العاملين بقطاع القهوة.. توسع اقتصادي يواجه غياب التنظيم والتمثيل النقابي

الرابط المختصر

أصبح قطاع القهوة والمحلات التي تقدمها في الأردن، واحداً من أبرز القطاعات التي تشهد نمواً متسارعاً، ما يجعله مصدراً لتوفير فرص عمل لفئة الشباب في ظل ارتفاع معدل البطالة الذي وصل إلى 21.4 بالمئة.

وعلى الرغم من قصص النجاح التي تثبت إمكانية التطور المهني في المجال، يبقى تأثيره محدوداً بخفض معدل البطالة؛ نظراً لطبيعة الوظائف المؤقتة والتحديات التي تواجه العاملين، ومنها؛ عدم استقرار الدخل وغياب عقود العمل والحمايات الاجتماعية وغياب التمثيل النقابي الذي يضمن حقوقهم العمّالية. 

فيما يطالب عاملون بالقطاع وخبراء في حديثهم لـ"صوت شبابي" أن يكون الدور الحكومي أكثر فعالية لتنظيم القطاع وتخفيض الضرائب والكلف التشغيلية، وتطوير بيئة العمل وتقديم تدريبات متخصصة تحقق استقراراً في بيئة العمل.

 

تَدَرج.. ليُصبح مدير مقهى

بدأ عبدالله النعاجي رحلته في قطاع القهوة عام 2013 دون أي خبرة، وبراتب لم يُجاوز 170 ديناراً شهرياً. كانت البداية صعبة لكنه واجهها متنقلاً بين عدة أماكن عمل اكتسب فيها خبرات متعددة، حتى أصبح مديراً لأحد الفروع التي تقدم القهوة.

يستذكر النعاجي بداياته في حديثه لـ"صوت شبابي" ويقول إنه كان يعمل بدوام جزئي بواقع أربع إلى خمس ساعات في اليوم، وبعدها تطور تدريجياً من موظف إلى موظف شيف، ثم مدير شيف، إلى أن أصبح مدير فرع.

يعتبر النعاجي أن السبب الرئيسي وراء توجه الشباب للعمل في هذا القطاع هو مرونة ساعات العمل التي تتناسب ودوام الجامعات، فمعظم العاملين في المقاهي من طلبة الجامعات. 

ومع ذلك، يواجه العاملون بالقطاع تحديات عديدة أبرزها ضعف الأجور وبخاصة في البدايات ويلفت النعاجي إلى أن راتب العامل الجديد يكون قليلاً بحجة التدريب وعدم الخبرة، لكن مع اكتساب الخبرة يتحسن الوضع تدريجياً.

أما عن ساعات العمل، يوضح النعاجي أنها لا تقل عن تسع ساعات يومياً، وهو أمر يتطلب جهداً وصبراً كبيرين، والكثير من الشباب يجدون صعوبة في تغطية نفقات حياتهم الأساسية مثل قسط الجامعة والمواصلات والطعام، وبخاصة إذا كانوا يساعدون أسرهم.

ويلاحظ النعاجي أن التدريب هو عنصر أساسي لضمان جودة العمل في المقاهي، لكن للأسف ليس كل المحلات تقدم هذا الدعم، وهناك عدد محدود من المقاهي يُقدم دورات تدريبية للعاملين لضمان جودة الوصفات وتوحيد الطعم.

أما عن التأمينات الاجتماعية، فيشير إلى أن الضمان الاجتماعي لا يشمل جميع العاملين في القطاع، بينما التأمين الصحي غير متوفر في الغالب، إلا إذا كانت الجهة المشغلة شركة دولية، ومن الضروري أن يكون هناك دعم أكبر للشباب مثل توفير التأمينات الاجتماعية والصحية، لضمان بيئة عمل أفضل.

 

20 عاماً بالمهنة 

فيما، بدأ محمد عاشور الذي يمتلك خبرة تمتد لأكثر من 20 عاماً في مجال إعداد القهوة، مسيرته المهنية عام 2005 بحماس وشغف كبيرين، وتمكن من إثبات جدارته في هذا المجال.

وتمكن عاشور في العمل إلى أن أصبح "مشرف باريستا" في أحد المقاهي المرموقة. يقول في حديثه لـ"صوت شبابي" إنه أحب عمله وأي شخص يحب عمله سيشعر دائماً بأنه يحقق إنجازاً مهما كانت طبيعته. ورغم حبه لعمله اضطر عاشور لترك وظيفته قبل عام، ليبدأ رحلة البحث عن فرصة جديدة.

يوضح عاشور أن طبيعة عمله كمشرف باريستا يعتمد على الالتزام والانضباط واحترام القوانين الداخلية، مثل الالتزام بالزي الرسمي، الحضور في الوقت المحدد، والتعامل مع الزملاء بأدب واحترام. 

ويشير إلى أن الأمر الأساسي في هذا المجال هو التعامل مع الزبائن بابتسامة وترحيب عند دخولهم المقهى، فالتواصل الجيّد مع العملاء كان مفتاح نجاحه في المهنة.

ويلفت إلى أن راتب العاملين في هذا المجال يتراوح بين 350 و450 ديناراً شهرياً، ويعتمد ذلك على الخبرة والكفاءة، فيما معظم المقاهي توفر للعاملين ضماناً اجتماعياً ولكن عادة يكون بعد فترة تجربة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. 

ورغم من التحديات التي واجهها عاشور في مسيرته، يبقى متمسكاً بنظرته الإيجابية تجاه عمله، ويصف عمله بإعداد القهوة والتعامل مع الزبائن بأنه "فرصة" والعمل بضمير هو ما يجعل التعب يزول ويتحول إلى شعور بالإنجاز.

 

 

غياب التمثيل النقابي.. ومطالب

العاملين في قطاع القهوة، بما في ذلك الباريستا، غالباً ما يُعتبرون عاملون بالمحلات التجارية، ما يضعهم خارج التمثيل النقابي والحماية القانونية. وهذا الأمر يثير جدلاً حول غياب التمثيل النقابي لهذه الفئة وما يترتب من تحديات لضمان حقوقهم.

وعلى ضوء ذلك، يؤكد النعاجي أن شمول العاملين تحت مظلة نقابية يُسهم في تحسين ظروف العمل وضمان حقوق العاملين وأصحاب المنشآت على حد سواء، ووجود جهة مسؤولة يمكن للعاملين التوجه إليها لضمان حقوقهم سيكون خطوة كبيرة نحو تحسين هذا القطاع وجعله أكثر استقراراً.

بدوره، يؤكد رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة خالد أبو مرجوب أن غياب التمثيل النقابي لهذه الفئة العمّالية يجعلها معرضة لانتهاكات كبيرة وخطيرة ويجب أن يكون هناك من يحمي حقوقهم، وهدف النقابة حماية حقوق منتسبيها وتحقيق مكاسب عمّالية لهم باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد الذي يمثلهم وهي الجهة المفوضة بتوقيع أي اتفاق جماعي.

ويشير إلى أن النقابة تبذل جهود كبيرة الآن لتشمل كافة العاملين بالمقاهي تحت مظلتها بما فيهم العاملين بقطاع القهوة وهناك خطة لذلك، وتسعى النقابة بقوة لتمثيل هذا القطاع علما بأنها الممثل الشرعي الوحيد للعاملين بالقطاع.

ويلفت إلى أن العبء الأكبر يبقى على العامل وقدرته أن يتواصل مع النقابة لتعريفه بحقوقه الوظيفية، بما فيها الحمايات الاجتماعية وتحقيق الأمن الوظيفي والحماية من الفصل التعسفي والعمل على رفع المستوى الاقتصادي والمهني والثقافي للعاملين على اختلاف أنواع المحلات التجارية التي يعملون بها.

ويوضح أن في حديثه لـ"صوت شبابي" أن النقابة على استعداد لتلقي أي مبادرة تُسهم في رفع مستواها ومستوى العمّال من تدريب وتعليم وتثقيف، وتُسهم مثل هذه الفعاليات في رفع مستوى عمل النقابة ومنتسبيها.

ويستدرك بأن النقابات العمّالية دائما ما تُسهم في رفع مستوى معيشة منتسبيها، لكن تكمن المشكلة في بعض العمّال وتخوفهم من اللجوء إلى النقابات مع العلم أن لجوئهم إلى النقابات يحميهم وظيفياً ولا يمكن لصاحب العمل أن يفصلهم من عملهم، ويكون العامل تحت حماية النقابة.

 

فرص مؤقتة.. تحديات متعددة

فيما، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش في حديثه لـ"صوت شبابي" إن قطاع المقاهي رغم توسعه يظل محدوداً من حيث استيعابه للعمالة، ومعظم العاملين فيه من الشباب وطلبة الجامعات الذين يعملون بشكل موسمي أو لفترات مؤقتة لتغطية احتياجاتهم المالية. 

ويوضح عايش أن العديد من العاملين بالقطاع يعملون دون عقود رسمية تخضع للضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، ما يجعل وظائفهم غير مستقرة ولا تضمن الحد الأدنى من الحماية القانونية.

ويشير إلى أن تأثير القطاع على معدلات البطالة لا يزال محدوداً، نظراً لأن نسبة الإنفاق على الترفيه في الأردن لا يُجاوز 2.6 بالمئة من دخل الأسر. ومع تغير المواسم قد يتراجع الإقبال على المقاهي، ما يُعزز الطبيعة الموسمية للعمل بهذا القطاع.

ويلفت إلى أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع تتمثل بارتفاع الكلف التشغيلية والتراخيص والضرائب، والتنافس الشديد بين المقاهي وبخاصة إذا كانت قريبة من بعضها البعض، والحاجة لتقديم خدمات متنوعة وجذب الزبائن، ونقص التأهيل والتدريب للعاملين بالقطاع لتحسين جودة الخدمة وتعزيز دور المقاهي في السياحة.

ويؤكد عايش على أهمية دور الحكومة في تنظيم هذا القطاع، من خلال مراجعة كلف الترخيص والضرائب وتقديم الدعم اللازم لأصحاب المقاهي، وإنشاء معهد متخصص لتدريب العاملين في المقاهي لتحسين مستوى الخدمات المقدمة وتعزيز قدرة المقاهي على دعم السياحة واستقطاب الزوار المحليين والأجانب.

ويشدد على ضرورة الرقابة على جودة المنتجات والخدمات المقدمة في المقاهي، إلى جانب وضع معايير لضمان عدم استغلال الزبائن، وتوفير أماكن اصطفاف للمركبات وتجنب إنشاء المقاهي في مواقع تسبب ازدحامات مرورية.

 

أرقام ونسب 

بحسب إحصاء للمنظمة الدولية للقهوة لعام 2020، فإن الأردن يحتل المرتبة الرابعة عربياً في استهلاك القهوة، بمتوسط استهلاك يبلغ نحو كيلوغرامين للفرد سنوياً، وهذا الطلب الكبير على القهوة يُعزز فرص العمل في المهنة. لكن لا أرقام ونسب دقيقة لمعرفة عدد العاملين ونسبة إسهام القطاع في تخفيف معدلات البطالة.

فيما، يؤكد تقرير أصدرته اندبندنت عربية أن عدد المقاهي المحلية في الأردن زاد بنسبة 30 بالمئة وارتفعت فرص العمل في قطاع المقاهي بنسبة 15 بالمئة عام 2023، ربما يرجع ذلك إلى الإقبال المتزايد على المقاهي التي تقدم خدمات ومنتجات محلية، وبخاصة بعد حملات المقاطعة للمنتجات الأجنبية التي انطلقت بعد السابع من أكتوبر 2023. 

التقرير الذي جاء بعنوان "فنجان القهوة يوفر فرص عمل واعدة للأردنيين" يُقدر وجود ما يُقارب 500 مقهى في عمان وحدها، في المقابل يخشى أن يكون انتشار المقاهي في كل مكان بالعاصمة عمّان ظاهرة مؤقتة ومدفوعة بحماس اقتصادي غير مدروس.