الأحتجاجات "الشعبية" العراقية .. تراجع للأمام

الأحتجاجات "الشعبية" العراقية .. تراجع للأمام

مضت ثلاثة أشهر على انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العراق، المطالبة بتحسين واقع الخدمات، وخصوصا الكهرباء، و بتخفيض رواتب المسؤولين والوزراء والنواب والدرجات الخاصة، التي دعا لها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استجاب لهم في 31 تموز 2015 في ساحة التحرير ببغداد، الكثير من المؤيديون لدعوتهم، فوصل عدد المحتجين حينها إلى 9 آلاف شخص، وسرعان ما اتسع نطاقها بعد ذلك، لشتمل باقي محافظات العراق، وتحديدا في الجنوب.

 

واستمرت وتيرة المظاهرات بالتسارع نحو الاحتدام والكثافة، من ناحية المشاركة والشعارات المرفوعة، إلى أن استجابت الحكومة تحت ضغط غضب الشارع، بالإعلان عن حزمة من الإصلاحات، التي لم ترتق للطموح.

 

وشملت المظاهرات المحافظات التسع وبغداد، لكونها بعيدة عن الطائفية، ولا علاقة لها بما يحصل من معارك مع التنظيمات الجهادية في المناطق الغربية، كما تحاول وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة العراقية تصويره، وفق ما أكده في حديثه لموقع "عمان نت" وزير النفط العراقي الأسبق عصام الشلبي.

 

حقيقة "الوعود الاصلاحية":

وكانت السلطتان التشريعية والتنفيذية العراقيتان، قد أعلنتا عن إصلاحات لمحاربة الفساد في المؤسسات الحكومية، إلا أن ذلك بعث في نفوس النشطاء القلق، من محاولة بعض الأحزاب ضرب هذه الإجراءات الإصلاحية، التي اعتبروا أنها "لاتزال حبرا على ورق"، وفق ما نقلته شبكة سكاي نيوز.

 

ويقول الشلبي، بأن ما يتم تنفيذه من وعود إصلاحية، يقل عن الحد الأدنى بكثير، وعلى الحكومة تنفيذها، التي هي بالأصل بعيدة عن الأطماع السياسية للأحزاب، وإنما مطالب شعبية لا أكثر ولا أقل، وتتمثل بالاعتراض على ما يقوم به مسؤولو الأحزاب والسياسيون بشكل خاص، وتحديدا ما يتعلق بقضايا الفساد، وعدم تنفيذهم للمشاريع المطلوبة.

 

وعلى الرغم من شدة واحتدام المظاهرات، وما شهدته من كثافة المشاركة من كافة أطياف الشعب في بدايتها، إلا أنها عانت تراجعا في الأسابيع الأخيرة.

 

أسباب تراجع "حدة" الاحتجاجات:

ويبدو أن تراجع المظاهرات عائد لسببين، أولهما، إصرار الجانب الإيراني على الضغط تجاه شخصيات فاعلة بالحكومة، بقصد التاثير على هذه المظاهرات، وأن كانت هذه الأصابع الحكومية خفية لا تظهر في العلن، والسبب الثاني، يتعلق بالإصرار الأمريكي، على بقاء حكومة حيدر العبادي، المدعومة من إيران أصلا، وتخدم المصالح الإيرانية، وربما يضاف إلى ما سبق، عدم الاستجابة الفعلية والحقيقية لمعظم مطالب المتظاهرين، مما ألحق بالكثير اليأس، وفق الكاتب والمحلل السياسي العراقي وليد الزبيدي.

 

 

ولا يستبعد الزبيدي، في حديثه لموقع "عمان نت"، أن يكون القائمون على المظاهرات ومنظموها، مخترقون، ولعل ذلك يبرر ارتكابهم أكبر خطأ في مسيرتهم الاحتجاجية، يقول الزبيدي، وذلك عقب إعلان العبادي أولى قراراته "الاصلاحية" إلا وهي إقالة نواب الرئاسات، وهم موظفون بلا وظائف أساسا، فخرج كثير من منظمي الاحتجاجات، في مظاهرات مؤيدة لرئيس الوزراء، الأمر الذي انعكس سلبا على المتظاهرين.

 

الناطق باسم هيئة علماء المسلمين في العراق محمد بشار الفيضي، يرى في حديثه لموقع "عمان نت" بأن تراجع وتيرة الاحتجاجات في الشارع العراقي، لا يدل بالضرورة على أن المزاج العراقي فقد رغبته في تغيير سياسات الحكومة الخاطئة، وذات الخطيئة في الفساد العام خاصة، إنما، يعلل الفيضي، ما تتعرض له المظاهرات من ضغوط وعقبات كبيرة، وتحديدا في محافظات الجنوب، التي تنشط فيها الميلشيات بشكل كبير جدا، وتعمل على استهداف رموز المتظاهرين، وتبث الرعب في أهلهم وذويهم، ما أنتج، ربما، تراخيا في كثافة الاحتجاجات.

 

الأحتجاجات "الشعبية" العراقية ... تراجع للأمام

وحسب القراءة للواقع العراقي الحالي، فإن المظاهرات من الممكن أن تستمر، بل وتتصاعد، وإذا كان المتظاهرون يطالبون اليوم فقط بالإصلاح ومحاربة الفاسدين، فإن المراحل القادمة من المظاهرات ستطالب بالإطاحة بالحكومة، والتخلص من هذا الكابوس الثقيل، وفق الفيضي.

 

من جانبه، ذهب الإعلامي والمحلل السياسي العراقي سعد الكناني في حديثه لـ"عمان نت" إلى الاعتقاد بأن الاحتجاجات في زخم أكبر هذه الأيام، خلاف ما ينقله الإعلام الرسمي العراقي، وتسود جموع المحتجين حالة من الوعي، ولا أدل على ذلك من الشعارات التي ترفع فيها، والتي تدل على سخط الشعب من الحكومة، وتحديدا "سنة السلطة وشيعة السلطة"، لأن هؤلاء، يقول الكناني، هم الذين دمروا العراق، وجعلوه ينزف دما، وليس ذلك في محاربة "داعش" أو غيرها من التنظيمات المسلحة، وإنما في ضرب النسيج العراقي والاجتماعي، وجعل العراق دولة مفلسة تعاني أزمة مالية شديدة، وعجز في الموازنة وصل إلى أكثر من 30 تريليون دينار عراقي، وهذا كله بسبب الفساد الذي تجذر إبان حكم رئيس الوزراء السابق نوري  المالكي عام 2003 ولا يزال.

 

اجهاض الاحتجاجات .. الأدوات:

وتحاول الحكومة العراقية الضغط على المتظاهرين، بهدف تقويض هذا النشاط، والدليل ما قامت به قبل أيام، من خطف مجموعة من الناشطين الشباب وتصفيتهم، كما تلجأ إلى قطع الطرق ونصب الحواجز الأمنية، بالإضافة لمنع وسائل الإعلام من الوصول إلى مراكز الاحتجاج، وحتى الالتقاء بالناشطين، وهذا كله باء بالفشل، وفق ما أكده الكناني.

 

وتتلخص مطالب المحتجين بمحاربة الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة، وإصلاح العملية السياسية، والتخلص من رأس القضاء الفاسد، بعد أن تحول هذا الجهاز الخطير بقيادة "مدحت المحمود"، خادما مطيعا لحزب الدعوة، منذ عام 2006 بعد أن تسلم السلطة، وحتى الآن، بحسب الزبيدي.

 

ومن الخطأ الكبير، يوضح الكناني، أن يطلق على ما أعلنه رئيس الحكومة، من إصلاحات، وإنما هي خطوات إدارية، فالشعب العراقي يطالب بإقالة المسؤولين ومحاسبتهم، وهم الذين سرقوا المال العام، ومن ثم إحالتهم إلى القضاء العادل، لينالوا جزاءهم.

 

ولعل من أبرز الخطوات التي قام بها العبادي للتخفيف من حدة الاحتجاجات الشعبية، هو قضية إقالة مسؤولين كبار بالدولة، ويشير الكناني في هذا الخصوص، إلى أن هذه القضية هو موضوع تم طرحه من قبل، وتم التصويت عليه، وهؤلاء "المسؤولين الكبار" هم نواب رئيس الوزراء الثلاثة، وبتعيينهم أصلا كان خروجا عن الدستور العراقي الذي ينص فقط على أن يحق للرئيس تعيين نائبا واحد، وهؤلاء الثلاثة جاؤوا للترضية السياسية، أي بالاتفاق بين الأحزاب على حساب الشعب وماله وثرواته، كما يصف الكناني.

 

 

التدخل "الإيراني" لضرب الاحتجاجات:

وتدفع طهران التي لا تنظر بعين الارتياح إلى الاحتجاجات العراقية، من خلال تأثيرها الواسع على بعض أطراف التحالف الشيعي الحاكم، باتجاه منح شخصيات داخل إطار الحكم العراقي الحالي، لا سيما نوري المالكي، بهدف اجهاض هذه الاحتجاجات، التي يرى فيها المرشد الإيراني "خامنئي" أنها تؤثر بالنفوذ الإيراني في العراق، وفق تقارير صحفية عراقية.

 

وكل هذا، من شأنه أن يزيد من غضب العراقيين، لأنهم يعلمون أن ما أصاب العراق سببه التدخل الخارجي، وفي رأس القائمة التدخل الأمريكي، ثم الإيراني، الذي أصبح أكثر ضراوة من التدخل الأمريكي، وعلى الطريق التدخل الروسي، وفق الفيضي.

 

ويرى الفيضي، أن ذلك التدخل، والوعي بخطره، سيرفع من ثقة الشعب في طروحاته، وترسيخ إيمانه من أن هذه الحكومة ما عادت تصلح لقيادة الشعب، فهي كل يوم تبحث عن نصير لها من العالم، وتستدعي قواته، حتى انتشر مؤخرا الكثير من النكات والمقاطع عبر صفحات التواصل الاجتماعي، التي تقول وتتساءل: بمن في المرة القادمة ستستنجدون؟.

أضف تعليقك