** ثبات معدل جرائم القتل العمد منذ عام 2006
** ثبات معدل أحكام الإعدام قبل وبعد التجميد المؤقت للعقوبة
** انخفاض عدد جرائم القتل العمد خلال السنوات الثلاث الماضية
في الوقت الذي كان فيه المجتمع الأردني يخوض جدلاً واسعاً حول إعادة تطبيق الإعدام، كان الشاب العشريني محمد، المحكوم بالإعدام، يعيش حالة نفسية سيئة، ولا يكف عن طرح سؤال " فكرك راح يعدموني؟"، إلا أن تساؤلات محمد لم تدم طويلاً بعد أن أجابت عليها الدولة الأردنية "عمليا"، ونفذت العقوبة على 11 مداناً، فجر الواحد والعشرين من شهر كانون الأوّل.
الدولة الأردنية لم تؤكد أو تنفي أن هذه الإعدامات، التي أعادت تصنيف الأردن كدولة مطبقة للعقوبة، ستكون الأخيرة، إلا أن الحالة النفسية التي يعيشها المحكومون بالإعدام وذووهم، لا يحسدون عليها، بحسب ما وثق فريق الرصد الوطني التابع للمركز الوطني لحقوق الإنسان في الزيارة الدورية خلال شهر تشرين الثاني الماضي.
وبينما كان محمد المسجون في مركز إصلاح وتأهيل إرميمين، يصارع من أجل أن تقوم جامعته بتأجيل دراسته بعد أن استنفذ فرص التأجيل، لإيمانه ببراءته، كان الداعمون لحكم الإعدام ينظرون إلى الخطوة الحكومية على أنها "أفضل طريقة لردع الذين زادت جرائمهم في الفترة الأخيرة"، بينما استهجن المعارضون له العودة إليه بعد توقف دام ثمانية أعوام، واصفين الحكم بأنه "انتزاع لحياة إنسان بالقانون".
وكان الأردن قد توقف عن تنفيذ عقوبة الإعدام منذ شهر آذار من عام 2006، بعد أن نفذته بحق كل من سالم سعد بن سويد، وفتحي فريحات، المتهمين باغتيال الدبلوماسي الأميركي فولي في عمّان، في خطوة لقيت ترحيباً حقوقياً دولياً واسعاً، قبل أن يتحول الموقف منها إلى "سخط"، بعد العودة إلى تطبيق العقوبة "المثيرة للجدل".
ارتفاع بالجرائم وثبات المعدل
ووصفت السلطات خطوة العودة إلى تنفيذ عقوبة الإعدام بأنها "عودة للمسار القانوني الشرعي الصحيح، التي ستعمل على ردع كل من تسول له نفسه الإقدام على ارتكاب الجرائم، كما أنها تأتي رضوخاً للمطالب الشعبية"، بحسب الناطق باسم وزارة الداخلية زياد الزعبي.
تظهر أرقام إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام الصادرة خلال العام الجاري، ازديادا في الجرائم التي تقع على الإنسان "كالقتل العمد والشروع بالقتل والضرب المفضي إلى الموت" خلال الأعوام الأربعة الماضية، كما أن المجتمع الأردني شهد في الفترة الأخيرة عدداً من الجرائم "البشعة"، والتي دفعت العديد من الفعاليات والنواب والكتاب الصحفيين إلى الدعوة لإعادة تنفيذ الحكم في الأردن.
ومع ذلك شهد العام 2013 انخفاضاً في عدد جرائم القتل العمد التي يعاقب عليها بالإعدام - بحسب المادة 328 من قانون العقوبات - حيث وصلت إلى 74 جريمة بعد أن كانت 82 عام 2012، علماً بأنها كانت 87 جريمة عام 2011.
ولم يزد معدل جرائم القتل "العمد" في الأردن عن جريمتين لكل 100 الف شخص منذ عام 2006 وحتى العام الماضي 2013، بحسب ما تظهر بيانات البنك الدولي.
ووصل عدد الأحكام بالإعدام ما بين عام 2000 وحتى عام 2005 إلى 80 حكماً، أي ما متوسطه 13 حكما في السنة الواحدة، ورغم ارتفاع عدد المحكومين بالأعوام بعد تجميد العقوبة إلى 122حكماً، قبل إعدامات الأحد الماضي، بقيت هذه النسبة ثابتة وبلغت 13.5 حكماً لكل سنة ما بين 2006-2014.
وصفت منظمات حقوقية العودة إلى تطبيق الإعدام "بالنكسة" لمسار حقوق الإنسان بالأردن، بحسب مدير مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان عصام الربابعة، الذي يرى أن إعادة تطبيق الإعدام لن يردع المجرمين، مؤكداً أن الدول التي أوقفت تطبيق الإعدام انخفضت فيها نسبة الجرائم بشكل كبير.
عقوبتان لجرم واحد
يعرف الربابعة الإعدام "بأنه انتقام من مرتكب الجرم بواسطة القانون"، معتبراً تطبيق حكم الإعدام هو انتهاك لحق الحياة، الذي يعتبر الحق الأسمى للإنسان الذي ضمنته المواثيق الدولية والديانات السماوية، ولا يرى الربابعة أن هناك أي سبب منطقي لإعادة تنفيذ حكم الإعدام.
كما تعتبر معاهدة مناهضة التعذيب الإعدام نوعاً من أنواع التعذيب الجسدي، وهي المعاهدة التي صادق عليها الأردن، بحسب الربابعة.
ويؤكد المحامي المختص في حقوق الإنسان والناشط الحقوقي كمال المشرقي أن الإعدامات الأخيرة شابها انتهاكات حقوقية، مؤكداً أن تطبيق حكم الإعدام بمدانين قضوا مدة طويلة في السجن يعتبر انتهاكاً لالتزام الأردن بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يمنع إيقاع عقوبتين بحق المدان، استناداً إلى ضمانات المحاكمة العادلة، حيث يعتبر السجن لمدة طويلة أثناء انتظار حكم “حبساً للحرية”، بحسب المشرقي.
أستاذ علم النفس الاجتماعي في الجامعة الأردنية الدكتور سري ناصر لا يرى رابطاً بوقف تنفيذ حكم الإعدام وارتفاع أعداد الجرائم في الأردن، مشيراً إلى أن هناك أسباباً موضوعية تقف خلف ازدياد فعل الإجرام في الأردن.
ويضيف ناصر أن الارتفاع المفاجئ في عدد السكان بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية المتلاحقة أجبرت البعض على ارتكاب الجرم من أجل أن يؤمن قوته، كما أن ازدياد مشاهد العنف التي تنقلها وسائل الإعلام بعد ثورة الاتصالات الحديثة ساهمت إلى حد بعيد في زيادة الجرائم.
ويؤكد ناصر أن المجرم لا يفكر بالعقاب الذي من الممكن أن يقع عليه حال تنفيذه الجريمة، مشيراً إلى أن معظم الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام هي جرائم سريعة، كجرائم القتل التي قد تقع أحياناً دون تخطيط مسبق.
بينما يؤكد الربابعة أن حكم الإعدام بحق من ارتكب جريمة قتل أو سواها، يمكن أن تستبدل بالمؤبد، الذي يحقق غاية الإعدام وهو إقصاء مرتكب الجرم عن المجتمع.
وسبق أن قضت المحاكم الأردنية بإعدام شخص ثم ظهر اخر واعترف بالجريمة، كما حصل مع بلال موسى وسوزان إبراهيم اللذان اتهما عام 1999 بارتكاب سلسلة من جرائم القتل وصلت إلى 11 جريمة، لم يعترف بلال وسوزان أمام المحكمة إلا في قضية واحدة بحجة الدفاع عن النفس، إلا أن بلال اعُدم عام 2000 في سجن سواقة وحكم على سوزان بالاشغال الشاقة قبل أن تتوفى بعدها بعدة أشهر إثر نوبة قلبية داخل السجن.
وكان من بين الجرائم التي اتهما فيها قتل ناجح إبراهيم التي وقعت عام 1995 وحكم فيها عام 1999، وتبين عام 2005 أن مرتكب الجريمة الحقيقي، بحسب اعترافه، هو شخص يدعى زهير أحمد الذي كان قد استدرجه إبراهيم لممارسة الجنس معه مقابل تأمين وظيفة له في ميناء العقبة، قبل أن يقدم زهير على قتله بعد اكتشافه زيف وعوده، وادانت محكمة الجنايات الكبرى زهير الذي اصر على ارتكابه الجرم، إلا أن محكمة التمييز فسخت القرار، بحسب الوقائع المذكورة في قرارات محكمة التمييز التي اطلعت عليها "عمّان نت".
وتكشف الوقائع أن "بلال وسوزان" اعترفا فعلاً بقتل ناجح إبراهيم، إلا أن بلال ذكر أن هذا الاعتراف انتزع منه بالإكراه، وذكر هذا أمام المحكمة، إلا أنها أدانته "بالقتل العمد"، وهو ما اثار تساؤلات حول طريقة انتزاع الاعترافات من المتهمين في الأردن وقتها، وعن مدى وجود ضمانات كافية للنطق بحكم الإعدام خلال اجراءات المحاكمة.
المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره لعام 2013 أوصى بضرورة تقييد حكم الإعدام، مؤكداً ضرورة وضع شروط حازمة في التحقيقات التي تكون عقوبتها الإعدام، كما أوصى بضرورة توسع المحاكم بالاعذار المخففة إذا كان فعل الجناية يستوجب الإعدام، ورغم ذلك لم يدعُ المركز إلى تجميد القوانين التي تحكم بالإعدام.
الإعدام في القانون الأردني
يعرّف القانون الأردني الإعدام بأنه "شنق المحكوم عليه" استناداً إلى المادة 17 من قانون العقوبات، وحصر حالات الإعدام بـ"23" حالة وردت في قانون العقوبات وقانون العقوبات العسكرية وقانون حماية أسرار ووثائق الدولة، وتصدر أحكام الإعدام من أربعة محاكم على رأسها محكمة الجنايات الكبرى ومحكمة أمن الدولة والمحكمة العسكرية ومحكمة الجنايات البدائية.
ويلزم قانون أصول المحاكمات الجزائية استناداً إلى المادة 208 المحاكم بتعيين محامي للدفاع عن المتهمين في قضايا يعاقب عليها بالإعدام أو الاشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد على نفقته، وفي حال كانت حالته المادية لا تساعده عينت له المحكمة محامياً.
ورغم ذلك أظهرت دراسة مسحية اجراها مركز عدل للمساعدة القانونية عام 2012 عن " واقع حال التوقيف والتمثيل القانوني في القضايا الجزائية" أن ما نسبته 43.9% من المتهمين بالجرائم التي قد تنطبق مع المادة 208 من اصول المحاكمات الجزائية قاموا بتعيين محامين للدفاع عنهم، بينما عينت المحكمة محامين لما نسبته 3.1% من المتهمين غير القادرين على توكيل محامي ولم يتم تعيين 2.8% منهم.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن 50.2% من المتهمين لم تنطبق عليهم شروط النص القانوني الخاص بتعيين محام لعدم انطباق إمكانية فرض عقوبة بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد.
ووفقاُ لقانون العقوبات فإن الإعدام يطبق في حالات القتل العمد، والقتل المرتكب تمهيداً لجريمة من فئة الجناية أو جريمة القتل المرتكبة من الفرع على الأصل كأن يقتل الجاني أحد أبويه، أو في جرم اغتصاب فتاة لم تكمل الخامسة عشرة من عمرها، وهذه الجرائم تنظر فيها محكمة الجنايات الكبرى.
كما أن حكم الإعدام قد يقع في حال"اتصل شخص ما ليدفعها إلى العدوان على الدولة"، أو اذا "حمل سلاح ضد الدولة في صفوف العدو"، أو في حال "اتصل بالعدو ليعاونه على هزيمة الدولة"، وذلك استناداً أيضاً إلى مواد قانون العقوبات "110 و111 و112"، وهي جرائم من اختصاص محكمة أمن الدولة.
وتنظر أمن الدولة أيضاً في الجنايات التي قد تقع على الدستور فإن" كل من يعتدي على حياة الملك أو حريته أو يعتدي على حياة أوصياء العرش أو على حرية أي منهم أو يحاول تغيير الدستور بطريقة غير مشروعة، أو قام بفعل بقصر إثارة عصيان مسلح أو حاول عمل فعلاً يستهدف إثارة حرب الأهلية ، أو حاول تقويض نظام الحكم، أو اختطف شخص لابتزاز جهة رسمية" فإنه يعاقب بالإعدام استناداً إلى المواد 135 و136 و148 و149 من قانون العقوبات.
قانون العقوبات العسكري الخاص يقضي بإعدام مرتكب "التمرد والعصيان" أو في حالة مخالفة الاوامر العسكرية اثناء الحرب، أو من أقدم تجريد عسكري جريح ما لديه أثناء الحرب أو معاونة العدو اثناء الحرب، أو من سلم العدو الجنود الذي يعملون بأمرته أو في حال ارتكاب جرائم الحرب، استناداً إلى المواد "13 و36 و37 و38 و39 و41" من ذات القانون.
وفي قانون المخدرات والمؤثرات العقلية يعاقب بالإعدام كل من أنتج وصنع المخدرات استناداً إلى المادة 10 من ذات القانون.
خلاف إسلامي حول الإعدام كـ"قصاص"
دائرة الإفتاء العام في الأردن أصدرت فتوى خلال شهر آب الماضي أكدت فيها عدم جواز إسقاط عقوبة "الإعدام" بشكل كلي لأنها تأتي من باب "الرأفة بالمجرم والقسوة على المجتمع، وبخاصة القتيل وذويه، كما سيضطر بعض الناس بحسب الدائرة إلى "استيفاء القصاص بأنفسهم".
إلا أنها أكدت أن الشريعة الإسلامية فتحت الباب واسعاً أمام إسقاط هذه العقوبة فجعلت "لأولياء المقتول الحق في إسقاط هذه العقوبة مقابل الدية الشرعية، وبدون مقابل، بل إن المقرر لدى الفقهاء أنه إذا عفا أحد أولياء المقتول سقط القصاص".
أما الدكتور في الشريعة الإسلامية حمدي مراد الذي يقول إن الدين الإسلامي حدد الإعدام في حال ثبوت "القتل العمد والترويع (الإرهاب)، و(الزنا) والتي وردت في السنة النبوية بينما كانت عقوبتها في القرآن مختلفة"، يؤكد أن تطبيق الإعدام يحتاج إلى مجموعة شروط شرعية من بينها "المجتمع الإسلامي الصالح، والقوانين الإسلامية بالإضافة إلى القضاء العادل"، إلا أنه يرى في حال تطبيق هذه الشروط استحالة اتخاذ أي عقوبة إعدام لمجراها.
واضاف مراد اثناء مشاركته في برنامج "حقي" الذي يبث على راديو البلد أنه من "المستحيل أن يأخذ القضاء حكماً قطعياً بنسبة 100%، حتى لو كان بإقرار المتهم، فقد ثبت في السنة النبوية أن الرسول محمد كان يرفض إقرار من جاء فأقر"، ويرى مراد أن الضوابط التي وضعها الإسلام يستحيل في حال تطبيقها الحكم بالإعدام، مضيفاً أن "الدين الإسلامي هو دين وقف نزف الدم".
إلى هذا كان الأردن على ما يبدو قد اتخذ قراره حول الإعدام قبل جلسة الأمم المتحدة المتعلقة بالإعدام خلال هذا الأسبوع، فقد امتنع الأردن عن التصويت في الجلسة التحضيرية منتصف شهر كانون الأوّل، ويتوقع أن يثبت الأردن هذه القرار بعد أن صوت بطريقة عملية حول رأيه بهذه العقوبة التي تعارضها 117 دولة حول العالم، فيما لا تطبقهاأو تمارسها حاليا 160 دولة.
** هذه المادة أعدت باشراف مشروع تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الانسان من خلال الاعلام