طلال حمو مشكلته الحقيقة بعد مآسي الحرب هي شبكة الانترنت, مثله كبقية أولئك الذين يعيشون في المناطق الحربية إلا أنه في زمن الكورونا ليس فقط قذائف الصواريخ تمنع الطلبة من الدراسة بل أيضا فايروس صغير الحجم لكنه قاتل ودمر للان فصلا دراسيا جامعيا بل واكثر من ذلك بكثير.
يستكمل طلال حمو دراسته الجامعية وسط ميدان القتال في الشمال السوري وتحديدا في ادلب التي يوما تصحو على قصف ويوما تهدأ بإعلان الهدنة. طلال يدرس إدارة الاعمال عبر الانترنت ولا يحتاج للخروج للحرم الجامعي أو زيارة المكتبة أو قسم التسجيل فهو يفعل كل ذلك على حاسوبه في ادلب. الدراسة في المنزل ليست سهلة خاصة مع وجود أربعة أطفال, فطلال تشرد جراء الحرب ومع ذلك يرى في العلم السبيل للمستقبل الأفضل.
هذا الطالب الجامعي يمثل شريحة من العرب الذين يعيشون في مناطق نزاع كاليمن وليبيا والعراق ويستطيعون الاستمرار في الدارسة، يقول طلال " أريد بقوة أن أدرس وأكمل تحصيلي العلمي وهذا لن يتأثر بالحرب أبدا ولا بأي ظروف أخرى، بل على العكس كلما تعرضت لظروف أقسى ازددت إصرارا على البحث عن بقية الأمل في حياتي فهناك دائما أمل بأن غدا سيكون أجمل".
التعليم الجامعي عبر الانترنت بات الان ليس فقط لاولئك الذين يعيشون في مناطق نزاع أو من لا يملكون إمكانيات مالية بل بات مطلبا للعديد من الطلبة الجامعيين الذين لم يخرجوا من منازلهم لشهرين وأيضا مع ارتفاع نسبة البطالة في العالم والرغبة في تحسين ظروف العمل بالحصول على شهادة جامعية. إضافة لربات المنازل أو من يعمل وظيفة في النهار وعنده متسع من الوقت لدراسة مساءا من المنزل.
يدرس طلال في جامعة الشعب الامريكية Uopeople ضمن أساليب التعليم الجامعي عبر الانترنت والتي الان في زمن الكورونا أثبتت نجاعة وقدرة على الاستمرار في الدراسة دون الحاجة للحرم الجامعي ورغم أن الجامعات تحاول استدراك التعليم عبر الانترنت إلا أن التقنية معقدة وبحاجة تدريب وتجهيز منظومة تعليمية. العديد من الجامعات العربية حاولت ولكن بعد دراسة تبين أن الامر بحاجة لاستعداد أكبر وتدريب المحاضرين على تقنية التعليم وعملية متابعة التسجيل للمواد.
مديرة القسم العربي في جامعة الشعب الامريكية هدى الجاك تشرح كيف استطاع الطلاب الاستمرار في الدراسة خلال منع التجول في العالم " الملايين من الطلبة الجامعيين بقوا في منازلهم ومع مرور الأسابيع تصاعد الشعور أن العام الدراسي قد ينتهي دون إتمام المناهج التعليمية. بينما جامعة UoPeople لم تتأثر واستمر الطلاب والمحاضرون بالعملية التعليمية وفق منهج جودة التعليم وتحقيق شعار حق الجميع في التعلم. فالجامعة عمليا لا تطلب أقساط جامعية إنما رسوم تقيم الامتحانات ورسوم التسجيل لمرة واحدة وتوفر الكتب والمنهج الدراسي مجانا على موقعها الالكتروني الذي يمثل الحرم الجامعي الالكتروني ".
عندما يقف المحاضر قبالة مئة طالب أو أكثر في قاعة جامعية كبيرة وخلفه اللوح الخشبي فهذا مختلف تماما عن المحاضر الذي يجلس في مكتب ويُدّرس لألاف عبر الانترنت فالمهارات هنا مختلفة وإن كانت المادة العلمية هي نفسها. الفارق الحقيقي هو التكنولوجيا التي تساند ذاك المحاضر أو البروفيسور وهي ليست بسيطة لأنها عبارة عن نظام تعليمي متكامل وليس مجرد محاضرة.
وفي المقابل يكون دائما للحرم الجامعي النكهة الخاصة به مثل النشاطات الطلابية والاندماج المجتمعي بل وحتى اللقاءات الشبابية والرحلات والاهم التفاعل الإنساني بين الطالب والمحاضر. طلال حمو هو ذاك الطالب الذي يتشوق لتلك المزايا فقال " من الطبيعي أن يكون هناك بعض الاختلافات فالتعليم وجها لوجه يساعد بشكل أكبر في الحصول على المعلومات لكن رغم ذلك بالنسبة لأغلب الطلاب فقد استطاعوا التكيّف مع التعلم عن بعد وعندنا منتديات الطلبة في الجامعة التي تعوض قليلا. أيضا في الجامعة يوجد مشرف على الفصل الدراسي وجاهز في أي لحظة للإجابة عن أسئلة كما أن المشرف العام لكل طالب يتواصل شكل دائم مع الطالب. ولدى الطالب العديد من المصادر الغنية للحصول على المعلومات فالمكتبة الجامعة والمقررات الدراسية المجانية ومع ذلك دائما ما نشعر ان الحرم الجامعي له صبغة ولربما ذكريات في المستقبل والتفاعل أكثر من الطلاب فالحاسوب ليس كطاولة الغداء في الجامعة ".
بعض العلماء يقولون إن فيروس كورونا سيضرب مرة أخرى وبقوة في الشتاء القادم والخشية أن تعود اجراءات منع التجول التي اصابت الحياة الجامعية بالشلل. الحاجة للتعليم الجامعي عبر الانترنت بات ضرورة وفي نفس الوقت الجامعات التقليدية لن تفقد قيمتها ولكنها ستحتاج لدعم التقني والتعليمي للبدء بمسيرة التعليم عبر الانترنت الذي له معايير وتطبيقات وكادر تعليمي مختلف ومؤهل.
وتؤكد هدى الجاك مديرة القسم العربي في جامعة الشعب على ضرورة الشراكة ومد يد التعاون في زمن ما بعد الكورونا والذي بات شعارا يجب تنفيذه وليس فقط اطلاقه فقالت " الجامعة تمتلك الخبرة والتقنية والكادر وتستطيع أن تساند بقية جامعات العالم فالكورونا وباء جاء على غفلة ولربما يأتي وباء أو مصيبة أخرى من حيث لا نعلم والتجارب الماضية أثبت أن الإنسانية قادرة على البقاء إذا ما اتحدت قبالة الأوبئة والكوارث ولهذا سنوفر الإمكانيات والتجربة لان رسالة الجامعة في الأساس تتمثل في عدالة التعليم وهي حق للجميع ".
بدأت جامعة UoPeople الامريكية العمل قبل أحد عشر عاما بالتعليم الجامعي بشكل كامل عبر الانترنت وتم الاعتراف بالجامعة في الولايات المتحدة وتضم واحد وثلاثين ألف طالب من مختلف دول العالم. والجامعة غير ربحية وتأسست لتحقيق مبدأ العدالة في التعليم الجامعي ولها برنامج مشترك مع جامعة نيويورك وبيركلي وأدنبرة إضافة للكوادر التعليمية التي ترى في التعليم عبر الانترنت المستقبل الحقيقي مثل الذين يعملون في وظائف ويريدون تحسين حياتهم المهنية أو ربة منزل تستدرك وتعود لدراسة من جديد أو حتى العمال او صغار الموظفين الذين تمنحهم الشهادة الجامعية فرص افضل.
وفي التعليم الجامعي عبر الانترنت ميزة التنوع الجغرافي أيضا لطلبة أنفسهم فمنهم من المكسيك وسوريا والولايات المتحدة وتنزانيا والنرويج فطلبة أينما كانوا يستطيعون الالتحاق بالجامعة فالحدود غير موجود. إضافة لتنوع المحاضرين جغرافيا وانعكاس ذلك على تنوع طريقة التعليم فمنهم من هو في مصر أو روسيا أو البرازيل أو شيكاغو وهذا غير موجود في الجامعات التقليدية بهذا الاتساع.