فدوى طوقان وآخرون، يوميات المذاكرة وأوراق المسامرة.

ليس المهمّ أن أعرفَ المؤلِّفَ من قبل أو لا أعرفه، بقدرِ ما يهمّني أن يكون لكتاباته إضافة نوعيّة وقيمة نقديّة وعلميّة ومنهجيّة.

إنّ الكتابةَ عن إبراهيم خليل، ومؤلَّفاته، ليستْ بالأمرِ الجديدِ، لما تتسم به من غزارة، ويكاد يكون أكثر المشتغلين في ميدان النّقد الأدبي بالأردن والوطن العربي، مما استرعى أنظارَ الباحثينَ والدّارسين، ولم يكن اهتمامنا بمؤلفاته ضربًا من العشوائيّةِ، وإنّما هو اختيارٌ ودراسةٌ، جذبتْ انتباه الكثيرين ممن سبقوني، ولهم فيها آراء. 

وقد سعدتُ كثيرًا بالإهداء، والإهداء كتابُ فدوى طوقان وآخرون، والكتابُ يعدُّ مساهمةً نقديّةً، حَسَنُ الطّباعةِ، والتّرتيبِ، والتّنسيق، ولم يخلُ من مقدّمةٍ وافية، وغني عن البيانِ أنْ أقولَ مستدركًا: إنّ فدوى طوقان شاعرةٌ وكاتبةٌ، حظيتْ تجربتها باهتمامِ الباحثينَ والنّقاد، من هنا، يتقصّدُ المقالُ تتبّع فصول الكتابِ المختلفة تتبعًا يكتفي بتلخيص ما يطرحهُ المؤلِّفُ من أفكار وعرضها.

صدر الكتاب عام 2021م، عن دار أمواج بعمّان، ويقعُ في مئةٍ وخمسٍ وسبعين صفحة، ويضمّ مقدّمة، وثلاثة وعشرين مقالاً، يتناول عددًا من الأعمال الشّعريّة لشعراء مختلفين، مع التّركيزِ على الشّاعرةِ فدوى طوقان؛ كونها تفوقهم في الرّيادة، وقد خصص ثلاث مقالات للشّاعرة، كما يقفُ المؤلِّفُ على دراساتٍ في النّقدِ الأدبيّ التّطبيقي لعيسى بلاطة، ونازك الملائكة، وسامح الرّواشدة. وعلى الرّغمِ أنّ الكتابَ غير متجانس القراءات والمقالات، إلّا أنّ الواقعَ يظهرُ بأنَّ المؤلِّفَ لا يرى حرجًا بالقولِ في مقدّمةِ الكتابِ: بأنَّ الدّراسات لا تنمّ عن انسجام، ولا تؤدّي إلى توافق وتماسك. 

يسلّطُ المؤلِّفُ الضّوءَ على حياةِ فدوى طوقان، وبداياتها الشّعرية في المقالةِ الأولى، ليجد بأنَّ قصائدَ فدوى طوقان الشِّعريّة في البداياتِ ليستْ جديرة بالاحتفاء، معللًا بأنَّها تتسمّ بالتّقليديّة، والمباشرة، والتّقريريّة، وأقلّ ما يُقال عنها بأنّها قصائد عادية. ويرى بأنَّ تجربةَ الحُبِّ أساءتْ للشَّاعرةِ، متمنيًا لو أنّ القارئَ لم يطلع على شعرها، بالمقارنةِ مع مستوى قصائدها اللاحقة المتفوّقة والبارعة. 

في المقالةِ الثّانيةِ عن فدوى طوقان، يشيرُ المؤلِّفُ إلى علاقةِ السَّردِ بالشِّعرِ، ويأخذُ ديوان وحدي مع الأيام نموذجًا للتمثيلِ، ويدللُ على أنّ الشَّاعرةَ تقتربُ من السَّردِ الحكائي، من خلالِ تكرارِ العناصرِ السّرديّةِ استخدامًا مطّردًا من حوار، ومكان، وشخوص، وحوادث، وراوٍ، وموقف، ومغزى.

يتطرّقُ المؤلِّفُ في المقالةِ الثّالثةِ إلى سيرةِ الشَّاعرةِ فدوى طوقان، وانخراطها في الحياةِ السّياسيةِ. وبالملاحظةِ، يرى بأنَّ الشّاعرةَ تتجهُ اتّجاهًا مقاومًا جنبًا إلى جنبٍ مع شعراءَ المقاومةِ؛ كمحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زيّاد، وغيرهم، استجابةً للأحداث.

يعرضُ المؤلِّفُ في المقالةِ الرّابعةِ دراسةً أدبيّةً عن بدر شاكر السّياب حياته وشعره لعيسى بلاطة. ويقدِّمُ المؤلِّفُ في المقالةِ الخامسةِ نموذجًا عن آلياتِ النّظمِ في قصيدةِ "عابرون في كلامٍ عابر" لمحمود درويش، متوقفًا عندَ آليةِ التّوازي والتّكرار، ويلاحظُ تكرارَ التّركيبِ النَّحوي، وأستدركُ هنا، وأقولُ: بأنَّ الأسلوبَ الإنشائي الطّلبي المتمثّل بالنّداءِ والأمرِ ظاهرٌ للعيانِ ولا يحتاج إلى كبيرِ عناءٍ لاستظهارهِ في القصيدةِ، وبالنّتيجةِ، وبعد إحصاءِ التّكرارِ، يرى المؤلِّفُ بأنَّ التّكرارَ أضفى على القصيدةِ الانسجام والسّلاسة.

يَردُّ المؤلِّفُ في المقالةِ السّادسةِ على رأي نازك الملائكة في ظاهرةِ الشِّعرِ الحرِّ في كتابِها الموسوم بعنوان قضايا الشِّعر المعاصر.

يفردُ المؤلِّفُ في المقالِ السّابعِ عن إبراهيمَ السّعافين، ومؤلّفاته، واقفًا على ديوانِهِ الشِّعري الموسوم بعنوان فتنة النّاي، ليؤكّد رسوخَ قدمي السّعافين في الشّعرِ، مشيرًا إلى ظاهرةِ ثنائيّةِ الرّحيلِ والعودةِ، وقد خلصَ بأنَّ الملفوظَ الشِّعري في قصائدَ السّعافين راوحَ بينَ الأصالةِ والمعاصرةِ. 

على المنوالِ ذاته، يتناولُ المؤلِّفُ في المقالِ الثّامنِ ديوانًا شعريًا آخر لإبراهيمَ السّعافين بعنوان مقام النّخيل، وبالملاحظةِ، يستنتجُ إحساسَ الشّاعرِ بالقلقِ اتّجاه الزّمنِ ماضيًا وحاضرًا، نازعًا نزوعًا واضحًا إلى القصيدةِ القصيرةِ المكثفةِ. يشيرُ المؤلِّفُ في المقالِ التاسعِ إلى الشّاعرِ أحمد أبو عرقوب، والجدير بالذّكرِ أنّ الشّاعرَ يعدُّ من المغمورينَ ومن جيلِ الرّوادِ في الأردن، يتناولُ المؤلِّفُ ديوانَهُ المسمّى توقيعات على قيثارةِ الرّفض، ويرى بأنَّ الإحساسَ الفاجعَ يتجلّى في معظمِ قصائده مع توظيفِ التّراثِ الأدبي.

يتناولُ المؤلِّفُ في المقالينِ العاشر والحادي عشر شاعرينِ عراقيينِ: سامي مهدي وحميد سعيد، مستخلصًا في الأوّلِ بأنّ قصائده قصيرةٌ ومكثفةٌ، تقومُ على المفارقةِ المدهشةِ والسّخريةِ المضحكةِ. وفي الثاني بأنّ ديوانه الشّعري الموسوم بعنوان ما تأخّر من القولِ يفيدُ في الدّلالةِ على الاقترابِ من حافةِ العمرِ.

يوجّهُ المؤلِّفُ النّظرَ في المقالِ الثّاني عشر إلى الشّاعرِ خيري منصور، لافتًا إلى الحسِّ المقاومِ في نصوصِهِ الشّعريّةِ، ليخصص في المقالِ الثالثِ عشر الحديثِ عن الشّاعرِ معين بسيسو، مبتدئًا بالإشارةِ لولادته، ومعرّجًا على نشاطاتِهِ الأدبيّة، ومسيرته الشّعريّة.

في المقالِ الرّابعِ عشرِ، يقدّمُ المؤلِّفُ تحليلاً لديوان "وبعدُ" للشّاعرِ زياد صلاح، ملاحظًا المفارقةَ كأداةِ تعبير، المتمثلة بأسلوبي التّشخيص وتراسل الحواس.

يستذكرُ المؤلِّفُ في المقالِ الخامسِ عشر رحيلَ الشّاعرِ أحمد دحبور، ذاكرًا إصداراته، مشيرًا إلى ملمحينِ إبداعيينِ في شعره، متمثلاً بالتناصِ والموسيقا. يتطرّقُ المؤلِّفُ في المقالِ السّادسِ عشر إلى الشّاعرِ عبد الرّحيم عمر، مشيرًا إلى جهوده، على أنّ المؤلّفَ لم يشر بأنّ تجربةَ الشّاعرِ عبد الرّحيم استأثرتْ باهتمامِ النّقاد، وفي طليعتهم الناقد ناصر شبانة، الذي تناول حياته وشعره. يواصلُ المؤلِّفُ في المقالِ السّابعِ عشر في الحديثِ عن الشّاعرِ إبراهيم العجلوني، ملاحظًا بأنّ للشّاعرِ تجربتين: الجزالة والحداثة. يقدّمُ المؤلِّفُ في المقالِ الثامنِ عشرِ شعرَ الشّاعرِ فايز صيّاغ كنموذجٍ للحداثةِ الشّعريةِ في تجنّب المباشرة، وبالتّحليلِ، يتناولُ المؤلِّفُ نصوصًا شعريّةً، وبالاستنتاجِ، لاحظَ انحيازَ الشّاعرِ للطبقةِ الفقيرةِ.

يقفُ المؤِلِّفُ في المقالِ التّاسعِ عشر على أعمال الشّاعرِ حكمت العتيلي، واجدًا نزعةَ التّجريبِ في استخدامِ الشّاعرِ للقناعِ والرّمزِ، وملاحظًا الشّعورَ الفظيعَ بالاغترابِ. يُلمّ المؤلِّفُ في المقالِ العشرين بحياةِ الشّاعرِ أمين شنّار، ويستطردُ الحديثَ عن ولادته، ونشاطاته، مُسلّطًا الضّوءَ على تنوّع طرائق الانزياح في أشعاره، في مخالفةِ الشّاعرِ ما هو مألوف ومأنوس، معرّجًا على مقالاته النثريّة. يأتي المقالُ الواحدُ والعشرون استعراضًا لاهتمامِ النقادِ خصوصًا النّاقدَ سامح الرّواشدة في تجربةِ الشّاعرِ محمّد لافي، متناولاً دراسته الموسومة بعنوان ذاكرة الطّفولة في شعر محمّد لافي.

امتدادًا للمقالِ الخامسِ عشر، يستذكرُ المؤلِّفُ في المقالِ الثّاني والثالثِ والعشرين رحيلَ تيسير سبول وجبرا إبراهيم جبرا، مشيرًا إلى تحوّلِ الشّاعرينِ من النّظمِ إلى النثرِ.

بالمحصّلةِ، إنّ القارئَ يلاحظُ طابعَ المناسبةِ في نقدِ الدّكتور إبراهيم خليل، وقليلٌ ما يجد دراسةً عن الشّاعرِ وشعره دون أن يقدّمَ المؤلِّفَ لهُ بمناسبةٍ وثيقة الصّلة بموته ورحيله.

وإنّ من يقرأ الكتابَ، يجدُ اجتهادَ المؤلِّفِ الواضح في إظهارِ سيرِ حياةِ الشّعراءِ، واستعراض أوضاعهم الاجتماعيّة والثّقافيّة استعراضًا مستطردًا، جريًا على عادةِ المؤرخين والشّرّاح. 

على أنّ مقالات إبراهيم خليل في الكتاب رغم ما قدّمتهُ من إضاءات مفيدة، تضيء للباحثين الطّريق، وتعينهم على فتحِ آفاقَ معرفيّةٍ ونقديّة، إلّا أنّها تكادُ تكون ملخّصًا مكررًا، وعنوانُ الكتابِ يدلُّ القارئ ابتداءً على حماسةِ المؤلّفِ للشَّاعرةِ فدوى طوقان، مما لا يجعل من الضّروري ذكرها في العنوان، مما لا يتوافق وروح البحثِ المنهجي. ولتبقى أواصر الرّبط والانسجام بين الشّعراء في الكتابِ، يتوجبُ أن يكون العنوانُ اسمًا جامعًا، إلى جانب أنّ اتّساع نطاق موضوعات الكتاب أدّى إلى ضعف التّركيز، لهذا، جاء الكتاب غير مستوفٍ.

والكتابُ، بطبيعةِ الحالِ، في حاجةٍ لخاتمة، ورغم ما أكنّه للدكتور إبراهيم خليل من احترام وتقدير علمي كبيرينِ، إلّا أنّ كتابهُ إذا ما استثنينا بالمقارنةِ مع مقالات عن الشّاعرِ زياد صلاح، وإبراهيم العجلوني، وفايز صيّاغ، وحكمت العتيلي، نجدهُ لا يقوى على أن يكون مرجعًا أساسيًّا في الدّراسات النقديّة الحديثة للشّعراء المذكورين. 

● باحث وناقد ـ الأردن

 

أضف تعليقك
أحمد البزور، مواليد الزّرقاء، سنة ١٩٩٠، حاصلٌ على درجة الدّكتوراه في الأدب والنّقد الحديث من الجامعة الأردنيّة، وعضو في الاتّحاد الدّولي للغة العربيّة، ولديه العديد من الأبحاث المنشورة في مجّلات محليّة وعربيّة محكّمة، وكتب عددًا من المقالات والمراجعات عن الأدب والنّقد في الصّحف والمواقع الإلكترونيّة المتخصصة.