"بدي أرتاح"... أولى الكلمات التي قالها الداعية الإسلامي الأردني عمر عثمان المعروف بأبي قتادة لحظة الإفراج عنه، بعد تبرئته لدى محكمة أمن الدولة في قضية "الألفية"، والتي كانت بالنسبة له نهاية مسلسل محاكماته والتي أمتدت جغرافياً ما بين عمّان ولندن وزمانياً ما بين 2002 و2014.
ومنذ أن ألقت الأجهزة الأمنية البريطانية القبض على أبي قتادة عام 2002، وهو يشغل صفحات الإعلام العالمي بعد أن اتهمته السلطات البريطانية بمساندة "تنظيم القاعدة" ووصفه بـ"سفير قائد القاعدة أسامة بن لأدن في أوروبا".
المعركة القضائية في بريطانيا
بدأت قصة أبي قتادة عندما اعتقلته السلطات البريطانية وفق قانون "مكافحة الإرهاب" بعد العثور على تسجيلات له في شقة محمد عطا، أحد منفذي اعتداءات 11 أيلول في الولايات المتحدة عام 2001، إلا أنه لم يحاكم لأي جريمة في بريطانيا.
وما بين عام 2002 و2005 بقي أبو قتادة مسجوناً أو خارج السجن بكفالة أو تحت الرقابة المشددة، لشك السلطات البريطانية بأنه هو "الزعيم الروحي لمجندي القاعدة الجدد".
وبعد 2005 بدأت السلطات البريطانية محاولة لترحيل أبي قتادة إلى الأردن الذي يواجه حكماً بالإعدام فيها، إلا أن شك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه قد تعرض للتعذيب في الأردن، قد أخر ذلك حتى منتصف العام الماضي، حين وافق أبو قتادة وبشكل مفاجئ على الاتفاقية الأردنية البريطانية التي تنص على نقله إلى الأردن بضمانة محاكمته محاكمة عادلة.
وكلفت المعركة القضائية لترحيل أبي قتادة إلى الأردن السلطات البريطانية نحو 2.7 مليون دولار، هذه المعركة التي أعلن رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون عندما انتهت في حزيران عام 2013، بإنه "أسعد إنسان في بريطانيا".
وكان أبو قتادة يرفض أن يرحل إلى الأردن لأنه يواجه حكماً بالاعدام منذ عام 1999، بتهمة التآمر لتنفيذ هجمات إرهابية من بينها هجوم على المدرسة الأميركية في عمان "قضية الإصلاح والتحدي"، إلا أنه تم تخفيف الحكم مباشرة إلى السجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة، كما حكم عليه عام 2000بالسجن 15 عاما للتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية ضد سياح أثناء احتفالات الألفية في الأردن.
المحاكمة والبراءة
منذ أن وصل أبو قتادة إلى عمّان شرعت محكمة أمن الدولة بمحاكمته في قضية التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية بحق سياح في احتفالات الأردن بالألفية الثانية والتي تعرف بقضية "الألفية"، وقضية"الإصلاح والتحدي"، في محاكمة استمرت لنحو 9 شهور، كشفت التسريبات الصحفية من المحاكمة عن الآراء السياسية له حول القضايا التي تشهدها المنطقة، وبخاصة آراؤه حول تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف بداعش.
وفي الجلسة الأولى أثار ووجود قاض ومدع عام عسكريين في المحكمة استياء أبي قتادة، ووصف وجودهم بـ"الخيانة"، لان ذلك يخالف اتفاقية التسليم الأردنية البريطانية والتي تنص على محاكمته أمام قضاة مدنيين بالكامل، ما دفعه إلى عدم الاعتراف بالمحكمة، التي استمرت رغم ذلك.
وبدأت أمن الدولة بمحاكمة أبي قتادة في قضية "تنظيم الإصلاح والتحدي" واستمرت حتى شهر تموز الماضي قبل أن تعلن براءته لعدم كفاية الأدلة، وتأمر بالإفراج عنه، إلا أن ذلك لم يحصل لأن أبو قتادة كان موقوفاً أيضاً في قضية "الألفية".
وقدمت النيابة العامة في أمن الدولة وقتها إلى محكمة التمييز طعناً بقرار براءة أبي قتادة في القضية الاولى "الاصطلاح والتحدي"، طالبت خلاله المحكمة بالرجوع عن إعلان براءة المتهم والحكم عليه بالإدانة.
وخلال ذلك، بدأت أمن الدولة بمحاكمة أبي قتادة في القضية الأخيرة "قضية الألفية"، إلا أن عدم كفاية الأدلة كان سببا كذلك لإعلان براءته والإفراج عنه لأنه غير موقوف على ذمة قضية أخرى، ليكون بذلك "حرا" بعد محاكمات استمرت نحو 12 عاماً بين بريطانيا والأردن.
وكانت محاكمة أبو قتادة فرصة له ليعبر عن آرائه السياسية التي كشفت عن اعتدال "سلفي" في النظرة للأمور السياسية، حيث اعتبر سلوكيات تنظيم "داعش" غير مقبولة ومرفوضة.