تُعد محافظة المفرق من أكثر المناطق تأثرًا بجائحة كورونا، حيث كشفت طبيعتها الجغرافية وتوزيع سكانها في القرى والمناطق النائية عن تحديات معقدة واجهها السكان، لا سيما النساء العاملات. تعمل العديد من هؤلاء النساء في مصانع القطاع الخاص الواقعة في المناطق الصناعية البعيدة، وتعتمدن بشكل رئيسي على وسائل النقل العام للوصول إلى أماكن عملهن. ومع القيود التي فرضتها الجائحة، باتت تحديات التنقل أكثر حدة، مما أثر على استقرارهن الوظيفي والاقتصادي. هذه الظروف تسلط الضوء على الحاجة الماسة لتطوير بنى تحتية ملائمة تتيح لهن التنقل بمرونة ودون عوائق، ودعم استمرارية دورهن في الاقتصاد المحلي.
خلال جائحة كورونا، تعرضت النساء العاملات في محافظة المفرق لصعوبات بالغة في التنقل، حيث شهدت وسائل النقل العام تراجعًا حادًا في استخدامها بنسبة وصلت إلى 70%، مما فاقم من تعقيد الوصول إلى أماكن العمل. وفي سياق مساعي التخفيف من هذا الضغط، خصصت وزارة النقل الأردنية ميزانية قدرها 5 ملايين دينار لتحسين خدمات النقل العام، مع زيادة عدد الحافلات على الخطوط الرئيسية التي تربط المناطق النائية بمراكز المدن. كما شددت الوزارة على تطبيق معايير السلامة الصحية، حيث تم تعقيم أكثر من 400 حافلة لضمان صحة وسلامة الركاب. وتكشف تقارير صادرة عن منظمة العمل الدولية أن 45% من النساء العاملات في الأردن تأثرن بشكل مباشر من خلال فقدان وظائفهن أو تقليص ساعات العمل، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. تأتي هذه الخطوات الحكومية ضمن استراتيجية شاملة لدعم المرأة العاملة وتعزيز استدامة الاقتصاد في ظل الأزمات، مع التأكيد على أهمية خلق بيئة عمل مرنة وآمنة تحفظ حقوق النساء وتساهم في تمكينهن في سوق العمل.
كيف أدت قيود النقل إلى تفاقم أوضاع النساء العاملات في المفرق
أدت القيود التي فرضتها الحكومة خلال جائحة كورونا إلى تأثيرات عميقة على حركة النقل العام، ما أحدث شللاً شبه كامل في وسائل التنقل، وأصبح عائقًا أمام النساء العاملات. توقف الحافلات التي تربط القرى النائية بمراكز المدن جعل الوصول إلى أماكن العمل شبه مستحيل، ما أسفر عن فقدان العديد من النساء لفرصهن الوظيفية. ومع تصاعد تكاليف النقل الخاص وتدني الأجور، فضلاً عن غياب الدعم المالي المناسب، أصبحت النساء العاملات في مواجهة مباشرة مع تحديات اقتصادية خانقة. هذه الأوضاع تعكس ضرورة إعادة النظر في سياسات النقل وتقديم حلول مرنة تُمكّن المرأة العاملة من الحفاظ على دورها الحيوي في دعم الاقتصاد المحلي.
تتجلى الأزمات الاقتصادية في شهادات النساء العاملات، اللواتي تكشف قصصهن عن عمق التأثيرات السلبية للجائحة. سعاد (36 عامًا)، عاملة في مصنع نسيج بمنطقة حوشا، تروي معاناتها: "عندما توقف النقل العام، لم أستطع الذهاب إلى المصنع لأسابيع. كان الخوف من فقدان العمل يلاحقني، فأنا المعيلة الوحيدة لأطفالي." سعاد، مثل العديد من النساء الأخريات اللواتي يمثلن 30% من القوى العاملة في القطاع الصناعي بالمفرق، بحسب دراسة حديثة صادرة عن وزارة العمل، تجد نفسها أمام واقع مؤلم تفرضه ظروف الجائحة والقيود المستمرة.
دعم وزارة العمل للعمالة في القطاع الخاص خلال جائحة كورونا
أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل، محمد الزيود، أن الوزارة اتخذت مجموعة من الإجراءات الحيوية خلال جائحة كورونا لحماية العمالة في القطاع الخاص وضمان استقرار سوق العمل. وأوضح الزيود أن الوزارة أطلقت منصة "حماية" الإلكترونية لتلقي الشكاوى العمالية والتخفيف من معاناة العمال خلال فترات الحظر. كما أكد على تفعيل أمر الدفاع رقم 6، الذي منع تسريح العمال من وظائفهم وفرض عقوبات صارمة على أصحاب العمل المخالفين، مما ساهم بشكل كبير في الحفاظ على استقرار الوظائف.
وأشار الزيود إلى أن الوزارة نفذت حملات توعوية على مستوى المملكة لضمان التزام أصحاب العمل بالإجراءات الصحية الوقائية، وتعزيز سلامة العمال في بيئة العمل خلال الجائحة. كما كثفت الوزارة من حملات التفتيش العمالي للتأكد من التزام الشركات بالقوانين المتعلقة بحقوق العمال وشروط الصحة والسلامة المهنية.
في السياق ذاته، أشار الزيود إلى دور مؤسسة الضمان الاجتماعي من خلال برنامج "استدامة"، الذي قدّم دعمًا ماليًا للمنشآت في القطاع الخاص، مما ساهم في الحفاظ على العمالة سواء من الذكور أو الإناث. وأكد أن هذا البرنامج كان عاملًا رئيسيًا في دعم المنشآت المتضررة، وضمان استمرارية العمل والحفاظ على حقوق العمال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي فرضتها الجائحة.
الأثر المدمر لجائحة كورونا: كيف تضررت النساء في القطاعات غير المنظمة؟
أعدت "تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان" دراسة شاملة بعنوان "تحت الحظر 5" تناولت بعمق تأثير جائحة كورونا على عمل المرأة، وخاصة في القطاعات غير المنظمة مثل التعليم الخاص، المطابخ الإنتاجية، والزراعة. كشفت الدراسة أن هذه الفئات من النساء كانت الأكثر تأثراً بتداعيات الحظر، الذي فُرض خلال الفترة من 18 إلى 26 مارس، حيث واجهن تحديات كبيرة في التنقل اضطرتهن للعمل من المنزل تحت ظروف غير ملائمة. وأوصت الدراسة بتأجيل سداد القروض الصغيرة ودعم المشاريع الصغيرة بهدف تعزيز قدراتهن المالية والتخفيف من آثار الأزمة.
التقارير الرسمية أكدت أن نسبة كبيرة من النساء العاملات في المصانع الخاصة عانين من تقليص ساعات العمل أو أُجبرن على أخذ إجازات غير مدفوعة، ما انعكس بشكل مباشر على دخل الأسر التي تعتمد بشكل رئيسي على دخل هؤلاء النساء. وأشارت دراسة صادرة عن منظمة العمل الدولية إلى أن 70% من النساء العاملات في القطاع الخاص بالأردن تأثرن بجائحة كورونا، حيث أفادت 45% منهن بتقليص ساعات العمل بشكل ملحوظ. هذه الخسائر لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط، بل تمتد لتشكل تهديدًا لاستقرار الأسر، مما يستدعي استجابة فورية من الجهات المختصة لدعم هذه الفئة الهامة وتوفير حلول طويلة الأمد لحماية حقوقها الاقتصادية والاجتماعية.
تروي أميرة، عاملة في القطاع الخاص، تجربتها خلال جائحة كورونا بوضوح، مشيرة إلى التحديات التي واجهتها بسبب الالتزام بالإجراءات الصحية. تقول: "كانت الالتزامات بالإجراءات الصحية في تلك الفترة تحديًا واضحًا، حيث لم يكن الالتزام بارتداء الكمامات والتدابير الوقائية شائعًا لدى الكثير من الناس." وتضيف أن أصحاب الحافلات واجهوا صعوبات في الامتثال للحمولة المحددة، مما دفعهم إلى الانتظار لفترات طويلة حتى تكتمل رحلاتهم بالركاب. هذه الديناميكية انعكست سلبًا على مواعيد الوصول إلى أماكن العمل بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء.
تؤكد أميرة على أهمية وسائل النقل العامة، مشيرة إلى أن فعاليتها لا تقتصر على النساء فحسب، بل تشمل جميع فئات المجتمع. وتطالب الجهات المعنية بتنظيم مواعيد النقل بشكل أكثر فعالية لضمان توفر وسائل النقل في الأوقات المناسبة. أما عن تجربتها الشخصية، فتقول: "خلال تلك الفترة، كنت أستخدم سيارة خاصة للذهاب إلى العمل، مما أعفاني من الاعتماد على النقل العام." هذه الشهادة تسلط الضوء على ضرورة تعزيز خدمات النقل العام، خصوصًا في أوقات الأزمات، لضمان استمرار حياة الناس اليومية ومساعدتهم في التغلب على التحديات المترتبة على الظروف الاستثنائية.
إلى أين تتجه المرأة الأردنية؟ تأثير جائحة كورونا على حقوق العمل والدخل
أم نور، صاحبة مشروع إنتاجي في محافظة المفرق، تعبر عن عمق التأثيرات السلبية لجائحة كورونا على مشروعها، حيث تقول: "لقد كان لجائحة كورونا تأثير كبير على الجميع، ونحن كنا من بين المتأثرين. توقفت أعمالنا تقريبًا 100% منذ بداية الجائحة، حيث نعتمد بشكل رئيسي على التعامل مع الطلاب والنساء في المجتمع." تشير إلى أن التعامل شبه اليومي مع عدد كبير من الأفراد جعل من الضروري التكيف مع الظروف الصحية القاسية التي فرضتها الجائحة.
تصف أم نور تأثير الجائحة بأنه "كبير وعالي جدًا"، مشيرة إلى أن العديد من السيدات فقدن مصادر دخلهن بشكل مباشر، بينما انقطع الضمان الاجتماعي الذي كُنّ مشتركات فيه. تضيف: "تدهور دخل الأسر بشكل ملحوظ، لأن معظم النساء العاملات في هذا القطاع هن من ذوات الدخل المحدود. مشروعنا يستهدف تلك الحالات الاقتصادية الصعبة."
تسلط أم نور الضوء على الأعباء المالية المتزايدة التي تراكمت عليها خلال هذه الفترة، قائلة: "تراكمت علينا العديد من الالتزامات، بما في ذلك دفع الأجور، على الرغم من أننا لم نتمكن من العمل. كنا مجبرين على دفع أجور المباني المستأجرة ورواتب العاملات، و اضطررنا لتقديم نصف الرواتب بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وزيادة الأجور."
كما تشير أم نور إلى استخدامها تصريح خاص كان يتيح لها تقديم المساعدة للأشخاص الذين لم يتمكنوا من الخروج من منازلهم، لكنها تؤكد أن "هذا التصريح لم يحقق الهدف المنشود." وتضيف أنها تكبدت خسائر مادية كبيرة، حيث كانت تشتري المواد الأولية من السوق وتضطر للانتظار لفترات طويلة حتى تتمكن من تأمين الطلبات. تتابع أم نور: "كنت أواجه صعوبة في الوصول إلى المواد الخام، وأحيانًا كنت أشتريها بأسعار مرتفعة، مما أثر على قدرتي التنافسية في السوق."
تُظهر شهادات النساء العاملات في محافظة المفرق أن الأثر طويل الأمد لجائحة كورونا سيستمر في تشكيل مشهد العمل والتنقل. تظل الحاجة ملحة لتعزيز بنى النقل الأساسية، وتطوير سياسات تضمن استمرارية العمل وتعزز دور المرأة في الاقتصاد. ينبغي على الجهات المعنية إعادة تقييم استراتيجياتها لضمان توفير بيئة ملائمة للنساء العاملات، وتقديم الدعم المالي والتدريبي اللازم لتمكينهن من تجاوز التحديات التي فرضتها الجائحة.
تُظهر البيانات المستمدة من التقارير السنوية لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية أن نسبة النساء في سوق العمل كانت تتراوح بين 14% و16% قبل جائحة كورونا، ولكن هذه النسبة شهدت تدهورًا ملحوظًا مع بدء الأزمة الصحية العالمية. وفقًا لدراسة منظمة العمل الدولية، فقدت 47% من النساء العاملات على مستوى العالم وظائفهن أو تأثرت أعمالهن بشكل مباشر نتيجة للجائحة. وفي السياق الأردني، أفادت وزارة العمل بأن 60% من النساء في القطاعات غير الرسمية تعرضن لتقليص ساعات العمل أو أُجبرن على أخذ إجازات غير مدفوعة.
على الرغم من التحديات الكبيرة، تشير إحصائيات وزارة العمل إلى أن حوالي 20% من النساء اللواتي حصلن على دعم من البرامج الحكومية أو المبادرات المجتمعية استطعن العودة إلى العمل أو بدء مشاريع صغيرة. ومع ذلك، لا يزال تأثير الجائحة على الصحة النفسية واضحًا، حيث أفادت دراسة أجرتها جامعة اليرموك بأن 45% من النساء العاملات يشعرن بالقلق بشأن فقدان وظائفهن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
المصادر :
1. دراسة منظمة العمل الدولية: توضح تأثير جائحة كورونا على النساء العاملات في الأردن.
2. تقرير وزارة العمل: يعرض نسب النساء في القطاع الصناعي وتأثيرات الجائحة.
3. تقارير الأمم المتحدة: تناولت الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للأزمة على النساء.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF..