سوريون لجـَــؤُوا إلى الأردن: للوجع شكل آخر

الرابط المختصر

 

*يدفنون موتاهم ويكملون طريقهم دون عودة *أرض الرمثا تحتضن 5 شهداء * أزمة الإغاثة ومواكبة التدفق أعداد اللاجئين *خدمات صحية غير متوفرة لعامة اللاجئين *مقترحات بإنشاء مستشفى بخبرات سورية

 

وثائقيات حقوق الإنسان– الرمثا – محمد شما

يوميات الموت الدامي تلكم هي حياة لاجئين سوريين قدموا إلى الأردن مؤخرا؛ هجروا ما تبقى من منازلهم مغادرين وطنهم سورية، ليس سعيا لحياة أفضل إنما انتصارا لحقهم في الحياة.

 

أو ليس الحياة حق بدأ تحطيمه بمجرد التلفظ بكلمة الحرية، هي ليست مبالغة بالنسبة لكثير من اللاجئين التقيناهم في عدة منازل اقاموا فيها بمدينة الرمثا شمال المملكة.

 

تلك المقابلات التي حاولنا من خلالها قياس أوضاعهم وسماع قصصهم، جوبهت بالتردد والخوف أولا من قبلهم ثم ما كان منهم إلا انتظار دورهم لأجل التحدث عن تجاربهم الشخصية في سورية وعن ما عايشوه من عذابات اللجوء هنا في الأردن.

 

أزمة اللجوء

الدرعاوي "أبو المجد" قد يجد في كلامه "مبالغة كبيرة" عندما قال أنه بلحظة ما فضل العيش في بلدته أمام القذائف والقتل اليومي بدلا من حياة العوز في الأردن، لكن توقف لبرهة ثم قال: نعم قد لا تجد دينارا واحدا لتعيش فيه، كيف لنا العيش بهذا الحال، وأنا الذي كان يدير مدرسة لتعليم السواقة وعمل ناجح وتجارة مربحة.

 

يعيش أبو المجد في شقة مجاورة لشقة الناطق الإعلامي للثورة السورية في الحوران محمد الشرع والذي فصّل لنا جزءً من ما يعيشه ثوار سورية في مناطق درعا وحمص وحماة وريف دمشق، "حياة الملاحقة والقتل المستمر، يصاحبها مرارة في اللجوء، تلك هي حياتنا فماذا نقول".

 

الشرع يشكر الأردن على استضافته اللاجئين السوريين وعلى الأمان الذي شعره ومن معه بمجرد قدومهم إلى هنا لكن الأمان صاحبه ضريبة يعتبرها بالطبيعية لكل مشرد عن بلده "فقر الإمكانات قلة الخدمات عوز الصحة".

 

بنايتان مجاورتان لبعضهما البعض في الرمثا، تتملكهما جمعية الكتاب والسنة والتي تعمل تحت مظلة الهيئة الخيرية الهاشمية، تمد سكانها بخدمات المؤن الغذائية والاحتياجات اليومية والقليل من المال، لكنها لا تكفي العائلات على حد قول محمد الشرع.

 

“ثمة شكاوى قد تسمعوها من السوريين القاطنين في تلك البنايات تتمحور حول قلة الدعم. هو أمر طبيعي أمام هذه الأعداد المتزايدة من اللاجئين الذين تشملهم إغاثة الجمعية"، يقول لنا محمد عياد عضو جمعية الكتاب والسنة، قبل توجهنا إلى البنايات للقاء الأسر.

 

قلة الإغاثة

5 آلاف عائلة سورية تشملها إغاثة الجمعية الإسلامية والتي بات دعمها يقل تدريجيا أمام موجة اللجوء السورية، "ما كنا ندرك هذا الكم الذي بات يأتينا بشكل يومي"، يعلق عياد ويستدرك في قوله أن الثورة التي مضى عليها عام باتت تضغط على حجم إغاثتهم وهم الذين يحاولون من خلال دعم جمعيات إغاثة عربية على استيعاب ما امكن من السوريين.

 

تقصير الجمعية قد يكون "أمرا مفهوما" بالنسبة للاجئين أو على الأقل بالنسبة للاجئ الأربعيني "أبي بكر" الذي يسجل عتبا على الإغاثة بـ"النوعية والكمية" لكنه لا يفهم معنى التقصير بالنسبة للمفوضية العامة لشؤون اللاجئين التي يرى أنها غائبة عن اللاجئين. في وقت أعلنت أن قوائم السوريين اللاجئين لديها وصل إلى 12 ألفا و500 لاجئ.

 

“سجلنا معلوماتنا لديها كلاجئين، لكن لم نشعر أنها مفوضية للاجئين، حتى أن مقرها في عمان والوصول إليه يتطلب صياما كي نوفر أجرة الموصلات بدلا من ثلاث وجبات للعائلة، كي نشكو لها آلامنا"، يقول أبي بكر الذي أخذ مكانه ما بين المنظمين لحركة لجوء السوريين.

 

30 ألف لاجئ هم في "حالة إنسانية"، أي تحتاج إلى مساعدات عاجلة، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وتوقعت في بيان صحفي أن الأرقام في ازدياد. كما أعلنت عن توسيع جهود التوعية والمزيد من المساعدة بطريقة منهجية.

 

“نرتب قدومهم عبر الشيك بطريقة غير نظامية، يسجلون دخولهم إلى مساكن البشابشة، حيث يتم تكفيل الأسر من قبل محسنين رماثنة نحاول تأمين مساكن لهم عبر تنسيق مع جمعيات إغاثة"، يوضح أبي بكر مسيرة حياته اليومية في الرمثا.

 

مع أبي بكر

في غرفة صغيرة تعلوها صناديق كرتونية بدا مكتوبا عليها "ضمادات طبية، شاشات طبية" يتكأ على واحدة منها أبي بكر المحكوم في الإعدام، ساردا لنا بعضا من ما يقوم به من تنسيق لأجل إعانة اللاجئين. لم نكن مستغربين، توقفنا عن الحديث معه لوهلة كان خلالها متحدثا عبر هاتفه مع لاجئ سوري منسقا معه قدوم فوج جديد من اللاجئين إلى مكان سكناهم.

 

بقينا في ذات المنزل المستقل عند أبي بكر والذي يتكفل بدفع إيجار منزله آويا عائلات سورية عدة، منتقلين إلى غرفة أخرى حيث كنا في صحبة عدد من اللاجئين والذي طلب بعضهم عدم التعليق وهذا الطلب يبدو أنه تبدد بعد انطلاق أحدهم في الحديث عن مسيرة قدومهم إلى الأردن ليصبح الجميع متحدثا ومعقبا.

 

خلال حديثنا مع صحبة اللاجئين، بدأ والدا أحد عناصر الجيش المنشقين والذي دفن قبل يوم في مقبرة الرمثا، مسهبين الحديث عن أوضاعهم الصعبة وما واجهوه في قريتهم المتاخمة لمدينة درعا من أعمال دمار وتهديدات بالقتل بعد أن بات خبر انشقاق ابنهم من الجيش أمراً مؤكداً.

 

“أصيب ابني وقد نقلناه عبر الشيك مشيا بالأقدام لكنه توفي هنا في الرمثا"، تقول الوالدة المكلومة وبدت عزيمتها قوية على مواصلة حياتها. أما الوالد فبعد رفضه الحديث عن اوضاعهم لدواعي أمنية، كان معقبا على كل مداخلة كانت تدلي بها الأم، قائلا لنا: “انظروا إلى ملابس لا أملك سوى ما لبسته من قميص وبنطلون حيث كنت متجها للجامع للصلاة وشردنا بعدها هنا".

 

للحظة، بات الجميع يتحدث عن أوضاعهم، فيما أنا وزملائي الصحفيين منصتين، غير قادرين على مواكبة جميع الشهادات التي كانت تصدر شمالا ويمينا من مكان جلوسنا على الفرشات.

 

أحد اللاجئين دخل نظاميا إلى الأردن، كان مسهبا في الحديث عن دوامة القتل اليومية التي باتوا يستيقظون عليها في بلدتهم المتاخمة لدرعا المدينة، "ما بين حقول القمح تكتشف جثث الشباب، وكيف نستدل عليها، من خلال الطيور التي تحوم فوقها أو الذباب الكثيف، الضرير والمسنة يقتلان دون تمييز".

 

“لا يوجد لدينا حياة، الموت هو الحياة، تقتل تسرق تعذب، يختفي الشخص ويكتشف ميتا ماذا بعد هذا"، يقول هذا اللاجئ المنزوي في جلسته على الأرض.

 

إنذار استغاثة

تتعامل يوميا جمعية الكتاب والسنة مع 200-300 لاجئ بطريقة غير شرعية داخل الحدود الأردنية، وفق عياد، ويتابع أن كلفة الأسر اللاجئة الواحدة في شهريا بحدود 500 دينار. "غالبية القادمين في الفترة الأخيرة يأتون من مدينة حمص المنكوبة، في مجملهم عائلات أوضاعهم النفسية صعبة للغاية".

 

يتحدث لنا عياد عن استخدام الجمعية "خطة الطوارئ" وهي إسكان عائلتين إلى ثلاث في الشقة والواحدة، "لدينا حاجة إلى تأمينهم بأثاث للمنازل، هذه إشكالية نواجهها أمام مواردنا الشحيحة ومن هنا يمكن القول أننا دقينا جرس الإنذار”.

 

ما يراه عياد بالحاجة الملحة لجميع اللاجئين حاليا هو "العلاج النفسي من الصدمة" فيما يشترك مع روايات عدد من اللاجئين السوريين حول حاجة لاجئ فلسطيني من حملة الوثائق السورية إلى عملية مستعجلة بسبب اصابته برصاص في نخاعه الشوكي فيما يزال يشعر بقدميه ما يعني حاجته الماسة للعملية قبل فوات الأوان.

 

يؤكد مصدر أمني لنا أن الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية لا يستطعون الحصول على كفالة لأجل الخروج خارج سكن البشابشة وبأمر من المحافظ لاعتبارات "غير مفهومة" بالنسبة لجمعيات الإغاثة، لكنها بالنسبة للحقوقين "سياسية" داعينها إلى التدخل لأجل حلها. فيما تدعو الحكومة إلى ضرورة التسهيل عليهم بغية إدخال ما يمكن إدخاله إلى المستشفيات لأجل العلاج.

 

فيما يؤكد مصدر من داخل وزارة الداخلية أن "الحالات الإنسانية المستعجلة" يتم إدخالها إلى المستشفيات لأجل علاجها بحيث يتم دراسة كل حال على حدا.

 

الوصول إلى سكن البشابشة في الرمثا لا يمثل للاجئين الفارين بشكل غير نظامي سوى كابوس على حد وصف أحدهم الذي اعتبر أنه مكان مؤقت لكنه يستدرك أن أي مكان لا بد من تهيئته بالصورة المطلوبة من حيث النظافة وتأمين الاحتياجات كافة.

 

كان نضال البشابشة أحد ملاك سكن البشابشة أكد لنا أن مسكنهم يؤمه يوميا مئات اللاجئين السوريين، على مدى عام كان العدد 11 ألفا المتبقي منهم في المساكن 1300 لاجئ. البشابشة دعا الجمعيات والمنظمات إلى تحمل مسؤولياتها في الإغاثة.

 

دعم ومقترحات

قد تكون الخدمات الصحية هي واحدة من أولويات المنظمات في طلبها المساعدات الدولية، وأمام هذا يقترح اللاجئ محمد الشرع من الحكومة الأردنية بمساعدتهم على تأمين مبنى فيما سيبادر محسنون وسوريون برفهد بالأجهزة والمعدات الطبية للإعانة لكن هذا المقترح لاقى الرفض بالمطلق، يقول الشرع.

 

روايات نقلناها عن لاجئين ساء لهم ما يحصل لأبناء جلدتهم، لعل أبرزها ما ردده أكثر من لاجئ هي تلك الحادثة التي وقعت قبل عدة أيام حيث تم اطلاق النار على قرابة 400 لاجئ سوري ما ادى إلى تبعثرهم، أصيب من أصيب ومات من مات واعتقل من اعتقل، لكن اعتقال واختفاء 35 امرأة لاجئة داخل الأراضي السورية هو ما نسف مسيرتهم نحو الأردن ليعد عدد منهم إلى هناك أملا في الوصول إلى زوجته أو شقيقته أو أمه.