تنتمي فاديا الطباع إلى مدرسة منيرة القبيسي في سوريا، وتُعتبر الطباع إحدى أهم الداعيات في مجال دروس الدين في الأردن.
البداية..
فاديا الطباع هي إحدى تلميذات منيرة القبيسي التي ظهرت في سوريا منذ ما يزيد عن خمس وعشرين عاما، وكانت القبيسي إحدى تلميذات الراحل أحمد كفتارو (مفتي سوريا السابق وشيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سوريا) حيث انشقت عنه لتكّون لنفسها حراكا دعويا انضوى تحته عشرات السيدات المتطوعات واللواتي أصبحن يلقبن فيما بعد بالآنسات.
وانتشار القبيسيات كما يلقبن في سوريا، "وتحديدا بين أصحاب الحظوة المادية" وفق قول إحدى السيدات جعل من انتشارهن يتخطى حدود سوريا، فمنذ سنوات خلت أصبح هناك آنسات في الأردن وفلسطين ولبنان والكويت.
في الأردن وفي فترة قياسية استطاعت فاديا الطباع والتي تنحدر من عائلة سورية ثرية أن تضع مكانة لها في ساحة دروس الدين الخاصة بالنساء لينتشر صداها إلى عشرات البيوت العمانية..حيث نشطن مطلع الثمانينات وأوائل التسعينيات.
محرك البحث الذي وجهته على الإنترنت لأجل أن يسعفني بالمعلومات عن "فاديا الطباع" ومرشدتها الروحية "منيرة القبيسي" في سوريا كان سريعا في إعطائي نتيجة سريعة ومن النتائج كان تعليقا من أحد القراء قائلا حول فاديا الطباع، "فاديا الطبّاع، ناشطة إسلامية في مجال إلقاء المحاضرات والدروس الدينية في بيوت النساء المنتشرة في عمان، وتحديدا في البيوت ذات الغناء، وما هي إلا تكملة لمسيرة الأم الروحية منيرة القبيسي تلك السورية الناشطة من الثمانينيات القرن الماضي في سوريا وهي الآن مسنة ناهزت سن الخامسة والسبعين حيث تقطن في إحدى حواري دمشق".
آنسة: أستهدف الأم والمعلمة والطالبة
سناء، واحدة من آنسات الطباعيات، تلقي المحاضرات الدينية في المنازل وناشطة في مجال الدعوة، رفضت الحديث عن علاقتها بـ"الطباعيات" متحدثة عن ما تقوم به على أرض الواقع، "نحن ننطلق من رسالة رب العالمين، ولا يوجد أفضل من الدعوة لله. كيف ننشر الرسالة سؤال دائما نسأله، فنحن نتعامل مع المجتمع بكافة مستوياته العمرية، ولكن هناك تركيز أكثر على ربة البيت والمعلمة والطالبة، ونبحث عن أناس نؤثر عليهم لكي يؤثر هم بالتالي؛ ربة المنزل المسؤولة عن أسرتها والمعلمة في المدرسة المسؤولة عن طلابها".
سناء، لا تكتفي بإلقاء المحاضرات في البيوت وإنما أسست مركزا لتحفيظ القرآن الكريم، تقول عن نشاطه "أعمل من خلاله على الوصول لأكبر قدر ممكن من الصغار والمراهقين، لأن الله علمني وخلقني، فقد عاهدته أن أنشر كلمة الإسلام. لدي بضاعة وهي منهج واضح في سبيل رفع كلمة الإسلام ومن خلال وسائل متاحة وميسرة ولا أجد صعوبة في ذلك، وكل الناس محبين للإسلام. أجد نفسي هنا لهذا الهدف".
وتركز سناء على الأطفال كثيرا في أنشطتها، "أنظر إلى الأطفال وأقول أنهم أوعية بيضاء مهما وضعت فيها سينتفعون أكثر، الطفل قابل للتلقي حيث أقوم بتحفظيه القرآن الكريم أو أجزاء منه، ليتخلق بأخلاق القرآن".
عن استهدافها للمعلمة، تقول: "أوجه المعلمة كيف تتعامل مع الطفل وفهم المنهج الصحيح لأجل أن تصلهم الرسالة صحيحة".
لكي نعلم أطفالنا القرآن، "نحن بحاجة إلى أم واعية والمحاضرات والدروس المنزلية لإشعارها بمسؤولية دورها".
"أشتغل مع الأم لأجل التربية السليمة لأولادها"، سناء تستقطب عددا كبيرا من الأمهات في محاضراتها، "أمارس الدور التربوي مع الأم نفسها لكي تفهم دورها الصحيح. لا نريدها أن تجلس أمام التلفزيون أو تحتسي القهوة مع جاراتها".
"البنت الغضة الطرية، هي مهمتي، أدعوها إلى الخط الآخر".
والفئة الثالثة التي تستهدفها الآنسة هي طالبات المدارس وتحديدا في سن المراهقة، "تكون الفتاة في فترة المراهقة مشتتة وتحتاج إلى من يعيل نفسها أو المقبلة على الحياة الجامعية تحتاج إلى من يرشدها، نربط الطالبة بمنهج القرآن الكريم والذي يحث على العلم، ونلفت نظر الطالبة بأهمية التعليم العلمي والشرعي وتربط العلم بالدين وأن تكون حريصة بواجباتها الدينية، نهتم بالمراهقات كثيرا ونحميهم من دعوات الانحلال الأخلاقي".
لا أحب دروس المنازل
أم امجد تحضر دروس الدين منذ ثماني سنوات، تلقت عند الآنسات دروسا على مدى عامين، تقول: "أخذت دروس الدين عند واحدة من الآنسات من ثم حولّت دروسي لواحدة أخرى تعطينا دروس في الجامع"..وسبب تحول أم أمجد عن دروس الآنسات، يعود "إلى أنني لم أكن أفضل أخذ الدروس في البيت وليس لسبب آخر".
لا تناسبني دروسهن
أما داليا 25 عاما، كانت تتابع دروس الآنسات منذ ان كانت على مقاعد الدراسة، تستذكر تلك الفترة، بالقول: "تابعت معهن دروس دين منذ أن كنت في الصف العاشر وبعد ذلك أحسست ان تلك الدروس لا تناسبني، أسلوبهن لم يكن إيجابي فيقلن لغير المحجبة بطريقة مباشرة لماذا لا تتحجبي. لا يوجد إقناع أو أسلوب لطيف".
"آنسات كثيرات متشددات دينياً، وتمر أيام لا أستطيع حضور الدروس أعتذر منهن فيتصلوا معي ويقلن لي إذا لم تستطيعي القدوم نحن نأتي لنأخذك".
كان هدف واحدة من الآنسات على حد قول أم أمجد هو هداية الصغيرات من الأعمار واستطاعت أن تجمع عددا كبيرا منهن وخاصة في صفوف الثانوية وطلبة الجامعات، كما استطاعت أن تؤثر فيهن بشكل كبير – والحديث لأم أمجد- والكثيرات من الفتيات تحجبن لحبهن لدروس الدين التي كانت تلقيها علينا ولم يكن هناك أي مشكلة في الدروس التي كانت تقدمها وكانت تقوم بعمل دروس خاصة لفئة معنية من العمر والأغلب منهن قد تحجب ولم اشعر أن هناك تزمت في الدروس المعطاة لي...
وتتفق داليا معها، تقول: "لا أعلم إن كان هناك بنات من جيلي استطعن الاستمرار فهن يركزن على الفتيات ذوات الأعمار الصغيرة من 13 -18 عام لكي تتعلم بسهولة وتكون تلك الفتيات أسهل من الفتيات ذوات العشرينات واللواتي يكثرن من تساؤلهن وهو ما يزعج الآنسة".
ألم يكن هناك كتب تصدرها بعض الآنسات ويتم توزيعها على المتلقيات؟
تجيب أم أمجد: "كانوا ينصحونا في قراءة كتب مثل كتاب (رجال حول الرسول) فهذا الكتاب الكل يقرأه وليس فقط جماعة فاديا الطباع وغيرها من الكتب ونفس الكتب كنت أجدها عند أخريات".
إقبال كبير وبيوت أكثر
أم أمجد لاحظت لدى تلقيها دروس الآنسات أن عدد النساء الحاضرات كبيرا حيث لم تألف هذا الإقبال من قبل، "هناك إقبال كبير على حضور دروس الدين وتأتي النساء من خلال الإشارة إلى أن هناك درس دين يعقد في بيت ما، وصاحبات الدروس يعبرن عن سعادتهن من كثرت النساء".
داليا ترى أن الجلسات تستهدف في البداية العائلات المقتدرة ماليا، لكن أم أمجد لديها رأي آخر "لا يقتصر مكان اللقاء في احد البيوت الفخمة بل في كافة ضواحي المملكة وفي إحدى المرات ذهبت مع صديقة لي إلى جبل النزهة وحضرت درس الذي كان تواجد فيه نساء كثيرات من الجيران".
"الآنسات كثيرات وكل واحدة منهن تستلم درسا في يوم محدد لها في الأسبوع" -تقول داليا- "لم اعد اذهب لمجالس الآنسات منذ سنة رغم أني استفدت دينيا منهن ولكن الطريقة اللحوحة هي التي دفعتني لهجرتهن".
".. وأي بنت تتحجب يحتفلوا بها بهدف تشجع صديقاتها وكانوا دائما يقولون لي يا داليا باستطاعتك أن تأتي بصديقاتك وإذا علموا أن لدّي صديقة يبدأون بالسؤال عن تفاصيل صديقتي وحياتها وماذا يعمل أبوها ويقولون لي لماذا لا تأتي بها المرة القادمة".
أم أمجد تقول: "من كان يحضر معي جميعهم محجبات وأي فتاة تتحجب يتم إقامة مولد صغير لها وأول حجاب ترتديه الفتاة يكون على حسابهن".
وسمعت أم أمجد الكثير عن الطباعّيات وكان ذلك يشكل لها أرقاً، "اسمع ما يقوله الناس من حولي عن الطباعيات أمور لم أراها في عيني".
تسرد داليا موقفا حصل أمامها ذات يوم في إحدى مجالس الآنسة التي تأخذ عندها الدروس، "قالت لنا إنها شاهدت صدفة إحدى الفنانات ترقص في التلفاز فقالت لنا إنها تمنت الموت وأقسمت أنها تمنته على أن ترى ما رأته وبأسلوب كان غريب بالنسبة لجميع الحاضرات..بصراحة هن بعيدات عن الواقع".
الدر المنثور
ومع ازدياد نشاط الآنسات في الأردن، رأت النور قبل سنوات مدرسة "الدر المنثور" التي تديرها جمعية التنمية والخدمات الإسلامية وهي واحدة من أكثر المدارس الأردنية الخاصة استقطابا للطالبات اللواتي تشابهن بملابسهن من إشارب وجلباب..هذه المدرسة يملكها عدد من المستثمرين من ذوي الاتجاهات الإسلامية ومن بينهم فاديا الطباع.
حاولنا الاتصال مع "الدر المنثور" لأجل الوقوف على النظام الذي تخضع له الطالبات، ففي اتصالنا الهاتفي مع إدارة المدرسة تم تحويلنا تلقائيا إلى إدارة الجمعية وتحدثنا مع إحدى الموظفات وبعد حديث دار بيننا..قالت أن إقبال العائلات الكبير على المدرسة وذلك نابع من تركيزها على حصص الدين المكثفة التي تخضع لها الطالبة يوميا في ساعات الصباح وقبل الساعة الثامنة صباحا أي دروس إضافية مجانية مقدمة من المدرسة.
وتتبع "الدر المنثور" جمعية التنمية والخدمات المسؤولة عنها إداريا وماليا وأي سياسة تتم في المدرسة تكون الجمعية قد حددتها، وتنشط تلك الجمعية في مجال المحاضرات الدينية ودعم الطالبات بعد تخرجهن من المدرسة إلى حين استكمال دراستهن الجامعية ونشاطات أخرى.
دروس لا تنسجم مع العصر!
الطباعيات في الأردن، القبيسيات في سوريا، السحريات في لبنان (نسبة إلى المرشدة سحر الحلبي، بنات البيادر في الكويت، تلك التيارات كان لها نشاط كبير في الثمانينات ومطلع التسعينيات، حيث كان نشاطهن يتركز في مجال توعية الناس بالدين وبجوانب معينة وكانت الآنسات يدخلن لبيئات معينة لا يدخلها الناس العاديين وكانوا يصلون إلى الشابات أكثر..هذه ما أرادت النائب السابق، د. حياة المسيمي، أن تبدأ حديثها عن الطباعيات.
وترى أن المشكلة الرئيسة تكمن بنمط الدعوة التي يقمن بها الآنسات، "يركزن على جوانب في الإنسان دون التركيز على جوانب أخرى، حيث يركزن على الجانب قد يكون روحي صوفي دون التركيز على جوانب أخرى في حياة المسلم وهذا الجانب في مجتمعنا لا يمكن أن يكون مقنعا للجيل الصاعد لأنه يريد يغذي روحه لما ينسجم مع عصره أيضا".
" دور النساء الطباّعيات انعكس سلبا في السنوات الأخيرة" كما تتحدث المسيمي (عضو في جبهة العمل الإسلامي) "دروسهن لا تتناول الحديث عن الشؤون الأسرية ويحاولن استقطاب العديد من الفتيات غير محجبات، ولكن بعد حين يفقدن عدد من الحاضرات للدروس وهذا الفقدان لا بد أن يستوقف الذين يقومون بهذه الدروس".
أكثر فأقل!
تتساءل المسيمي "القائمون على دروس الآنسات ألم يتساءلوا يوما عن الاستقطاب الكبير في المرحلة الأولى والفقدان الكبير في المرحلة الثانية، فهذه النقلة هي التي تكون مزعجة عند بعض الناس وتصطدم المرأة الحاضرة عندما تتقدم في حضور الدروس".
دروس الآنسات الدينية في المنازل حسب علم المسيمي تركز على الجانب الصوفي والروحي ولا تركز على جوانب أخرى من حياة الإنسان وهنا الخطأ.
في إحدى المرات قالت سيدة لأم أمجد أنها لا تحب دروس آنسات الطباعّيات لأنهن متشددات كثيرا بالدين فدروسهن تتسم بالتزمت بالإضافة إلى تقديس فاديا الطباع، ولم يكن أمام أم أمجد من خيار سوى سؤال الآنسة عن صدقية ما يُقال، "سألت الآنسة عن ما سمعته ذات مرة من إحدى السيدات إنهن يقدسن فاديا الطبّاع، لكنها نفت ذلك الأمر وقالت حرام انتم تظلمون فاديا الطباع كثيرا".
أميمة طالبة جامعية، تلقت عدة دروس عند الآنسات، ولم تكمل بعدها، لسبب ليس محدد "بصراحة ولانشغالاتي الكثيرة لم استطع حضور محاضراتهن".
"لم ألمس أنهن متشددات أو أنهن يؤثرن على الحاضرات وكل ما أراه أنهن صارمات كثيرا ولا يهادن أحداً".
متشددات
"تشددهن لم يكن يراعي تطورات العصر الذي نعيش فيه وكم من المستجدات التي طرأت علينا في حياتنا.." –داليا تتحدث بعد تجربة متابعتها للعديد من الدروس- "إجمالا يبحثن عن البيوت الميسورة الكبيرة، وهناك طبقات معينة تأتي لحضور هذه الدروس".
"هناك إتبّاع غير صحيح للآنسة فالبعض يتمرد على هذه الدروس لأنها تصادر إرادتهن وعقلهن والإتبّاع لا يجوز إلا للرسول عليه الصلاة والسلام ويجب أن نؤكد عليه وهذا الأمر يعود إلى سببين إما من الآنسة نفسها أو من قبل التابع نفسه وهذه ظاهرة للأسف موجودة في هذه الدروس"..المسيمي كما قالت سلفا تعتبر أن هذا مأخذ على الآنسات وهو ما أضر بهن.