المياه .. الأولية الغائبة عن مجتمع السياسيين العرب
التنسيق السياسي في إدارة حوض اليرموك في أضعف حالاته
حصة المواطن من المياه سنويا 120 متر مكعب
71 بالمئة من الطلب على المياه يذهب للزراعة
يستضيف الأردن للمرة الثانية الأسبوع المقبل أعمال مؤتمر المياه العربى الرابع، خلال الفترة من 19-21 مارس الحالي.
وينعقد المؤتمر - الذي يليه بدء أعمال القمة العربية - تحت عنوان "إدارة أنظمة المياه فى البيئات الهشة فى المنطقة العربية"، بمشاركة أكثر من 18 دولة عربية و15 منظمة إقليمية ودولية ومؤسسات البحث العلمى و360 شركة عالمية مهتمة بنقل خبراتها للمنطقة العربية واتحادات عالمية مائية وعدد من الخبراء الدوليين والإقليميين.
وأوضح أمين عام الجمعية العربية لمرافق المياه، "أكوا"، خلدون الخشمان لـ "عمان نت"، أن واقع المياه العربية يحتاج إلى مزيد من تعزيز التعاون العربي العربي، وبناء شراكات فاعلة وتنفيذ مشاريع مائية مشتركة لمواجهة الظروف المائية التي تعصف بالمنطقة العربية.
الأزمة المائية محليا .. الأسباب والحلول
ويرى أمين عام سلطة وادي الأردن المهندس سعد أبو حمور أن أبرز أسباب انخفاض نسبة المخزون في سدود المملكة إلى قرابة الـ 25 مليون متر مكعب مقارنة مع العام الماضي، هو "قلّة الهطول المطري".
وبحسب أبوحمور" لا تألوا الوزارة جهدا للسيطرة على الفاقد من المياه والهدر فيها، وتنفيذ مشاريع الحصاد، وإنشاء الحفائر، والإستمرار بصيانة الخطوط".
ويؤكد "عدم جود تأخر في انجاز المشاريع لأي سبب فني أو مالي"، مدللا على ذلك بأن التأخر في تنفيذ عطاء سد الودات في الطفيلة كان بسبب "عدم تقدم شركات للعطاء"، والذي سيتم البدء بتنفيذه مطلع الصيف القادم.
وفي محاولتها للسيطرة على الأزمة المائية يشيد الأمين العام للجمعية العربية لمرافق المياه، خلدون الخشمان بجهود وزارة المياه والري مقارنة بحجم الضغط السكاني الهائل إضافة إلى أزمة اللجوء، ويصفها "بالمعقولة".
ويرى الخشمان أن "التغير المناخي، يسهم في توسيع رقعة البلدان العربية التي تدخل حيز البيئة الهشة للمياه".
مضيفا بأن من عوامل الدخول في هذه البيئة "هجرة العقول العربية التي يتوجب رسم خطط لإجتذابها وتوطينها فى دولها من خلال خلق قطاع عام قوى لإدارة الموارد المائية بالشراكة الفاعلة مع القطاع الخاص، وضعف استخدام التكنولوجيا الحديثة في إدارة المياه، وعد وجود موارد مالية لتنفيذ مشاريع كبيرة والأوضاع السياسية في المنطقة".
"وسجلت حصة المواطن الأردني من المياه سنويا عام 2007 عند 145 متر مكعب، في حين انخفضت بعد الأزمة السورية إلى 120 متر مكعب سنويا"، وهي نسبة تقل بشكل واضح عن خط الفقر المائي المقدر عالميا بـ 500 متر مكعب سنويا.
لكن، كيف يمكن المحافظة على هذه الحصة دون نقصان بالتوازي مع زيادتها ؟
يقول الخشمان لـ "عمان نت" بإن هناك حلين، الأول بتحلية مياه البحر والذي يكلف المتر الواحد منه دولار ونصف ولا يستطيع المواطن دفع هذه الكلفة، ما يدفع الدول لدعم المياه، ولن تستطيع كل الدول القيام به لعجزها المالي، وثانيها بالتوجه لإدخال المياه المعالجة من الصرف الصحي بعد المرحلة الثالثة من المعالجة لغاية الإستخدام للزراعات المقيدة وللإستخدام الصناعي، أو ما تعمل عليه الجمعية العربية لمرافق المياه من رفع الكفاءة وتقليل الفاقد الذي يفوق الـ 50 بالمئة في بعض الدول العربية.
في ذات السياق، يطالب الخبير في الشؤون المائية الدكتور دريد محاسنة بعدم ربط مشكلة المياه محليا بالتغير المناخي فقط، "فهناك حاجة لربطها بتزايد عدد السكان وأعداد اللآجئين".
فالمنطقة كانت جرداء وبحاجة ماسة للمياه في زمن سابق، والتغير المناخي الحاصل وكأنه يعيدنا لتلك الحقبة، كما يصف محاسنة، مشددا على ضرورة "لجم الإستخدام الغير مبرر للمياه في الزراعة، وأن تبدأ الجهات العاملة على إدارة المياه بالتفكير خارج الصندوق وعدم تعليق المشكلة على "الموسم المطري والمناخ".
المياه والزراعة .. ما الجدوى الإقتصادية ؟
تنص استراتيجية المياه الأردنية للأعوام من 2008 – 2020 على "وجوب وضع سقف للزراعة المروية في المناطق المرتفعة وإنفاذ الأنظمة، ووضع تسعيرة مياه تحفز استخدامها بفعالية لجعل الناتج الزراعي مجد اقتصاديا".
فيما وصلت نسبة الطلب على المياه لقطاع الزراعة أردنيا عام 2007 من إجمالي الطلب على المياه إلى 71 بالمئة، مقابل 24 بالمئة للإستخدام المنزلي، و 5 بالمئة للصناعة، و 1 بالمئة للسياحة.
ويصف الخبير في الشؤون المائية الدكتور دريد محاسنة هذه النسبة "بالإستنزاف" كون القطاع الزراعي يعود على الإقتصاد الأردني بـ 5 بالمئة من الناتج المحلي.
مع الأخذ بالإعتبار أن غالبية العاملين في الزراعة عمال وافدين، وغالبية زراعاتنا مروية، داعيا إلى "ضرورة بذل جهد شعبي نيابي حكومي لخلق منظومة متكاملة تعبر بنا للمستقبل، حيث تبنى الخطط الزراعية والسكانية وفقا لمقدرتنا المائية بالدرجة الأولى"، بحسبه.
في التعاون العربي المشترك .. المياه ليست أولوية
يقول أمين عام الجمعية العربية لمرافق المياه، "أكوا"، خلدون الخشمان لـ "عمان نت"، أن جميع المؤتمرات وتوصياتها وأعمال الجمعية وخطتها الخمسية تبناها مجلس الوزاري العربي للمياه، بعد القمة الإقتصادية العربية التي عقدت في الكويت.
لكن، ايجاد التمويل اللآزم لتنفيذ الإستراتيجية العربية للمياه يقف عقبة أمام التطبيق، بالرغم من وجود مشاريع واتفقيات عربية مشتركة للمياه منها "الإتفاق بين دول الخليج لتحلية مياه البحر والحفاظ على سلامة المياه من التلوث، والإتفاق بين مصر والسودان، والجزائر وتونس وليبيا لإدارة حوض مشترك، والإتفاق الأردني السعودي لمياه الديسي والأردني السوري لإدارة حوض اليرموك".
عدى عن النشاط المشترك بين منظمات المجتمع المدني العربية المعنية بالمياه، بحسب الخشمان، والتي نتج عنها 15 مشروع ملكية فكرية للمياه بمشاركة منظمات من جميع الدول العربية.
من جهته، يرى الخبير محاسنة أن جهود منظمات المجتمع المدني لوحدها "لا تكفي" في ظل عدم وجود تفاهم وشفافية على المستوى السياسي في ملف المياه وأن الإتفاقيات لا تطبق.
ويؤكد "أن التنسيق السياسي في إدارة حوض اليرموك في أضعف حالاته"، حيث قضت الإتفاقية بحصول الأردن على 40 بالمئة من حاجته للمياه من هذا الحوض، والتي "في أحسن الظروف" لم تصل فيه الكميات التي حصل عليها الأردن لهذه النسبة.
"واليوم في ظل ظروف غير طبيعية، مع تبعات اللجوء السوري وزيادة الضغط على مصادر المياه خاصة في مناطق الإستضافة شمال المملكة"، يدعو المحاسنة لإعادة النظر في الإتفاقية العربية السورية لمياه حوض اليرموك.
مبينا أن هذا الأمر صعب المنال، في ظل عدم "إهتمام المجتمع السياسي العربي" بقضاياه ذات "الأولية الغائبة" المتمثلة بالفقر والبطالة والمياه والطاقة، وتجنب تأثير الحروب على هذه الملفات.
هذا التقرير ضمن مشروع "انسان".