إلياس فركوح المثقف التنويري

داود كتاب

لازلت أذكر الخلوة التي قمنا بالترتيب لها في البحر الميت قبل حوالي ست سنوات. كان الهدف من الخلوة التي دعينا لها في شبكة الإعلام المجتمعي/ راديو البلد/ عمان نت الخروج بأفكار وتصورات جديدة. ومن الطبيعي أن رئيس وأعضاء مجلس الإدارة تمّ دعوتهم للمشاركة. بعد تداول العديد من الأفكار طلب رئيس المجلس إلياس فركوح التكلم واقترح أن ندخل الفكر التنويري في نشاطاتنا الإعلامية.

للوهلة الأولى كان هناك صمت في القاعة ليس لمعارضة الفكرة، بل لأن غالبية المشاركين لم يكن يعرف ماذا يعني الفكر التنويري. وبعد أن تجرأ أحدهم وسأل عما هو الفكر التنويري قدم الأستاذ إلياس بكل تواضع وتفهم كيف مرّت العصور الوسطى في فترات ظلمة فكرية بسبب تسلط الجهات الكنسية على كل ما هو متعلق بالتفكير والتحليل والذي كان محصوراّ آنذاك والرهبان ورجال الدين.

انتهت الخلوة وعدنا لعملنا وخلال زيارة قمت بها لدار أزمنة والتي أسسها رئيس مجلس إدارتنا تعرفت على الزميل محمود منير، وجرى نقاش مرة أخرى في موضوع التنوير واتفقنا على إنتاج مواد تنويرية. كنت أعلم أن إلياس قد حاول إخراج مشروع ثقافي باسم "تكوين" فاقترحت عليه وعلى محمود تسمية المشروع تكوين وتم قبول الفكرة.

طلبت من إلياس كتابة فقرة عن الفكرة فكتب نصاً جميلاً، أنهاه بعبارة بسيطة تعكس هدف مشروعنا التنويري وهي "فلنفكر"

قمنا ولسنوات بأشراف وتوجيه من كبيرنا الأستاذ الياس بإنتاج مواد تنويرية تحت مسمى مشروع تكوين. استقطبنا كبار المفكرين والمدافعين عن الحريات لنخرج يوميا بمقال تنويري يعالج أحد المشاكل الفكرية الكثيرة التي نعيشها. بعض من استقطبنا كان معروف والأكثر تعرفنا عليهم من خلال كتابات ونصوص تم ارسالها لنا قام الزميل محمود ومعه المحرر المبدع ياسر قبيلات بتحرير المواد والتي نشرت تباعا على موقع عمان نت تحت عنوان "تكوين". من بين الأقلام التي لاقت اعجاب القرء كانت نصوص القاصة المبدعة فيروز التميمي والباحثة والروائية شهلا العجيلي، والزميل الدكتور مهند العزة ومقال أسبوعي من الإمارات للزميل باسل رفايعة وحاولنا استقطاب أقلام جديدة للحديث عن قضايا حقوقية والحريات والاقتصاد، ومنهم أحمد عوض وهديل عبد العزيز يوسف ربابعة وتمارا خزوز وأسماء الحسيني وآخرين.

 بعد مرور أكثر من سنة ونيف طلب الزميل محمود منير من الأستاذ الياس كتابة مقال يقوم بجرد أهداف تكوين وهل أصبنا أم اخطئنا فقال مما قاله آنذاك عام 2006

كُتب هذا المقال باقتراح من محرر "تكوين الصديق محمود منير.

حثّني على "جردة حساب"، أو "مراجعة" شخصية لـ “مشروع" أردناه أوسع من مجرد مقالات. أردناه مساحات تتمازج عليها كافة وسائل التعبير السمعية والبَصَرية، إضافة للكتابات. أردناه منصة نفتح فوقها الكثير من الملفات. ملفات لم تُفتح: ملفات فُتحت على استحياء: ملفات تمت إضاعتها سهواً.. وقصداً.

 

لم نيأس بعد. ثمة ما يكفي من تفاؤل. ولعلّ قادم الأيام يحمل لنا بشائر.. ولو قليلاً.

 

مرت الأشهر والسنوات ورغم الزخم الكبير في السنوات السابقة إلا أن مشروع تكوين تراجع، ورغم محاولات الزميل رئيس التحرير محمد العرسان البحث والسعي على إيجاد مقالات تنويرية لنشرها عبر زاوية تكوين.

 

قبل عدة أشهر قمنا في موقع عمان نت بإعادة ترتيب الموقع وقد ناقشنا ما إذا نترك زاوية تكوين كما هي ام نستبدل المسمى لعنوان عادي "مقالات". قررنا تحويل الزاوية الى مقالات وطلبنا من مصمم الموقع ذلك وفعلا قام بتغيير الاسم وبقيت كافة المقالات التنويرية ولكن تحت مسمى تكوين. ورغم التغيير في كافة أجزاء الموقع إلا أن المصمم يبدو انه نسي تغيير الاسم في الصفحة الرئيسية للموقع عمان نت وبقيت عبارة تكوين على الصفحة الاولى رغم انها تغيرت في كافة الصفحات وكان الزميل إلياس يطالبنا بأن لا نستعجل ونتنازل عن أهمية التنوير في حياتنا.

 

عند انتشار خبر رحيل الزميل والصديق والمفكر الكبير الياس فركوح اتصلت بي الفنانة المبدعة سمر دودين معبرة عن تعازيها ومرددة القول الذي طالما كانت تقوله لي عن اهمية دور الياس فركوح في إبقاء شعلة التنوير في عالمنا العربي المظلم مضيئة.

 

ستبقى تكوين ومقالات زميلنا وصديقنا ورئيس مجلس ادارتنا  مضيئة على صفحات عمان نت ما دام لنا قدرة. سنقوم تباعا بإعادة نشر أهم ما كان الياس وغيره من الكتاب قد أتحفونا، وقاموا بتنويرنا فيه لعل وعسى نكون قد نجحنا في إضاءة ولو شمعة واحدة بدل من أن نشتم الظلام.

 

أضف تعليقك