا قبل اندلاع أعمال العنف. وأضاف: "كانت الأسواق مفتوحة، وكنّا نبيع التفّاح بسعر جيّد، لكنّ الخيارات التي نتمتّع بها الآن أعلى كلفة بكثير. فعلينا إمّا أن نشحن إلى أوروبا عبر وسطاء إسرائيليّين وإمّا أن ندفع من أجل التخزين إلى أن تصبح الأسعار أكثر ربحيّة".
ولا تقتصر القيود الناجمة عن الحرب الأهليّة السوريّة على المنتجات الزراعيّة. فقد أشار أيوب إلى أنّ مئات الطلّاب كانوا يعبرون الحدود لحضور حصص في جامعات سوريّة. لكنّ الطلّاب المقيمين في الجولان باتوا، بسبب النزاع، مجبرين على متابعة دراستهم في جامعات إسرائيليّة أو فلسطينيّة أو على السفر. وقال: "يريد ابني عمر أن يدرس الطبّ. لو كان الوضع مستقرّاً، لتسجّل في كليّة للطبّ في سوريا. أنا أبحث الآن عن مكان له في كليّة للطبّ في بلغاريا أو رومانيا".
وقال أيوب إنّ سكّان الجولان يساعدون أقرباءهم في سوريا، نظراً إلى الظروف الحاليّة. وأضاف: "نرسل الأموال حاليّاً إلى أقربائنا في سوريا لمساعدتهم على تلبية حاجاتهم الأساسيّة، كالطعام والوقود".
وروت محامية من عين قينيا في الجولان تدعى سهى منذر قصصاً مشابهة عن المصاعب التي يواجهها الطلّاب المقيمون في الجولان. فقالت لـ "المونيتور": "أرادت نسيبتي – نور منذر – دراسة طبّ الأسنان. لكنّها عجزت عن متابعة دراستها في سوريا، واحتاجت إلى ثماني سنوات للتخرّج، بما في ذلك الوقت الذي أمضته في الجامعة الأميركيّة في جنين. لو كانت سوريا مستقرّة ومفتوحة، لتخرّجت في غضون أربع سنوات". وأضافت: "في البداية، انتظرت على أمل أن تتمكّن من متابعة دراستها في سوريا، لكنّ العنف أجبرها على الانتقال إلى كليّة أخرى".
وهذا الأسبوع، اقترب النزاع في سوريا أكثر من سكّان الجولان المحتلّ.
وقال الباحث والناشط سلمان فخر الدين لوكالة "عرب نيوز" التي يقع مقرّها في السعوديّة، في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، إنّ سكّان مجدل شمس سمعوا أصوات الاشتباكات التي وقعت في القرى الواقعة في الجهة المقابلة من الحدود والتي تشرف عليها الأمم المتّحدة، ولا سيّما قرية حضر. ونقلت الوكالة عن فخر الدين قوله إنّ حضر دفعت ثمناً غالياً في الحرب الأهليّة السوريّة". وأضاف الباحث والناشط أنّ "أكثر من مئة شخص قُتلوا [هناك] في السنوات الثلاث الماضية و15 شخصاً قُتلوا في الأيّام القليلة الماضية. نسمع أصوات إطلاق النار والقصف من منازلنا".
وبما أنّ سكّان حضر هم دروز، فقد صرّحت إسرائيل علناً في 4 تشرين الثاني/نوفمبر أنّها لن تسمح بسقوط القرية، ما دفع الكثيرين في الجولان إلى القول إنّ بعض التظاهرات الاحتجاجيّة التي ينظّمها الدروز تهدف إلى منح إسرائيل ذريعة لتوسيع رقعة احتلالها.
وحذّر فخر الدين من أنّ "الإسرائيليّين يستعملون السكّان الدروز الذين يشكّلون الأقليّة في القرية من أجل التحضير لتدخّل عسكريّ محتمل". وفي الواقع، أعلن الجيش الإسرائيليّ استعداده لفعل ذلك. فقد نُقل عن متحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ قوله إنّ "قوّات الدفاع الإسرائيليّة مستعدّة وجاهزة لمساعدة سكّان القرية وستمنع إلحاق الأذى بقرية حضر أو غزوها بسبب التزامنا العميق تجاه السكّان الدروز".
لكنّ منذر لا تخشى حصول توسّع عسكريّ إسرائيليّ. وقالت: "لو كان بإمكان إسرائيل احتلال مزيد من الأراضي لفعلت ذلك. لكنّها تعرف أنّ الجنود العرب السوريّين في الجهة المقابلة لن يسمحوا لها بالدخول". وهاجمت منذر الزعيم الروحيّ للدروز في إسرائيل، قائلة: "إنّ موفّق طريف لا يتحدّث بالنيابة عنّا، ونحن لا نشعر بأنّه يمثّلنا".
وحمّلت منذر، الفخورة جداً بدعمها للرئيس السوريّ بشار الأسد، إسرائيل مسؤوليّة الحرب في سوريا، قائلة: "أعتقد شخصيّاً أنّ إسرائيل خطّطت للكثير من المشاكل التي نشهدها في سوريا. فمن الواضح أنّها المسؤولة عن بروز بعض الإرهابيّين المسّلحين في سوريا وتسليحهم".
لقد تبجّحت إسرائيل وصرّحت علناً منذ بداية النزاع أنّها تتولّى معالجة مئات المقاتلين المصابين التابعين للمعارضة في سوريا في مستشفيات إسرائيليّة. وذكرت صحيفة "ذي إينديبندنت" في 19 حزيران/يونيو أنّ إسرائيل تقدّم مساعدات مباشرة إلى المعارضة.