الحاضر والغائب في تغطية العلاقة مع إسرائيل

الحاضر والغائب في تغطية العلاقة مع إسرائيل
الرابط المختصر

في الثالث والعشرين من تموز الماضي نشرت وكالة "رويترز" خبرا نقلته عن مسؤول اميركي مفاده ان إسرائيل وهبت الاردن ست عشرة مروحية مستخدمة، نوع "كوبرا"، للاستفادة منها في حماية حدوده.

 

لا يخفى على أي محرر أهمية هذا الخبر، واستحقاقه النشر، وتوفر كل معايير الخبر "الجيد" فيه، ومصداقية وكالة "رويترز" التي نشرته. لكن كيف تعاملت الصحف مع هذا الخبر، ومع مجمل اخبار العلاقات الاردنية – الإسرائيلية.

 

هذا الخبر الذي ادى الى سلسة اخبار اخرى وحظي باهتمام وتحليلات في الصحافة العربية والإسرائيلية، حتى ان مواقع إسرائيلية تناولته من باب "الانقسام المجتمعي الداخلي في الاردن"، كما فعل موقع "المصدر"، بالكاد تعاطت معه وسائل الإعلام المحلية، وامتنعت عن نشره، خاصة بعض الصحف اليومية، واغلب المواقع الالكترونية الرئيسية، كـ"عمون" و"خبرني".

 

فمن بين الصحف الرئيسية لم تنشر أي منها الخبر باستثناء "الغد"، التي نشرته كما  ورد من "رويترز" دون أي تعليق او اضافة او نقصان، فيما نقلت "السبيل"، في نفس اليوم، عن وكالة "الاناضول" التركية، خبرا يفيد بـ"رفض الجيش الاسرائيلي التعليق على الخبر". وتجاهلت صحف "الرأي"، "الدستور" و"العرب اليوم" الخبر كليا.

والحال ينطبق ايضا على التعليقات، او الافتتاحيات، فالخبر مر على كتاب الاعمدة، على كثرتهم، ولم يكتب عنه سوى فهد الخيطان في مقال له في"الغد" بعنوان "كيف تبدو علاقة الاردن مع اسرائيل؟"، اذ تناوله ضمن سياق تحليل واقع العلاقات الاسرائيلية الاردنية، بمستوياتها الامنية والسياسية والاقتصادية.

 

هذا الخبر، على أهميته، ليس الوحيد، من بين الاخبار التي تتحدث عن تطورات "ايجابية" في العلاقة مع إسرائيل، والذي تعاملت معه الصحف وبعض المواقع الالكترونية، على هذه الشاكلة، أي تجاهله وعدم نشره.

 

فمن خلال رصد الصحف على مدار اكثر من عام، شهدت خلاله العلاقات الاردنية مع اسرائيل تطورات "ايجابية"، توجت بعودة السفير الى تل ابيب، ما كان المواطن ليعرف كثيرا عن اخبار مثل "ارتفاع تجارة الترانزيت بين الاردن واسرائيل لنحو 300% منذ عام 2011" وحتى العام المنصرم، او خبرا عن قيام "مجلس الوزراء بنقاش خطة لاقامة منطقة تجارة حرة مع اسرائيل"، وهذين الخبرين، الاول تقرير لـ"رويترز" والثاني "انفراد" لصحيفة "الغد"، ما كنا لنعرف عنها لولا صحيفة "الغد" التي انفردت بنشرهما، واولت اهمية للخبر الثاني وتابعته مع القطاعات الاقتصادية المحلية. ودفعت معها بعض المواقع للاهتمام بالخبر ونقل تقاريرها، ناهيك ايضا عن اخبار "اتفاقية الغاز" التي حظيت باهتمام وتغطية ومتابعة مميزة من الصحيفة، تلتها في ذلك "السبيل" التي كانت اكثر تركيزا على نشاطات المعارضة.

 

وفي سياق الحديث عن "صفقة الغاز"، في سياق هذه العلاقة، فقد تجاهلت الصحف والمواقع خبرا وزعته الحملة الوطنية لاسقاط الاتفاقية، رفضت فيه وزارة الطاقة تزويد الحملة بمعلومات عن الاتفاقية، بذريعة "السرية"، اذ لم ينشر بيان الحملة سوى موقع "خبرني"، ثم لاحقا قامت "الغد" بطرحه كسؤال في زاوية "شارك برأيك"، وبعدها "السبيل" التي قامت بنشر تعليق او تساؤل رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب، المهندس جمال قموه، عن "سرية" الاتفاقية.

 

الكتابة عن انفراد او تميز صحيفة "الغد" في تغطية اخبار العلاقة مع اسرائيل، في تطوراتها "الايجابية" (نقصد بالايجابية هنا كل تطور يشير الى تحسن هذه العلاقة)، ليس امتداحا، فهو واجب الصحيفة "حق المعرفة"، لكنه يُظهر في المقابل التعامل "التمييزي" او حتى "اللاموضوعي" في تعامل الصحف الاخرى، وبعض وسائل الاعلام، مع العلاقة الاردنية الإسرائيلية.

 

ففيما لا تترك كل الصحف ووسائل الاعلام المحلية أي خبر او تقرير عن "توتر" او خلل في هذه العلاقة الا ونشرته وابرزته في الصفحة الاولى غالبا، تتجاهل في المقابل التطورات "الايجابية" في هذه العلاقة، وهو ما يتنافى مع مهنيتها وموضوعيتها، وواجبها في نشر "المعرفة"، ويحرم المتابع من تكوين صورة متكاملة عن هذه العلاقة، تبقيها مشوشة وضبابية، مع ان هذه العلاقة استدعت مؤخرا الكثير من التحليلات، واعتبرتها صحف عبرية "استراتيجية"، بحسب تقرير للـ"السبيل".

 

 

وقد تكون هذه الصورة الضبابية عن العلاقة مع اسرائيل، التي ساهمت الحكومة ووسائل الاعلام في رسمها واحاطتها بالغموض، هي ما دفع الخيطان لكتابة المقال المشار اليه آنفا.

 

"التباين" الشديد بين وسائل الاعلام، وخاصة الصحف، في تغطية تطورات العلاقة مع اسرئيل، بين صحف تقوم بتغطية كل ما لهذه العلاقة وما عليها، وبين صحف تتجاهل تماما، تطوراتها "الايجابية" او التحسن فيها، وتركز على كل ما فيها من توتر او خلل، يستدعي عدة اسئلة:

 

لماذا هذا التباين، اصلا. هل تعود اسبابه الى البيئة التشريعية والقانونية والاوامر والتعميمات الصادرة عن السلطات والموظفين التنفيذيين وتمنع او تحد من نشر كل ما هو "امني" او عسكري" او يمس بـ"الصالح" العام او يدخل تحت نطاق "السرية"، وتراجع سقف الحريات الاعلامية؟ ام هو قصور لدى بعض الصحف في تحصيل المعلومات والتقصي، ام لحجب المعلومات من قبل جهات الاختصاص عن الاعلام، ام لرقابة ذاتية يفرضها المحررون على انفسهم لاسباب تتعلق بسقف الحريات واسباب اخرى؟

 

 

لكن لماذا تنشر بعض الصحف كل ما للعلاقة وما عليها، وتوليها اهتماما كبيرا في التغطية والمتابعة، وبتركيز كبير في اغلب الاحيان على معارضة التطورات "الايجابية" في العلاقة، دون ان يسبب لها هذا الامر أي "مشكلة" مع السلطات التنفيذية. فيما يتجاهلها البعض. هل يعود ذلك لاعتبارات تخص المحررين من نوع تقييم اهمية الخبر واستحقاقية النشر، او لاسباب تتعلق بـ"الخلفيات" الايديولوجية للمحررين، تجعلهم انتقائيين في نشر الاخبار، ام في مستوى "الرقابة الذاتية" التي يفرضها المحرر على نفسه، وتجعله اكثر تحفظا واقل استعدادا لنشر أي خبر يشتم منه رائحة "المساءلة" وتجعل سقفه ادنى من سقف الحريات المتاح، على دنوه.

أضف تعليقك