مساهمة الأمهات في استعادة التحصيل الدراسي لأبنائهن بعد الجائحة

الرابط المختصر

على الرغم من مرور عدة سنوات على انتهاء جائحة كورونا وعودة التعليم الوجاهي، إلا أن آثار التعليم عن بُعد لا تزال تلقي بظلالها على مستوى التحصيل الدراسي للطلاب.

تجد الكثير من الأمهات  أنفسهن أمام تحدٍ مستمر لتعويض الفجوة التي تسببت بها تلك الفترة، إذ يحاولن التوفيق بين دعم أبنائهن في التعليم ومتابعة تقدمهم الأكاديمي.

لذا أصبح دور الأمهات لا يقتصر على المتابعة فقط، بل يمتد إلى سد الثغرات التعليمية التي خلفتها تلك التجربة، وخاصة في ظل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في التعليم، و في ظل هذه التحديات، تواصل الأمهات السعي لتوفير بيئة تعليمية متكاملة في المنزل وسط ضغوطات الحياة اليومية والمسؤوليات الأسرية، ليتمكن أبناءهن من استعادة مستواهم الدراسي ومواكبة متطلبات التعليم الحالية .

أغلقت وزارة التربية والتعليم المدارس في الأردن بشكل كامل أو جزئي لفترات طويلة، مما أثر على النظام التعليمي بشكل ملحوظ ، حيث أُغلقت المدارس لمدة تصل إلى 20 أسبوعًا خلال عام 2020، بينما استمر الإغلاق الجزئي أو الكلي خلال عام 2021 ،حوالي 2.37 مليون طالب تأثروا بالإغلاق .

أمينة، أم لأربعة أطفال في المرحلة الأساسية تعيش في أسرة متوسطة الحال، ومع بداية الجائحة وانتقال المدارس إلى التعليم الإلكتروني، وجدت نفسها في دوامة لم تكن مستعدة لها.

وتقول أمينة  لديها أربعة أطفال، وكل واحد منهم كان بحاجة إلى جهاز خاص به لمتابعة دروسه ، بينما كانت تملك الأسرة هاتفًا واحدًا فقط نتيجة الوضع المادي الصعب  كان عليها  تقسيم الوقت بينهم مما جعلها  تشعر بالعجز، حيث كانت تساعد  طفلها الأول في درس الرياضيات، ثم تنتقل سريعًا لشرح درس اللغة العربية لابنها الثاني ،مبينة انها كانت في نفس الوقت تحاول متابعة الطفلين الأصغر ، لذا كانت هذه الفوضى توثر على تركيزها ،حيث كان كل طفل يحتاج لمساعدة  في فهم الدروس و التعامل مع التكنولوجيا ، إلى جانب هذا كله كانت هناك أعمال المنزل اليومية التي لا تتوقف.

واشارت أمينة إلى أن التعليم الإلكتروني أثقل كاهلها، فمعظم الوقت كانت تجد نفسها عالقة بين مسؤوليات الدروس وإدارة المنزل، مما  أدى إلى شعورها بالإرهاق الجسدي والنفسي، مؤكدة بانها أهملت الجميع، أطفالها، وزوجها، وحتى نفسها.

أما نادية التي تعمل في شركة كبرى فقد تمكنت من مواصلة عملها من المنزل خلال فترة الإغلاق، ومع أنها كانت محظوظة بما فيه الكفاية لتحتفظ بوظيفتها، إلا أن التحديات التي واجهتها كانت هائلة.

تروي نادية: انها كانت تقضي معظم الوقت على جهاز الحاسوب خلال فترة الجائحة لإتمام عملها ، لكن كان في نفس الوقت عليها الإشراف على دروس أطفالها ،لافتة إلى أن  بعض الأيام كانت تمر دون أن تستطيع الموازنة بين مسؤولية العمل ومتابعة تعليم الأطفال،حيث كان لديها  اجتماعات مهمة، وفي نفس الوقت كان أطفالها بحاجة لمساعدة في فهم درس ما، لذا كان من المستحيل أن تكون متواجدة في المكانين في نفس الوقت.

ولفتت نادية إلى أنها وجدت نفسها تعاني من الضغوط النفسية بسبب تداخل مسؤوليات العمل والمنزل ، موضحة أنها أهملت عملها أو دروس أبنائها، وكانت في حالة توتر دائمة، أحيانًا كانت بسبب الضغط الذي شعرت به.

 بدورها قالت الأم ليلى تعيش في احدى المناطق الريفية ، أن المنطقة التي تقطن فيها تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة للإنترنت السريع ن حيث كان ينقطع الاتصال لساعات، مما جعل متابعة الدروس أمرًا مستحيلًا، مضيفة أنها كان عليها  أخذ أطفالها إلى أماكن أخرى خارج المنزل للبحث عن إشارة إنترنت قوية، حتى بعد كل هذا المجهود، كان الأطفال يفقدون تركيزهم بسبب التنقل والمكان غير المناسب.

وأضافت ليلى أن أبنائها نتيجة الجائحة تراجع  تحصيلهم الدراسي ؛لأن الدروس كانت تسير بسرعة، ولم يكن لديها القدرة على توفير البدائل المناسبة لهم، مشيرة إلى أنها كانت تشعر بالعجز أمامهم.

وفي السياق قالت رانيا والتي هي أم لطفل يعاني من صعوبات تعلم واضطراب نقص في الانتباه وفرط الحركة ، مضيفة أن ابنها يعاني صعوبة في التركيز في الفصول الدراسية التقليدية ، وخلال الجائحة تطورت الحالة حتى أصبح لا يبالي للدراسة والتعليم .  

وذكرت انها كانت الدروس الإلكترونية طويلة ومملة بالنسبة له، حيث لم تستطع إجباره على الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشة ، لذا كانت تحاول إيجاد طرق بديلة لتعليم ابنها، لكنها لم تكن مؤهلة لتقديم الدعم الأكاديمي الذي يحتاجه.

واضحت خلال حديثها أن المعاناة لم تكن فقط في الجوانب التعليمية، بل أيضًا في الجوانب النفسية ، إذ كانت تشعر بالإحباط لأنها لم تكن قادرة على مساعدة ابنها بالشكل الذي يحتاجه  وكانت نوبات الغضب تتزايد لديه، مبينة انها كانت تعيش في قلق دائم بشأن مستقبل ابنها التعليمي ، حيث شعرت بانها لوحدها في هذا الأمر، ولم تكن تعرف كيف تتعامل مع كل هذه الضغوط.

وفقًا لليونيسف والبنك الدولي، تراوح الفاقد في التحصيل الأكاديمي للطلاب الأردنيين بين 11-20%، خاصة في مواد الرياضيات والعلوم واللغات، هذا الفاقد تركز بشكل أكبر في المناطق الريفية وبين الطلاب ذوي الدخل المحدود الذين لم يكن لديهم إمكانية وصول منتظمة للتعليم الإلكتروني.

فيما أشارت اليونيسف في تقريرها لعام 2021 إلى أن حوالي 20-30% من الطلاب الأردنيين لم يتمكنوا من متابعة التعليم الإلكتروني بانتظام بسبب ضعف البنية التحتية الرقمية، خاصة في المناطق الريفية ، فيما قدر البنك الدولي  في عام 2021 أن إغلاق المدارس في الأردن أدى إلى انخفاض يعادل نصف عام دراسي في متوسط التحصيل الأكاديمي للطلاب، مقارنة بسنوات التعليم العادية، مشيرا إلى  أن الطلاب في الأردن يمكن أن يخسروا ما يصل إلى 7-12% من دخلهم المستقبلي نتيجة الفاقد التعليمي، خاصة إذا لم يتم تعويض هذا الفاقد بشكل فعال.

وبدوره أكد الخبير التربوي محمود درويش ، أن معاناة الجائحة لم تقتصر على الأهل فقط، بل شملت الطلاب والمجتمع بأكمله ، حيث بذل الأهالي والمعلمين جهودًا كبيرة للتكيف مع تجربة التعلم عن بعد، رغم المخاوف الكبيرة التي صاحبت هذا التحول المفاجئ.

 وأضاف أن التوقف المفاجئ للدراسة أدى إلى حرمان الطلاب من ممارسة الأنشطة الترفيهية في الخارج ، مما أثر سلبًا على نفسياتهم وزاد من مستويات العنف لديهم، كما أن الأمهات يعانين من صعوبة التوفيق بين متطلبات المنزل ورعاية الأطفال في ظل هذه الظروف .

وأشار درويش إلى أن عدم التعامل بجدية مع التعلم عن بعد، مع انتشار ثقافة ناجح أثّر سلبًا على الطلاب في المستقبل، حيث فقد الكثير منهم المهارات المكتسبة في المدرسة، مثل القدرة على الكتابة، موكدًا  أن الأوضاع الاقتصادية زادت من الضغط على الأسر، حيث اضطر الأهل لتخصيص المزيد من المصروفات لشراء أجهزة التعلم، ما أدى إلى ضغوط نفسية إضافية على الأهل .

وأوضح أن الكثير من الطلاب في المناطق النائية حُرموا من التعلم عن بعد بسبب عدم توفر الأجهزة الإلكترونية اللازمة، واضطر بعضهم للاعتماد على بطاقات تعليمية ومنصات مجانية ، مما جعلهم الفئة الأكثر تضررًا من توقف العملية التعليمية خلال الجائحة .

تجارب الأمهات خلال جائحة كورونا كشفت عن حجم الضغوط النفسية والجسدية التي عانين منها، فقد تحملن مسؤوليات تعليمية جديدة دون سابق تحضير، في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية.

كل قصة من هذه القصص تعكس جانبًا من التحديات التي واجهتها الأسر بشكل عام، والأمهات بشكل خاص، خلال واحدة من أصعب فترات القرن الحديث .

يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.