ضحايا الألغام على خط المواجهة مع المجتمع

- وثائقيات حقوق الإنسان -

ينشط الأردن منذ حوالي 15 عاما في عمليات إزالة آلاف الألغام المزروعة في مناطق شمال المملكة، حيث تعمل منظمات ناشطة في مجال إزالة الألغام على تطهير حقول ممتلئة بالألغام.وأعلنت الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل عن تطهير منطقة وادي عربة في أيار / مايو الماضي، بعد سنتين من التطهير، حيث وصلت أعداد الألغام فيها إلى ما ينوف عن 51 ألف لغم أرضي، ويجري في الفترة الحالية على تطهير مناطق متاخمة من الحدود السورية الممتدة على مساحة 104 كيلومترات على الحدود.

بدأت الهيئة بتغطية مسافة 52 كيلومترا من الإزالة، وتشمل المنطقة 136 ألف لغم مضاد للأفراد ومضاد للدبابات في 93 حقل ألغام، بالتعاون مع جمعية المساعدات الشعبية النرويجية.

"تم تنظيف غور الأردن ووادي عربة كاملا وشمل (126) حقلا " وفق محمد بريكات رئيس الهيئة، والتي بدأت العمل على إزالة الألغام إلى عام 1993 وبعد توقيع الأردن على اتفاقية "أوتاوا" الدولية لحظر الألغام عام 1998 "قررنا أن نعمل على قدم وساق لإزالة جميع الألغام من أراضي المملكة خلال عشر سنوات بدأت في الأول من أيار / مايو عام 1999.

عملت الجمعية الداعمة للهيئة، على إزالة الألغام بين البحر الميت والبحر الأحمر قبل العمل على الواجهة الشمالية والمتوقع ان ينتهي العمل بها خلال ثلاث سنوات بدءا منذ آب الماضي العام 2007.

وفق تقديرات الهيئة، يصل عدد الضحايا منذ زرع الألغام بعد الحرب العربية الإسرائيلية إلى 670 شخص ما بين قتيل وجريح. وفي العام 2007 قدم الأردن طلبا لتمديد المهلة تمت الموافقة عليه ومن المفترض الانتهاء من عمليات الإزالة عام 2011 على مساحة إجمالية تقدر بحوالي 10 ملايين متر مربع.

محمد بريكات، يحذر المواطنين من التهور والدخول في مناطق يشتبه فيها وجود حقول ألغام، مدركا أن الاحتياطات التي قامت بها الهيئة بوضع أسوار شائكة لا تجد في كثير من الأحيان، ذلك لعوامل الانجراف التي تغير موقع اللغم أو المتفجرات.

وفقا لمبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقية حظر أو تقييد استخدام أسلحة تقليدية معينة المحذرة لزرع الألغام أو استخدامها، ورغم حظر انتشار الأسلحة واتفاقية "أتاوا" العالمية حول نزع الألغام، إلا أنها لا زالت مختبئة في جحورها تترصد من يقترب منها.

مصطفى الرواشدة 55 عاما، كان يعمل في السبعينيات بسلاح الهندسة الملكي، خبيرا للمتفجرات، وفي عام 1976 قام بجولة للكشف عن مواقع  حقول الألغام، وخلال فترة من وقفه في المنطقة المتاخمة لأم قيس قرب لغم وبيده "واخز" كاشف للغم، لحظات وانفجر اللغم وأصبح هو كتلة نار.

نتج عن الانفجار فقدانه لبصره، وحريق تركا ندبا لا تزول، يقول أن حياته تغيرت "عندها طلبت (ترميجي) من القوات المسلحة، متآلفا مع حياتي كضرير. بدأت أعمل في مجال الدفاع عن حقوق المكفوفين والعمل لأجلهم لأني أصبحت واحدا منهم وأعاني ما يعانوه".

"التحقت بجمعية الصداقة للمكفوفين، ودخلت في العام 1986 بالعمل الاجتماعي. إلى أن أصبحت حاليا رئيسا لنادي الشعلة للمكفوفين". حاز الرواشدة على منصب مدير التجمع لجميع الإعاقات لدى الجامعة العربية في القاهرة، يقول: "الفراغ قاتل لنا نحن المعاقين نطلب تفعيل القانون وتشغلينا ولا يتعاملوا معنا نحن ضحايا الألغام كعاجزين، نحن لسنا كذلك".

وفق الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل الأردنية فإن هناك 305 ألف لغم على الأراضي الأردنية بينها 73 ألف لغم إسرائيلي و232 ألف لغم أردني معظمها في وادي الأردن على الحدود مع إسرائيل.

الهيئة، بدأت عام 2000 عملها في إزالة الألغام وتنفيذ البرامج الخاصة بضحايا الألغام، مدعمة بقانون "الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل" والتي تهدف وفق نص المادة الثالثة "إزالة الألغام المزروعة في أراضي المملكة ضمن إستراتيجية وطنية يقرها مجلس الوزراء".

نفذت الهيئة مشروع البحث عن مخلفات الحرب بكلفة 500 ألف دينار والذي يستمر ثمانية عشر شهرا ويشمل جميع أراضي المملكة، حيث بدأ بنيسان/ أبريل الماضي.

سليمان غنيمات 42 عاما، احد ضحايا الألغام، يروي حكايته مع الألغام، "كنت متدربا على الطيران، وفي يوم الثالث عشر من حزيران من عام 1986 خرجت في نزهة على أصدقائي إلى منطقة البحر الميت، حيث وقفنا في أرض خاوية، ولا أدري لما استفزني جسم غريب لعله حب الفضول دفعني إلى الاقتراب منه وحمله بيدي ولحظات حتى انفجر بيدي".

كانت تلك الحادثة الفيصل في حياة سليمان، "فقدت أطرافي العلوية ومعظم أجزاء كف يدي والأصابع بالإضافة إلى جروح متفرقة في جسدي، كانت لحظات صعبة جدا". يحتفل سليمان بعيد ميلاده مرتين "الأولى ميلادي الطبيعي والثانية لحظة تجدد حياتي بعد حادثة الانفجار".

"كان حلمي أن أكون طيارا، لكن الحادث غير حياتي، بعدها، دخلت في فصل من فصول العلاجات وتخللها سفر وعلى حساب الديوان إلى الولايات المتحدة الأميركية". حاليا وبعد مضي سنوات على الحادث "عدت أستخدم أيدي بطريقة طبيعية حيث تكيفت مع أيدي بدون أصابع وأقود سيارتي". يعمل حاليا غنيمات مسؤولا عن ضحايا الألغام في الهيئة الهاشمية للعناية بالمتقاعدين العسكريين من ذوي الاحتياجات الخاصة.

عام 1998 وقع الأردن على اتفاقية دولية لحظر الألغام، والتي يعمل بموجبها على إزالة جميع الألغام من أراضي المملكة، خلال فترة عشر سنوات، وبدأت الفترة بتاريخ الأول من أيار/ مايو 1999.

"هناك حوالي 136 ألف لغم يحتاج للإزالة في منطقة الحاجز الأمني الشمالي"، على ما يقدره محمد بريكات، المدير العام للهيئة.

يقول إن الهيئة تمكنت من إزالة حوالي 170 ألف لغم معظمها من الألغام التي قامت إسرائيل والأردن بزرعها في مناطق مثل وادي عربة وان معظم العمل تم خلال السنتين الماضيتين بمساعدة الدول المانحة مثل النرويج وكندا.

وتنشط شبكة الناجين من الألغام، حيث مقرها الرئيس في واشنطن بأميركا، لديها ستة فروع في العالم في أريتيريا وأثيوبيا وموزنبيق وبوسنا وفيتنام وفرع مكتب في جنيف، بالإضافة إلى الأردن، تأسست الشبكة في العام 1999 في الأردن، واستقبلت منذ إنشائها حتى الآن 2600 ناجي من الألغام؛ منهم 850 ناجي، والبقية خرجوا فاقدين أطرافهم، وتتعاون الشبكة مع وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الصحة ووكالة الغوث والجمعيات المحلية المختلفة والبلديات.

عدنان العابودي  49 عاما، مدير الشبكة، لديه بتر مزدوج في قدميه جراء حادث سير وقع له في عام 1989 على طريق الأردن السعودية، يلخص مهمة الشبكة "بتسريع عملية شفاء ضحايا الألغام، عن طريق تركيب أطراف اصطناعية أو مقاعد متحركة أو عكاكيز لأجل عودتهم إلى الحياة الطبيعية تقريباً".

تتعامل الشبكة مع فاقدي الأطراف مهما كانت الأسباب، سواء سكري حوادث ألغام، "نحاول أن نقوم بالعلاج الطبيعي للشخص، وتأهيله نفسيا واقتصاديا عبر تعزيز دخله عبر تطوير مهارات له".

وتعمل الشبكة على تمكين الشخص اجتماعيا ودمجه بالمجتمع، وكذلك الدعم التماثلي النفسي، ففقدان الطرف ليس سهلا لدى الإنسان، "نعزز ثقته بنفسه ليستطيع الاندماج". حاليا، تتعامل الشبكة مع 300 ناجي، وتدعم الشبكة الناجي على مدى سنتين متواصلتين.

يلعب العابودي في نادي المحترفين المعاقين، ورمي القرص حاصل على المرتبة الثانية في الاحتراف العربي، ووقع حادث سير على طريق الأردن السعودية.

مشروع الهيئة الوطنية يأتي بدعم من سلاح الهندسة الملكي وبتمويل من حلف شمال الأطلسي ويهدف الى البحث عن مخلفات الحرب على الأراضي الأردنية والدفاع المدني ووزارة التربية والتعليم والهلال الأحمر والصليب الأحمر واليونيسيف.

كامل السعدي 43 عاما، ذهب مع عائلته في رحلة إلى منطقة الخيبة التحتا قرب منطقة أم قيس، بتاريخ الثالث عشر من تموز في العام 1979، "هذا التاريخ غير حياتي" يستذكر ما حصل معه.."وقفت على تلة مزروعة بالشعير وأسندت قدمي اليسار على صخرة كبيرة بعد لحظات انفجرت وأنا أصبحت طائرا في الهواء، بصدفة وأنا لازلت بكامل وعيي، رأيت شابين قاما على الفور بحملي وأنا أحمل قدمي التي تفتت ووصلت إلى أقرب مستشفى وبدأ الأطباء يفكرون في قطعها كاملة، وأن يرمموها ويخدروني لكنهم سرعان ما قطعوها بعد ذلك".

ذهب السعدي لإكمال دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، ثم وفي العام 1985 عاد إلى الأردن وقام ببتر أجزاء من قدمه اليسرى للمرة الثالثة، وتغيرت حياته حيث توقف عن دراسة علم الكمبيوتر ودرس الأطراف اصطناعية.

يعمل حاليا السعدي على تأسيس مشروع مبادرة "خط الحياة" لأجل مساعدة الناجين من الألغام وذوي الاحتياجات الخاصة على مواصلة الحياة وعدم أنشطة لهم ثقافية فنية تؤثر على المجتمع الذي لا يزال "غير متقبل للضحايا".

وكانت المفوضية الأوروبية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقعا بتاريخ 24 نيسان/ أبريل الماضي في عمان اتفاقية لدعم عمليات التخلص من الألغام على طول الحدود الفاصلة بين الأردن وسوريا.

وخصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 4,5 ملايين يورو (نحو 7,2 ملايين دولار) لمشروع إزالة الألغام في المناطق الحدودية الشمالية في الأردن. وسيتم تقديم المساعدة البالغة 4,5 ملايين يورو (7,2 ملايين دولار) على مدى عامين ينفذ من قبل الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل وجمعية المساعدات الشعبية النرويجية مسؤولية التنفيذ.

عند الانتهاء من هذا المشروع "ستكون عملية إزالة الألغام قد تمت في ما مجموعه 12 مليون متر مربع من الأراضي كما سيتم إلغاء المنطقة العسكرية الفاصلة حاليا بين البلدين". وفقا لما أعلنته الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل الأردنية.

"سيسفر عن إضافة ما لا يقل عن 50 كيلومترا مربعا من الأراضي الجاهزة للاستغلال الاقتصادي ويريح سكان المنطقة البالغ عددهم حوالي 50 ألفا من مخاطر حوادث انفجار الألغام"، على ما يقوله بريكات.

قامت الحكومة الاسترالية بتقديم مبلغ مليون دولار استرالي للهيئة الوطنية لإزالة الألغام بهدف المساهمة في تطهير الأراضي المزروعة بالألغام وذلك بتاريخ 29 تشرين الأول / أكتوبر من عام 2007.

يذكر أن الحكومة الاسترالية قدمت لمختلف دول العالم أكثر من 21 مليون دولار استرالي في عامي 2006 و2007 كما قدمت ضمن مشروع "الخمس سنوات" ما يقارب من 75 مليون دولار استرالي على العمل الايجابي في إزالة الألغام للدول التي تعمل في مجال برامج إزالة الألغام .

"الأردن تمكن خلال السنوات العشر الماضية من إزالة عدد كبير من مخزون الألغام وانخفض عدد ضحايا الألغام وأصبح بالإمكان مساعدة الناجين من خطرها" وفق الأمير مرعد بن رعد رئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية لإزالة الألغام ورئيس مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الألغام.

يكشف بريكات عن وصول عدد ضحايا الألغام إلى 670 ضحية منذ العام 1950 حتى العام 2007، وتشمل ضحايا الألغام وضحايا سقطوا من مخالفات الحرب العربية الإسرائيلية.

لا يزال ضحايا الألغام يقفون على خط المواجهة مع مجتمعهم، الذي يرفضهم، كما يرفض ذوي الاحتياجات الخاصة عموما، حيث لا تزال أبواب العمل موصدة أمامهم وتقبلهم في الحياة العامة يلازمه الاستحياء، وعدنان العابودي يقول إن هناك "تمييزا" يواجهونه من جميع فئات المجتمع "يعتقدون أننا نشحذ ونحن لا نقل عنهم شيئا".

أضف تعليقك