الأردن يسعى إلى تخفيف عبء السفر على المقدسيين الفلسطينيين
غالباً ما تؤدّي النزاعات إلى عواقب غير مقصودة. لفت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتباه إلى القدس بإعلانه، فباتت محطّ الأنظار في الأراضي الفلسطينية والعالم وبرزت المشاكل الكثيرة التي تواجهها المدينة وشعبها الفلسطيني.
تلقّى سكّان القدس العرب الذين يبلغ عددهم 330 ألف شخص هدية صغيرة هذا الأسبوع على شكل تغيّر في السياسة الأردنية سيتكفّل بتسهيل حياتهم بعض الشيء. في مقابلة خلال برنامج تلفيزيوني عن القدس، قال رئيس قسم الشؤون المدنية في وزارة الداخلية فواز شهوان إنّ المقدسيين سيتمكّنون قريباً من تسيير معاملاتهم الشخصية من دون الاضطرار إلى السفر إلى الأردن.
إنّ الفلسطينيين المسجّلين كسكّان في القدس لا يملكون جنسية. فهم ليسوا مواطني فلسطين ولا إسرائيل ولا الأردن. لكن يُسمح لهم بأن يحملوا مستندات سفر أردنية. في الماضي، كان فلسطينيو القدس الذي يريدون تجديد جواز السفر أو تقديم وثيقة زواج أو ولادة مضطرّين إلى السفر عبر جسر الملك حسين إلى مكاتب وزارة الداخلية الأردنية في عمّان وكانت تكلّفهم العملية حوالي 120 دولار للشخص الواحد بين ضريبة الخروج (180 شيكل) والتصريحات التي تصدرها إسرائيل للسماح لهم بعبور الجسر (230 شيكل). أمّا كلفة جواز السفر، فهي 200 دينار أردني (282 دولار).
علّق شهوان عبر التلفيزيون الأردني الرسمي في 22 كانون الثاني/يناير على التغيير في السياسة الأردنية وقال: "في إطار اهتمام الملك عبد الله بالأماكن المقدّسة في القدس وبالشعب المقدسي، تُمنح هذه الخدمات لترسيخ صمود الشعب المقدسي في مدينته".
قال طلال أبو عفيفة، أحد سكّان مخيم شعفاط في القدس ورئيس منتدى القدس للمثقفين، للمونيتور: "إنّ مسألة تجديد جواز السفر في القدس إيجابية. نطالب الأردن بهذه الخدمة منذ سنوات، وهي خطوة مرحّب بها لتعزيز صمود شعبنا". يخطّط المسؤولون الأردنيون لفتح مكاتب في القدس كجزء من الوقف الأردني.
أفاد مهدي عبد الهادي، مؤسس ومدير الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، للمونيتور بأنّ القدس وفلسطين لا تُفرّقان مهما تفاقم الوضع ومهما ازدادت المشاكل والصعوبات المتعلّقة بالمستندات. يعاني الفلسطينيون منذ 50 عاماً، خصوصاً في مسألة السفر وعبور جسر الملك حسين. لذا، أيّ مساعدة في تسهيل حياة المقدسيين هي واجب ومسؤولية جميع العرب".
منذ استيلائها على القدس الشرقية واحتلالها للمنطقة عام 1967، فرّقت إسرائيل المدينة عن البلدات الفلسطينية المجاورة بما فيها بيت لحم ورام الله. أُجري إحصاء في صيف 1967، بعد وقت قليل من حرب حزيران/يونيو، وتلقّى كلّ فلسطيني مسجّل في القدس وأولاده إقامة دائمة وبطاقات هوية زرقاء.
بفعل ضمّ إسرائيل للقدس الشرقية بشكل أحّادي في 27 حزيران/يونيو 1967 وفرضها القانون الإسرائيلي، أصبح السكّان يحصلون على لوحات إسرائيلية تسمح لهم بالسفر بحرية في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة. كما أصبحوا مؤهلين للحصول على إعانات اجتماعية، وفُرضت عليهم الضرائب نفسها المفروضة على الإسرائيليين، على الرغم من قلّة الإنفاق على المجتمعات الفلسطينية في القدس الشرقية. مع ذلك، اعتُبر ذلك امتيازاً بالمقارنة مع حالة إخوتهم وأخواتهم في بقية الأراضي المحتلة الذين يعيشون تحت الحكم العسكري ويواجهون قيوداً على السفر.
تغيّر وضع المقدسيين بشكل جذري بعد الانتفاضة الأولى التي انطلقت في عام 1987. قطع الأردن علاقاته الإدارية بالضفة الغربية والقدس الشرقية في عام 1988 وعندما وُقّعت اتفاقات أوسلو، أصبح الفلسطينيون خارج القدس تحت المسؤولية الإدارية للحكومة الفلسطينية الجديدة. بعد ذلك، أُصدرت جوازات سفر فلسطينية ومستندات شخصية أخرى (وثائق زواج وولادة ووفاة، إلخ.) لهؤلاء الفلسطينيين. في المفاوضات حول أوسلو، حاربت إسرائيل بشراسة الفلسطينيين في القدس الذين يخضعون للسلطة الفلسطينية، محوّلة بذلك 330 ألف فلسطيني أي 37% من سكّان القدس الشرقية والغربية إلى أيتام سياسيين.
أثار هذا التدبير صرخات المقدسيين ومطالباتهم للأردن بإعادة علاقاته معهم، أقلّه على الصعيد الإداري. قال قائد سياسي في القدس للمونيتور إنّ عدم حمل المقدسيين لجنسية من أيّ بلد آخر دفع الأردن إلى استثنائهم من قرار فكّ الارتباط الموقّع عام 1988.
كرّست معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل واتفاق عمّان مع منظمة التحرير الفلسطينية حول القدس عام 2013 العلاقة الخاصّة بين الأردن والقدس وباتت الحكومة الأردنية تلعب دوراً في أيّ مفاوضات لتغيير وضع الأماكن المقدّسة في المدينة. لكنّ هذه الاتفاقات تتعامل مع الأرض والمباني وتتجاهل الحاجات الفعلية للمقدسيين، علماً أنّ هذه الحاجات ازدادت إلحاحاً في الأعوام الماضية، خصوصاً بعد أن بنت إسرائيل الجدار حول القدس ومنعت الفلسطينيين في باقي أراضي الضفة الغربية من الدخول إلى المدينة.
سُجّلت تداعيات اقتصادية للجدار والسياسات الإسرائيلية العنصرية الأخرى على السكّان والمؤسسات في القدس. تستمرّ إسرائيل في إغلاق مرافق فلسطينية عامّة بارزة، منتهكة بذلك رسالة التأكيد التي أرسلها وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر عشية محادثات مدريد للسلام في تشرين الأول/أكتوبر 1991. وتشمل الإغلاقات الإسرائيلية بيت الشرق وغرفة التجارة في القدس والأعلى ومجلس السياحة الأعلى، وفرع نادي الأسرى الفلسطينيين في القدس. بالإضافة إلى ذلك، تُمنع المؤسسات الثقافية الفلسطينية من الحصول على أموال من حكومة رام الله، ممّا يكبّدها مشاكل مالية كبيرة.
على الرغم من ترحيب المقدسيين بتغيير السياسة الأردنية الأخير، غير أنّ هذه الخطوة غير كافية لإحداث تحسينات كبيرة. بالتالي يتعيّن على الحكومتين الفلسطينية والأردنية العمل معاً لإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية العديدة التي طرأت نتيجة للجهود الإسرائيلية المستمرّة لعزل القدس عن شبكاتها وعلاقاتها الفلسطينية الطبيعية.
*موقع المونتيور