** الصحة: إجراءات بحق المنتهكين حال تقديم شكوى
** مقابل كل حالة مشخصة بحملها لفايروس الإيدز هناك حالتين لم يتم اكتشافهما
** 304 أردني مصاب بفايروس نقص المناعة المكتسبة
** لم ينتقل فايروس الإيدز من مريض إلى كادر طبي في الأردن منذ ظهور المرض
"صرت أخاف اروح على المستشفيات، صرت أفضل الألم على الروحة للعيادات وتحمل نظرات المراجعين وطريقة تعامل الممرضين والدكاترة معي"، هذه كانت ردة فعل الأربعيني نضال المتعايش مع مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) بعد أن رفض أحد أطباء الأسنان في احدى المراكز الطبية الحكومية معالجته لأنه يحمل الفايروس.
رحلة علاج أسنان نضال استمرت لنحو عام ونصف، فقد خلالها نضال ثلاثة من أسنانه الأمامية، وعولج في نهاية المطاف بمستشفى حمزة الحكومي والتي كان من الممكن أن لا تتم لولا تدخل أحد مسؤولي نقابة الأسنان وجمعية "القانون والإيدز" المعنية بالمتعايشين بفايروس الإيدز.
نضال الذي سجل كحامل لفايروس الإيدز عام 2000 يقول أنه بات يملك "رهابا "من الرداء والجدران البيضاء في المستشفيات، أصبح يفضل بأن يجري فحوصاته الشهرية في المختبرات الخاصة، علما بأنه يستطيع أن يجريها بالمجان في مستشفيات وزارة الصحة، لكنه لم يعد يحتمل أكثر "سلوكيات الرفض" التي قد يتعرض لها من قبل الأطباء والممرضين في هذه المستشفيات.
معاناة نضال تشبه معاناة الشاب الثلاثيني "رامي"، والمصاب بهيموفيليا الدم كمضاعفات لإصابته بفايروس الإيدز الذي نقل إليه من إحدى وحدات بلازما الدم عام 1989 عندما كان طفلا.
يراجع رامي "هو اسم مستعار له"، المستشفيات الحكومية بشكل دوري، إلا أنه يشكو مما وصفه بـ"سوء المعاملة" من قبل بعض الأطباء والممرضين لأنه يحمل فايروس الإيدز، ويؤكد أن بعض الممرضين يرفضون التعاطي معه أو وخزه بالحقن، حتى أن بعض الاطباء يتجنبون علاجه، وعادة ما يؤجلون الكشف على حالته طبيا حتى يأتي طبيب مناوب "قلبه قوي"، على حد وصفه.
الطبيب المختص في (الوبائيات) محمد لصوي الذي يعمل بجانب حاملي فايروس الإيدز وساعد عددا منهم في تلقي الرعاية الصحية ضمن مشروع "القانون والإيدز"، يؤكد أنه شهد حالات رفض فيها أطباء يعملون في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة والحكومية علاج المصابين بالإيدز، مبررين ذلك بخشية انتقال الفايروس إليهم.
وبلغ عدد المصابين الأردنيين بفايروس نقص المناعة المكتسبة إلى 304 مصاب منذ تسجيل أو حالة في البلاد عام 1986، وسجل خلال السنوات الثلاث الأخيرة ارتفاع بمعدل الإصابات.
تصرف فردي غير مبرر
يبرر الأطباء الذين يرفضون التعاطي مع مرضى الإيدز بخشيتهم من انتقال الفايروس إليهم، وبخاصة في الإجراءات الطبية التي قد ينتج عنها نزيف دم كخلع الأسنان أو العمليات الجراحية، إلا أن الطبيب لصوي يرى بأن هذه المخاوف غير مقبولة في حال اتخاذ الإجراءات الوقائية الاعتيادية.
وزارة الصحة التي ترعى المتعايشين والمصابين بالفايروس عبر البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، تؤكد أن رفض أطباء لعلاج حاملي فايروس الإيدز يمثل انتهاكا لقانون الصحة العامة.
ويوضح مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز عبدالله الحناتله، أن الوزارة مستعدة لتحويل أي طبيب يرفض علاج حاملي فايروس الإيدز إلى التحقيق واتخاذ إجراءات إدارية بحقه في حال تقديم شكوى رسمية.
نقيب أطباء الأسنان إبراهيم الطراونة، يؤكد عدم جواز رفض التعاطي أو التعامل مع مرضى الإيدز لأي مبرر، مشيرا إلى أن هذه التصرفات فردية ولا يمكن تعميمها على الوسط الطبي.
ويضيف الطراونة أن رفض بعض الأطباء التعاطي مع مصابي الإيدز بحجة أنهم غير ملمين بهذا المرض هو رفض غير مقبول، مشيرا إلى ضرورة معرفة الأطباء بتعقيم الأدوات العلاجية بشكل تام، والتي من شأنها أن تمنع انتقال الفايروس، وتحمي صحة الطبيب والمريض في ذات الوقت.
ويؤكد لصوي أن الأرقام الدولية تظهر بأن مقابل كل حالة تم تشخيصها بأنها تحمل فايروس الإيدز، هناك حالتين لم يتم اكتشافهما، لذا يجب أن تكون الإجراءات واحدة عند التعامل مع أي إنسان مريض.
ولم يحصل أن انتقل فايروس الإيدز في الأردن من مصاب إلى أحد الكوادر الطبية منذ عام 1986 إلى الآن، بحسب وزارة الصحة.
إنتهاك لحق الرعاية الصحية
مدير مركز جذور لدراسات حقوق الإنسان الدكتور فوزي السمهوري، يقول إن رفض علاج أي إنسان مهما كان نوع المرض الذي يحمله هو انتهاك لحق الإنسان بالحياة وحقه في الرعاية الصحية.
ويتابع السمهوري الذي يحمل شهادة في طب الأسنان أن على الأطباء والممرضين التعامل بطريقة إنسانية خاصة مع المصابين والمتعايشين مع الإيدز، وأن يكون في بعض المستشفيات كادر طبي مختص بالتعامل مع حاملي الفايروس، وفي حال عدم وجود هذا الكادر، فيجب أن يقوم الأطباء بدورهم الإنساني وعلاج وتوجيه المرضى.
المحامي محمد الناصر صاحب فكرة مشروع "القانون والإيدز" المعني بحقوق المتعايشين والمصابين بفايروس نقص المناعة، يشير إلى أن بعض الأطباء يحملون صورا سلبية عن مرض الإيدز، وهي نتاج لـا"لوصمة المجتمعية" لحاملي هذا الفايروس، لذا يرفضون التعامل مع المصابين بالإيدز.
المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.
ويضيف الناصر أن القوانين الأردنية لا تميز بالمطلق ضد مصابي الإيدز أو أي فايروس آخر، وتؤكد ورقة بحثية لقاضي محكمة استئناف عمّان القاضي محمد الطروانة منشورة على موقع المجلس القضائي الإلكتروني، أن حقوق حاملي فايروس الإيدز العامة والخاصة التي ترتبت بعد إصابته بهذا المرض مكفولة في الاتفاقيات الدولية والإقليمية، والتي تمنع التمييز ضده وتكفل له ممارسة كافة حقوقه كأي مواطن عادي.
وقف المساعدات الدولية
كانت الأردن تعتمد على المساعدات الدولية لتقديم الخدمات الطبية للمتعايشين والمصابين بالإيدز، إلا أنها في الفترة الأخيرة باتت تصرف على البرنامج من ميزانية وزارة الصحة عبر تخصيص نحو 200 ألف دينار سنويا.
وحصل الأردن على منحة من منظمة الصحة الدولية بقيمة 5 ملايين دينار تصرف على مدار 5 سنوات، وبواقع مليون دينار سنوياً، يتم تخصيص 200 ألف منها لعلاجات المرضى، فيما يصرف باقي المبلغ على حملة التوعية الوطنية لمكافحة المرض.
الدكتور بسام حجاوي مدير مديرية الامراض السارية في وزارة الصحة يقول إن هذه المنحة ساعدت في تثقيف الكادر الطبي حول التعامل مع مرضى الإيدز، وساهمت في تعزيز الوعي الوطني حول المرض، إلا أن توقفها جمد هذه النشاطات.
وتدفع وزارة الصحة نحو 300 دينار شهريا لكل مصاب بالإيدز، حيث يكلف "العلاج الثلاثي" المكافح للفايروسات نحو 250 دينارا، بينما تكلف الفحوصات المخبرية نحو 50 دينارا.
وتحول وزارة الصحة المصابين بالإيدز إلى مستشفيات البشير والأمير حمزة للحصول على العلاج الثلاثي والعناية الطبية، مؤكدة أنها ترفض أن تنشئ قسما خاصا أو مركزا للمتعايشين بالإيدز، لأن ذلك يعتبر تمييزا بحقهم وتعزيز لـ"الوصمة المجتمعية".
هذا الواقع الذي يحياه المتعايشون مع الإيدز، دفع نضال وغيره لإنشاء جمعيات خاصة بالمصابين بهذا المرض يعملون من خلالها على تقديم الدعم النفسي لهم، إضافة إلى محاولة الحصول على نوعية جيدة من الرعاية الصحية بعيداً عن "الوصمة" التي وصلت إلى الأطباء.
** هذه المادة أعدت باشراف مشروع تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الانسان من خلال الاعلام