الكهرباء الوطنية...خمسٌ عجاف تطيح بثلاثة عشر عاماً من النور

الكهرباء الوطنية...خمسٌ عجاف تطيح بثلاثة عشر عاماً من النور
الرابط المختصر

لم تكن سلسلة النجاحات التي حققتها شركة الكهرباء الوطنية سبباً قوياً في تحملها لكل الظروف التي تلوح بإطاحتها عن عرشها كشركة أم لباقي شركات الكهرباء الخاصة في المملكة.

 

تاريخ عريق بدأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي لقطاع الكهرباء، كان حجر الأساس الذي حافظ على استمرارية الشركة طوال هذه السنوات، استطاعت خمس سنوات فقط من عمر الشركة في مواجهة الخسائر أو الاستسلام إليها، أن تهددها بالاندثار.

 

الغاز المصري كان القشة التي قصمت ظهر البعير، والعنوان الحافل في سلسلة السقطات التي تعرضت لها شركة الكهرباء الوطنية المساهمة العامة، مشغل السوق الرئيسي لقطاع الكهرباء بمختلف العمليات من توليد وتوزيع، والمالكة لشبكة نقل الطاقة الكهربائية في المملكة.

 

 

قطاع الكهرباء الأردني

 

 

لن يستطيع الباحث في حيثيات كل ما حدث وما أوصل "الوطنية" لمكانها اليوم، أن يقصي أبعاد التاريخ منذ تأسيس قطاع الكهرباء في الأردن ومرورا بالتحديات والمهام والمسؤوليات المناطة بمؤسسات الكهرباء وانتهاء بزوال العصر الذهبي لشركة الكهرباء الوطنية عام 2009، بعيدا عما يحدث اليوم.

Untitled-112 copy copy

جاءت الشركة خلفا قانونيا عاما لـ"سلطة الكهرباء الأردنية"، بعد سلسلة من التطورات التاريخية التي طالت قطاع الكهرباء.

 

ويروي مدير عام الشركة السابق أحمد حياصات (2002-2010)، كيف بدأ قطاع الكهرباء في ثلاثينيات القرن الماضي بشركة خاصة صغيرة، تلاها إنشاء شركة الكهرباء الأردنية المساهمة عام 1945، لتحل محل شركة كهرباء عمان الخاصة بعد تطورها، وبرأسمال قدره 100 ألف جنيه فلسطيني، وذلك لتغطية الطلب المتزايد على الكهرباء.

 

وفي عام 1967 أنشأت الحكومة سلطة الكهرباء الأردنية وحددت واجباتها بتوليد الطاقة الكهربائية، وإنشاء شبكة نقل كهربائية وطنية تؤمن نقل الطاقة إلى جميع أنحاء المملكة، إضافة لإنشاء شبكات فرعية لتوزيع الكهرباء في المناطق غير المشمولة بامتياز شركات القطاع الخاص.

 

وقررت الحكومة إعادة هيكلة  قطاع الكهرباء عام 1996، باتجاه تحويل سلطة الكهرباء إلى شركة مستقلة، وذلك بعد إصدار قانون الكهرباء الجديد رقم 10 لعام 96، وتشكيل مجلس إدارة جديد للشركة، لتخرج إلى الحياة شركة الكهرباء الوطنية.

 

وفي العام 1999 أعادت الحكومة هيكلة الشركة الوطنية "الأم" بفصل نشاطاتها وتقسيمها إلى  ثلاث شركات حسب الاختصاص: النقل، والتوزيع، والتوليد.

 

 

الغاز.. والعصر الذهبي

 21111

18 عاما على تأسيس شركة الكهرباء الوطنية استطاعت في 13 عاما الحفاظ على توازنها بل وتحقيق الارباح احيانا، ولكن ذلك انتهى في آخر خمس سنوات. فخسائر الشركة تقارب المليار دينار سنويا تتراكم منذ عام 2010 حتى اليوم، بدأت ب 160 مليون دينار وتلاها 1.008 مليارا في 2011، ومليار آخر في 2012 حيث وصلت الخسائر 2.3 مليار دينار، وحافظت على حجمها في 2013 لتصل إلى 1.85 مليار دينار، فيما وصلت الخسائر في 2014 حتى أيلول الماضي 950 مليون دينار

 

لم يكن وضع الشركة المالي قبل عام 2010، وتحديدا منذ عام 2004 يشير إلى خطر حدوث كل هذه الخسائر حتى اليوم، فالشركة كانت قادرة حتى عام 2009 على كسب هامش ربحي جيد يحافظ على صدارتها ماليا كجهة حكومية ومشغلة لواحد من أكبر قطاعات الدولة.

 

ولكن وضع الشركة الحساس جدا كونها مرجعا ومصدرا لتوليد الطاقة الكهربائية، ظل محل قلق لسنوات عديدة كونها تشتري أساس هذه الطاقة من مصدر واحد فقط ولا بدائل أخرى لديها في حال انقطاعه.

 

تعدد مصادر الاستيراد هو الحل المؤقت الأكثر مناسبة في حال عدم القدرة على الإنتاج والتصنيع لحفظ استمرارية أي شركة، ولكن ما حصل في شركة الكهرباء الوطنية قلب كل الموازين.

 

في يناير عام 2004 قامت الحكومة الأردنية بتوقيع اتفاقية الترخيص لشركة فجر الأردنية المصرية لتنفيذ المرحلة الثانية لخط الغاز العربي بنظام BOOT ، ويمتد الخط بطول 395 كم وبقطر 36 بوصه من مدينة العقبة جنوباً حتى منطقة رحاب شمالاً شاملة محطة ضواغط الغاز بالعقبة ونظام تحكم آلي متطور، وتم الانتهاء من المشروع في شهر كانون اول 2005.

 

هذا المشروع كان عماد أرباح شركة الكهرباء الوطنية، والمصدر الوحيد لتوليد الكهرباء من مادة الغاز الطبيعي المصري.

 

ويوضح حياصات أن "الوطنية" كانت تستقبل 340 مليون قدم مكعب من الغاز المصري يوميا، وتولد ما نسبته 85% من حاجة المملكة بسعر 2 دولار لكل مليون وحدة حرارية، أي أن كلفة الكيلو واط /ساعة على الحكومة 40  فلسا، "الأمر الذي أتاح لها تحقيق هامش ربحي يغطي احتياجاتها".

 

وقود ثقيل.. جدا

 

 

كمية الغاز الواردة للملكة انخفضت خلال عام 2010، إلى النصف عما كانت عليه عام 2009، وهو مادفع الشركة لزيادة استخدام الوقود الثقيل، ما رتب خسائر مادية على الشركة خصوصا بعد تصاعد الأسعار العالمية للنفط بداية عام 2011، واستمرار مسلسل التفجيرات للأنبوب الناقل للغاز، لتتشكل "نقطة إنطلاق" لخسارة المليار وأكثر على الشركة.

 

ويرجع حياصات انخفاض كميات الغاز المصري منذ عام 2010 ، والذي توقف إمداده منذ نيسان الماضي، إلى ما اعتبره "تصلب رأي" وزارة الطاقة مع الجانب المصري بعد مشاوراته حول رفع أسعار الغاز، الأمر الذي أفضى آنذاك إلى التلويح بتخفيض كميات الغاز المصدرة  إلى الأردن.

 

 

كما يؤكد مدير عام الشركة الحالي عبد الفتاح الدرادكة، على أن سبب تنامي خسائر الشركة يعود إلى انقطاع امدادات الغاز المصري، وحاجة الشركة لشراء الوقود لمحطات توليدالكهرباء والتي يتم تزويدها بـ 11 ألف طن يومياً لغايات التوليد والذي تتحمل الشركة الوطنية مسؤولية توفيره الكاملة.

 

 

ويوضح الدرادكة  بأن ما زاد الوضع سوءاً هذا العام هو أن الموازنة العامة للشركة أعدت على أساس توفر الغاز المصري بكمية 100 مليون متر قدم مربع، والذي انقطعت إمدادته كلياً في الوقت الراهن .

 

 

ويشير إلى حاجة الشركة لـ800 مليون دينار لسداد المبالغ المترتبة عليها لصالح مصفاة البترول وشركات توليد الكهرباء، حيث ستلجأ للاقتراض من البنوك الإسلامية لانخفاض نسبة الفائدة فيها.

 

 

 

الحكومة والحل البديل..ستة وزراء طاقة في آخر ثلاث سنوات

 

تراكمت خسائر الشركة بشكل أساسي بسبب الاعتماد الكبير للشركة بتوليد الطاقة على الغاز المصري دون وضع خطط بديلة للتوليد، هذه الخلاصة تحملت تبعياتها ونتائجها الشركة الوطنية ولكنها لم تكن المسؤول الوحيد عن كل ما حدث.

 

 

يشير حياصات، إلى أن "مماطلة الحكومة بإيجاد حلول بديلة لتوليد الطاقة من جهة، وانقطاع الغاز المصري من جهة أخرى، أديا إلى تعثر الشركة بخسائر كبيرة لدرجة عدم تغطيتها احتاجاتها الداخلية".

 

ويضيف بأن وزارة الطاقة والثروة المعدنية "استمرت في التعامل مع هذه المشاريع بشكل روتيني، مماطلة في التفاوض حولها بحيث تأخرت مشاريع الطاقة المتجددة ومشروع توليد الكهرباء من الصخر الزيتي ومشروع البنية التحتية للغاز المسال وإجراءات ترشيد الاستهلاك ورفع كفاءة الطاقة وغيرها ".

 

وفي الثلاث عشرة سنة الأخيرة مر على الأردن 13 وزيرا للطاقة، ستة منهم في السنوات الثلاث الأخيرة فقط.

 

"كما تأخرت إجراءات ترشيد الاستهلاك ورفع كفاءة استخدام الطاقة إلى أبعد الحدود، حتى أن أبسط المشاريع المتمثلة في شراء وتوزيع اللمبات الموفرة للطاقة لم يتم تنفيذه رغم أن الوزارة باشرت بالاجراءات المتعلقة به منذ ثلاث سنوات تقريبا"، يقول حياصات.

 

 

وكانت الحكومة قد وافقت مؤخرا على قيام شركة الكهرباء الوطنية بالاقتراض من البنوك الإسلامية الأردنية، وبكفالة الحكومة لتغطية الالتزامات المترتبة عليها واحتياجاتها المالية حتى نهاية العام الحالي.

 

 

فيما تشير استراتيجية الحكومة لمواجهة خسائر الشركة إلى أن أحد أسباب هذه الخسائر يتمثل بتحملها الدعم ما بين سعر الشراء من شركات التوليد الأخرى، وسعر بيع الطاقة للمشتركين النهائيين.

 

 

إلا أن المحلل الاقتصادي خالد الزبيدي، يصف الحديث عن استمرار خسائر الكهرباء بتصاعدية ومبالغ كبيرة تقارب المليار سنويا بالـ"مبالغ فيه، وأن الأرقام تدعو للتشكيك حول مصداقيتها"، مشيرا إلى أن "عدم جدية الحكومة ومماطلتها في تنفيذ حلول بديلة سيؤدي إلى تفاقم الخسائر"، على حد تعبيره.

 

 

مرحلة اللاجدوى

 

وضعت الحكومة نهاية 2012 استراتيجية لمواجهة خسائر الشركة الوطنية، والتي من المفترض أن توصل الشركة الى نقطة الصفر مع نهاية عام 2017، إلا أن هذه الاستراتيجية، بحسب حياصات، لم تكن فعالة.

 

 

ولجأت الحكومة إلى وضع خطة مبرمجة لزيادة التعرفة الكهربائية بشكل تصاعدي حتى عام 2017، الأمر الذي أكد حياصات عدم جدواه، حيث أنه سيرفد الشركة بمبالغ بسيطة لا تغطي سوى جزء بسيط من احتياجات الشركة.

 

فيما يشير المحلل الاقتصادي خالد الزبيدي إلى أن هذه الخطوة يجب أن تسهم في التقليل من خسائر الشركة.

 

 

 

قوافل الكهرباء.. بدون ميناء

 

تشييد ميناء الغاز الطبيعي المسال في العقبة، واحد من أهم الحلول العملية التي ستحد من خسائر الشركة الوطنية، وستحل معضلة استيراد الطاقة وتفتح الباب أمام الاستيراد من أكثر من دولة، حيث لم تختلف كل الجهات المعنية والشركات المتخصصة على ضرورة تحقيق هذا المشروع على أرض الواقع وبأسرع وقت ممكن.

 

كل شيء جاهز تقريبا، مخططات المشروع، المنفذون موجودون، وحتى التمويل الذي بلغ 65 مليون دولار حصلت عليها الحكومة ضمن اتفاقية وقعتها مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، لتمويل المشروع.

 

ويهدف المشروع إلى إنشاء المرافق المينائية ضمن مواصفات عالمية وتجهيز البنية التحتية لاستقبال الوحدة العائمة لتخزين واعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى حالته الغازية ومن ثم ربطه بخط الغاز القائم لتغطية احتياجات المملكة.

 

مخاوف يستشرفها المتخصصون في مجال الطاقة تتعلق بجدوى الهامش الربحي بعد أن تفي جميع الأطراف بوعودها للإنتهاء من تشييد المشروع نهاية هذا العام، وقدرة المشروع بعد تشغيله على تغطية خسائر شركة الكهرباء الوطنية في عام 2017، ومخاوف أخرى همست بها أطراف محلية عن مدى جدية الحكومة والمسؤولين في وزارة الطاقة على استغلال الوقت والجهد والمال بتنفيذ المشروع الذي كان لا بد له أن يكون الخيار الأول منذ سنوات لحل مشكلة المصدر الواحد.

 

مثلث الغاز

 

لسبب أو لآخر، تظل دراسات العروض المقدمة من "مثلث الغاز" وأقطابه قبرص وتل أبيب وغزة ، محل جدل واسع، فعرض قبرص لم تحدد معالمه بعد، فيما سيوفر الغاز القادم من إسرائيل والمتوقع انهاء الاتفاق فيه مع شركة نوبل انرجي في الشهر الحالي ما لا يقل عن 1.4 مليار دولار من التكاليف السنوية لواردات الطاقة، بحسب تصريحات وزير الطاقة محمد حامد "لرويترز".

 

إلا أن هذا الاتفاق برأي العديد من الفعاليات المناهضة له سيكون له كلف سياسية كبيرة، وقد يكون امداد الغاز  من خلاله معرضاً في أي لحظة للتوقف.

 

أما الغاز القادم من أرض غزة فهو غير وفير، حيث سيتم تصديره للأردن بشكل حصري وتتراوح كمياته من 150 إلى 180 مليون قدم مكعب يوميا ولمدة 15 عاما، مما يعني أن أي خلل سواء على الصعيد الأمني في غزة أو حتى على الصعيد القانوني كالضعف الذي شهدته الشروط الجزائية التي كتبتها الأردن على مصر في مرحلة الغاز المصري، وغيرها، سيضع الطاقة الأردنية مرة أخرى على المحك.

 

 

خسائر قطاع الكهرباء لا تتوقف عند أبواب تراجع القطاع فقط، الذي وقع ضحية المماطلات والتأخير والقرارات غير الصائبة من الحكومة الأردنية، وإنما يمس بشكل مباشر مجمل اقتصاد الأردن، لأنها تشكل مديونية على الحكومة ترفع مجمل الدين العام، كما ستؤثر سلبا على عجز الموازنة وعلى مجمل المؤشرات المالية والاقتصادية.