العقاب الجسدي واللفظي في المدارس،معلمون خارجون عن القانون (انفوجرافيك)

العقاب الجسدي واللفظي في المدارس،معلمون خارجون عن القانون (انفوجرافيك)
الرابط المختصر

واحدة اثنتان ثلاثة أربعة، ومن ثم دمعت عينا علاء رغم محاولته الامتناع عن البكاء خجلا من زملائه في الصف بعد تعرضه للتأديب بالعصا على يد مدير المدرسة.

 

يروي علاء ابن الثلاثة عشر عاما معاناته داخل المدرسة التي تبعد عن منزله مسافة ليست بالقليلة. علاء وثلاثة من أصدقائه أبناء لعائلة بدوية تسكن وسط الجبال جنوب الأردن، يسير يوميا مسافة ثلاثة كيلومترات ليصل الى المدرسة، ما يتسبب في بعض الأحيان بتأخره لعدة دقائق عن الطابور الصباحي ويكون عقابه هو أربع جلدات، يجلده إياها مدير المدرسة بعصا من الخيزران.

 

يكمل علاء انه وبعد تعرضه لهذا الاعتداء لمرتين خلال الفصل الأول قرر أنه لن يذهب إلى المدرسة في حال تأخره، وأنه سيعود أدراجه إلى المنزل في حال تأخره يوما عن الطابور الصباحي، مبررا ذلك بأنه يفضل أن يسجَل بحقه يوم غياب على أن يذهب و”يُجلد” بعصا المدير.

حالة الطالب علاء تم رصدها خلال الجزء الأول من التقرير والذي تم إعداده قبل ثلاثة أعوام، وفي الجزء الثاني، أعدنا التواصل مع علاء، ليخبرنا بأنه لم يعد يتعرض للضرب التأديبي، علاء واصدقائه، أكدوا أن الانتهاك لم يعد يقع عليهم لأنهم انتقلوا من مدرستهم الأساسية إلى مدرسة ثانوية، لنكتشف أن أجيالا جديدة أخذت محل علاء واصدقائه، ليرثوا منهم انتهاك العقاب البدني على يد الكادر التدريسي في المدرسة الأساسية.

التصرفات المزعجة أو غير المقبولة، الأخطاء والحوادث البسيطة، الأداء الأكاديمي وعدم الانضباط، هكذا يصنف تقرير أعدته منظمة اليونيسيف لحماية الطفل الأسباب التي يتعرض لها الأطفال في المدارس الأردنية للعقاب البدني من قبل معلميهم، وبالرغم من تعليمات وزارة التربية والتعليم على كافة الكوادر التعليمية والإدارية في المدارس بعدم استخدام العقاب البدني مع الطلاب، ومحاولات الوزارة والمنظمات الحقوقية بتوعية مجتمع الأهل والمعلمين عبر حملات تعبئة متعددة، إلا أن الكثير من المدارس تشهد خلف أسوارها حلقات تعنيف يومي بحق اطفال على مقاعد الدراسة.
الحملة الوطنية معا نحو بيئة مدرسية آمنة والتي أطلقتها منظمة اليونيسيف ووزارة التربية والتعليم عام 2009، تعمل وبشكل دوري على قياس نسب العنف في المدارس الأردنية، وتوضح مديرة إدارة التعليم في وزارة التربية الدكتورة خولة ابو الهيجا أن الوزارة بالتعاون مع عدد من المؤسسات الرسمية والمنظمات المجتمعية، قامت وعلى مدار العشرة أعوام الماضية بعدد من الحملات والخطط التي استهدفت الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، مبينة أن نسبة من تعرض من الطلاب إلى العنف الجسدي انخفضت من 57 بالمئة عام 2007  إلى 10.88بالمئة عام 2016، كما وانخفضت نسبة العنف اللفظي من 71 بالمئة عام 2007 إلى 18.38بالمئة عام 2016.

القياس الذي تقوم به الوزارة بني وبحسب إدارة التعليم على عينات من الطلبة شملت جميع مدارس الأردن، لكننا وبربط النسب المُعلنة بمجمل عدد الطلاب المتصاعد في الأردن كل عام، نجد أن المشكلة مازالت قائمة وتدعو للقلق، وذلك في ظل تضاعف أعداد الطلبة منذ بداية حملات الوزارة، حيث كان العدد 1.095496مليون طالب وطالبة عام 2007 ليصل إلى 1.9 مليون في العام 2016، ما يضعنا أمام قراءة جديدة للنسب المتحققة.

وحول الإجراءات القانونية التي تتخذ بحق المعلم الذي يستخدم التعنيف الجسدي أو اللفظي بحق الطلاب، أوضحت إدارة التعليم في وزارة التربية أن الإجراء المتبع حاليا هو العقوبة التأديبية بحق المعلم الذي يقوم بعقاب الطلاب بدنيا أو لفظيا، وذلك بالاستناد إلى نظام الخدمة المدنية، وأن إدارة التعليم تنتظر إقرار قانون الحماية من العنف الأسري والذي يتم تعديله حاليا ليضم العنف الموجه ضد الطلاب في المؤسسات التعليمية، والذي سيتم من خلاله تحويل من يثبت تورطه بانتهاك ضد أي طالب إلى الجهات القضائية المختصة.


في مدرسة واحدة

يرى الأستاذ محمود أن تأخر الطلاب عن حضور الطابور الصباحي مبرر وجيه لعقابهم بدنيا، يقول" نحن لا نضربهم ضرباً مبرحاً، نحن نحاول ضبط العملية التربوية والتعليمية، فالتربية قبل التعليم، صدقني إن الطلبة في أيامنا هذه بحاجة إلى التربية أكثر من حاجتهم للتعليم"

في المقابل ومن نفس المدرسة، يؤكد الأستاذ عصام أنه لم يعاقب يوما  أيا من طلبته بدنيا أو لفظيا، مشيرا إلى أن طلاب فصله الدراسي يتفاعلون ويبدعون في المادة أكثر من غيرهم.

في الوقت ذاته، يدافع الأستاذ عبدالله  مدير المدرسة عن العملية التربوية والتعليمية في المدرسة ويقول "أولياء أمور بيجوا عندي، مش قادرين يضبطوا أبناءهم، وهم من يطلبون الشدة في التعامل مع الطلاب، وهذا يصب في مصلحة الطالب".

الطفل والقانون

في عام 1997 قامت المستشارة القانونية للمجلس الوطني لشؤون الأسرة رحاب القدومي بتقديم مشروع قانون حقوق الطفل إلى مجلس النواب وذلك بعد عرضه على ديوان الرأي والتشريع الأردني، ولكن القانون لم يناقش لغاية يومنا هذا.
تقول القدومي أن مشروع قانون حقوق الطفل كان قد وصل الى مراحله النهائية بعد مناقشته في ديوان التشريع والرأي، حيث تم ادراجه على جدول اعمال مجلس النواب الأردني عام 2006، لكن مشروع القانون اصطدم بآراء من داخل المجلس دعت إلى عدم إقراره والاكتفاء بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل قانونا خاص، وترى القدومي “أن مشروع قانون الطفل لم تتم مناقشته بسبب جديته والزامه لجميع الجهات المسؤولة للقيام بواجبها والحد من العنف الذي يواجهه الأطفال في المنزل والمدرسة، وأن الاكتفاء بإقرار الاتفاقية بصفة قانون خاص لا تضمن ردع ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات بحق الطفل، لأن الاتفاقية أشارت في بنودها إلى التزام الدول في اتخاذ التدابير التشريعية اللازمة”.

اتفاقية حقوق الطفل التي صادق الأردن عليها عام 1991، تشير في معظم بنودها الى وجوب احاطة الطفل بالحماية من جميع الممارسات التي قد تؤثر سلبا على واقعه ومستقبله، كما واحتوت الاتفاقية مواداً تضمن عدم استخدام العنف ضد الطفل داخل المؤسسات التعليمية.

المادة ١٩
" ١ .تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته."

المادة 28
"تتخذ الدول الأطراف كافة التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتمشى مع كرامة الطفل الإنسانية ويتوافق مع هذه الاتفاقية."
 

 

لكننا إذا ما نظرنا إلى مشروع القانون المحلي الذي تم وأده في أدراج مجلس النواب، نجد أن مواده كانت سوف تضمن ردع أي انتهاك قد يقع بحق الأطفال ممن هم على مقاعد الدراسة عبر ثلاثة مواد متتالية تفصّل ثوبا من العدل، ناسب مقاس الطفل ولم يناسب مقاس المشرع المحلي.

المواد المتعلقة بالعقاب البدني للأطفال في مشروع قانون حقوق الطفل: انفوغراف


التفات دولي، ومراوغة حكومية

في العام 2013 وردا على توصيات مجلس حقوق الإنسان بين التقرير الوطني المقدم لمجلس حقوق الإنسان أن الجهات المعنية في الأردن قامت بحزمة من التدابير لحماية الطفل من العنف شملت تعديل نظام الخدمة المدنية لضمان عدم الإساءة للأطفال وذلك من خلال تشديد العقوبات التأديبية على كل من يلحق العقاب البدني بالأطفال الذين يتواجدون في الدوائر بما في ذلك المؤسسات التعليمية أو التأهيلية أو التدريبية أو دور الرعاية أو الحماية، وذلك في نص المادة 68 من نظام الخدمة المدنية المعدل رقم 134 لسنة 2009، وفي حال ثبوت إدانة أي مرتكب لفعل الإساءة والعنف يخضع لأحكام هذا النظام.

 

"
المادة 68 من نظام الخدمة المدنية لسنة 2013 على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية "إيقاع عقاب بدني بأي صورة من الصور على أي من الأطفال الموجودين في الدوائر بما في ذلك المؤسسات التعليمية والتأهيلية والتدريبية أو دور الرعاية أو الحماية أو إلحاق أذى بأي منهم"، كما وتنص المادة 49 من النظام الداخلي للمدارس على أنه “يمنع التفوه بالألفاظ النابية غير اللائقة مع التلاميذ ولا يجوز بأي وجه تطبيق المجازاة البدنية.”

 

لكن مجلس حقوق الإنسان عاد في العام 2014 وحثّ الأردن في توصية جديدة إلى عدم الاكتفاء بالعقوبة التأديبية لمرتكبي العنف، كان ذلك حين قدمت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدةملاحظاتهاالختامية بشأن التقرير الدوري المقدم من الأردن وحثت اللجنة الدولة الطرف على "ضمان تنفيذ القوانين التي تحظر العقاب البدني تنفيـذاً فعـالاً، وإقامة دعاوى قضائية بصورة منهجية ضد مَن يُعاقبون الأطفال بدنياً".

هل يريد المجتمع العدالة لأطفاله؟

في الدرس الديني الذي يسبق خطبة الجمعة والتي بثّها التلفزيون الأردني من مسجد الملك الحسين بن طلال، دعاالشيخ والخطيب الديني غالب الربابعة في العام 2013 إلى تفعيل أسلوب الضرب العقابي في جميع المدارس الأردنية، حيث برر الربابعة دعوته تلك بأن الضرب في المدارس سيحسن من أخلاق الطلبة، وأستدل في حديثه على أدلة من السنة النبوية التي تحث على الضرب لغايات التربية عند اللزوم.

ولم تكن دعوة الربابعة هي الوحيدة من نوعها، بل سبقها دعوة نشرت عبر موقع عمون الإخباري من قبل د.علي خالد طوالبة، "رابطة مشجعي الضرب في المدارس (برئاسة د.علي خالد طوالبة) من يريد الانضمام!!"، حيث طرح الموضوع قضية نقاش يطلب خلالها الطوالبة تأسيس رابطة تشجّع الضرب التأديبي في المدارس، ومن مئات التعليقات على الموضوع قد لا تستخلص بعض تعليقات تعارض الضرب التأديبي، بينما يؤيد الأغلبية رأي الطوالبة، ما يعكس نظر الأغلبية إلى العدل بصفته عادة دخيلة على المجتمع الأردني.


سيكولوجية الطفل، المعلم، والمجتمع


يُفصّل الطبيب والمستشار النفسي، تامر المصري، الطريقة السليمة للنظر إلى العنف داخل المؤسسات التعليمية بطريقة علمية، يبدأ المصري بشرح خطورة الآثار العضوية التي قد تنتج عن العنف الجسدي من رضوض وجروح عادة ما ينتج عنها من آثار نفسية خطيرة.

 
ويكمل المصري شارحا ارتدادات العنف الجسدي واللفظي ضد الطفل في المدرسة، موضحا أن "الأعراض عادة ما تتمثل بالخوف من المدرسة بصفتها المكان الذي وقع فيه التعنيف، والخوف من المعلم، اضافة الى القلق والاكتئاب ومشاكل النوم وضعف التركيز، وصولا الى رفض الطفل وامتناعه عن الذهاب الى المدرسة.

 
وفي حالات تعرضت للعنف داخل المؤسسات التعليمية، يبين الدكتور تامر المصري أنه أشرف على علاج أطفال عانوا من أعراض نفسية يذكر منها رهاب ما بعد الصدمة، والرهاب الاجتماعي، يقول المصري: "بعض الأطفال عالجتهم سلوكيا، وآخرون بصرف عقارات طبية"

 

يكمل الدكتور تامر المصري محاولا ايضاح الواقع النفسي للمعلم الممارس للعنف بأن: "المعلم قد يكون تعرض لتعنيف في طفولته أو أنه نشأ في بيئة عنيفة، اعتاد من خلالها العنف سلوكا بعد أن كبر، أو أنه يعاني من مشكلة نفسية، وقد عالجت من قبل اساتذة مدارس عانوا من أمراض نفسية، مثل نمط الشخصية الفصامية، والشخصية الضد مجتمعية، والعنف المفاجيء."

وحول المجتمع يوضح الدكتور تامر المصري أن "الضرب في المؤسسات التعليمية يحكمه الاعتقاد الإجتماعي السائد، وهو ما يجب على المؤسسات الرسمية المعنية معالجته سريعا، وبطرق علمية موجهة للمجتمع ككل وليس للطالب فقط، وأن يتم ذلك من خلال التعبئة الاجتماعية، والفحوصات التقييمية النفسية للكادر التدريسي."

  • الانفو جرافيك من تصميم موقع عربي انفو
أضف تعليقك