حالة حقوق الإنسان في ظل الربيع العربي
يستعرض موقع وثائقيات حقوق الإنسان، ورقة عمل مقدمة لمؤتمر بعنوان "حالة حقوق الإنسان في ظل الربيع العربي" وبمناسبة مرور عام على حلول الربيع العربي والذكرى 63 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ نظم مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان و المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني التعاون مع المركز المصري لحقوق المرأة واللجنة العربية لحقوق الإنسان و مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية و الربيع العربي من إعداد الباحث د. هاني عودة مشرف أكاديمي في جامعة القدس المفتوحة وعضو استشاري للجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان" راصد"
مقدمة
عند الحديث عن قضية بحجم قضية اللاجئين الفلسطينيين لا بد من معرفة كثير من الجوانب على الرغم من أن كثير من الباحثين كتبوا في هذه القضية , ولكن سيتم تسليط الضوء على بعض الجوانب الهامة لا سيما حقوق اللاجئين الفلسطينيين وموقف القانون الدولي منها , وموقف اللاجئين الفلسطينيين من الثورات العربية , وتأكيد حقوقهم في ظل الربيع العربي, إذ لا يبدو عقلانيا الفصل بين قضايا العرب والقضية الفلسطينية والتي من أهم قضاياها قضية اللاجئين وحقوقهم . حيث لا احد بمقدوره أن يدّعي أن لكل شعب عربي قضاياه المنعزلة تماما، وان لكل بلد خصوصيته , و إننا لم نسمع بحدث عايشه شعب عربي لم يترك آثاره الايجابية أو السيئة في بلاد العرب قاطبة , والدليل على ذلك ما حدث من ثورات بدأت في تونس ثم سرعان ما انتشرت في بلاد العرب, لطالما كانت القضية الفلسطينية بكل ملفاتها إحدى ضحايا تردّي الوضع العربي إلى حالة من الهوان والفساد والتبعية والتجزئة، فلا يمكن فهم الوضع الكارثي الذي تعيشه القضية الفلسطينية ,دون رؤيته كانعكاس لتردي الوضع العربي، لذلك من الطبيعي أن تكون القضية الفلسطينية حتما أحد المستفيدين من رياح التغيير والثورة، والمهم مدى استفادتها، إذ يتوقف ذلك على إدراك الفلسطينيين، خصوصًا قيادتهم، أن الوضع وميزان القوى والمعطيات المحلية والعربية والإقليمية والدولية قد تغيرت، أو على الأقل في طريقها إلى التغيير.
يتضح من دراسة موقف اللاجئين الفلسطينيين وقضاياهم أنه يجب التأكيد على أنه لا يمكن فصل كل ما يتعلق باللاجئين من حقوق ومواقف عن القضية الفلسطينية باعتبار أن ملف اللاجئين الفلسطينيين عصب القضية الفلسطينية ,لذلك التطرق لحقوق اللاجئين ومواقفهم يعني الحديث عن حقوق و موقف الشعب الفلسطيني لأن القضية الفلسطينية كل لا يتجزأ.
إن تباين موقف الفلسطينيين من الربيع العربي بين المؤيد والمشكك في نجاح الثورات العربية انعكس على الوضع الداخلي الفلسطيني من حيث إعادة النظر في كل الأوراق الفلسطينية , ففي ورقة العمل هذه سنعرض الأسباب لتباين الموقف الذي اتخذه الفلسطينيين وردة الفعل التي تبعت هذا التباين من خلال نقاط محددة.
لذلك سيتم تناول قضية حقوق اللاجئين الفلسطينيين في ظل الربيع العربي من خلال الجوانب التالية :
أولا : اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم .
ثانيا: أثر القضية الفلسطينية في الثورات العربية.
ثالثا : أثر الربيع العربي على القضية الفلسطينية
رابعا : النتائج والتوصيات:
أولا- اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم :
تمثل قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من أكثر وأبشع قضايا التهجير المستمرة وعلى مراحل كثيرة وبأشكال متعددة شهدها العالم، فمشكلة اللاجئين عموماً يمكن ان تكون نتاجاً لحالة خاصة داخل كل دولة.
فهناك اللجوء الذي ينتج عن الاضطهاد العرقي، وآخر بسبب التضاد السياسي، وثالث على خلفية دينية، ناهيك عن لجوء الجفاف والمجاعة الناجمة عنه.
وهذه المشاكل برمتها لا تمثل مشكلة للمجتمع الدولي أو الأمم المتحدة إلا من باب الاهتمام لأسباب إنسانية في جلها.
أما مشكلة اللاجئين العرب في فلسطين فإنها تمثل ٤٣ % من إجمالي لاجئي العالم والمقدر ب ١٧ مليون لاجئ, وتختلف مسألة اللاجئين الفلسطينيين عن جميع اللاجئين الآخرين، حيث أن جميع حالات اللجوء الأخرى كانت نتيجة لأفعال ارتكبت مخالفة لمبادئ الأمم المتحدة، ولذا فإن إلتزام الأمم المتحدة به هو أخلاقي، وأما اللاجئين الفلسطينيين كان نتاج لقرار اتخذته الأمم المتحدة نفسها، ولا نظن أن الأمم المتحدة كانت غافلة عن عواقب ذلك، وهو قرار ١٨١ القاضي بتقسيم فلسطين.
وقد تم تعريف اللاجئ حسب وكالة غوث اللاجئين ) أي شخص كان محل إقامته الطبيعي فلسطين خلال الفترة من ١ حزيران ١٩٤٦ حتى ١٥ أيار١٩٤٨.(
تاريخياً، كان التركيز في الحالة الفلسطينية مختلف تماماً، فاللاجئون الفلسطينيون لا يبغون مسكناً غير بلدهم الأصلي. ورغبتهم الأساسية هي أن يسمح لهم بالعودة إلى وطنهم إذا ما اختاروا ذلك. وهذا هو مصدر الأهمية البالغة لقرار الأمم المتحدة رقم 194. فالقرار يعني تحديداً باللاجئين الفلسطينيين ويؤكد حقهم في العودة أو في التعويض للذين لا يرغبون في العودة. ولهذا السبب –أو الذريعة- فان اللاجئين الفلسطينيين غير مشمولين بالحماية تحت مضلة المندوب السامي للاجئين التابع للأمم المتحدة ومظلة منظمات دولية أخرى. فإنشاء الأونروا كان ينبع من القرار رقم 194. واستنادا إلى هذه الوكالة.
فان "اللاجئ الفلسطيني هو كل إنسان كان مسكنه المعتاد فلسطين في الفترة ما بين حزيران/يونيو 1946 و15 أيار/مايو 1948. وفقد منزله ومصدر رزقه بسبب النزاع سنة 1948 ".
شكلت قضية الأرض وعودة أصحابها من اللاجئين الفلسطينيين إليها جوهر القضية الفلسطينية، كما أنها تمثل التجسيد الكثيف لمأساة الشعب الفلسطيني. إنها تجسيد سياسي وإنساني وأخلاقي وعقدة أعصاب الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي، وبهذا المعنى أضحى الموقف من حق العودة خطاًّ معيارياً على أساسه يمكن قياس عدالة وجدية أي مشروع مطروح للحلّ السياسي، وأيضاً قياس مصداقية مواقف القوى السياسية كما الأفراد.
يعتبر قرار 194 بتاريخ 11/12/1949 من أهم القرارات الخاصة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ،بل انه يمثل حجر الزاوية بالنسبة للحقوق الفلسطينية بارتباطها بقرارات الأمم المتحدة ،وقد أكد على وجوب السماح بالعودة في اقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة الى ديارهم .
ومن الجدير بالذكر هنا ،"ان "إسرائيل" تدرك الأهمية المنشئة للقرار 194 وكذلك الالتزامات الدولية الناشئة عنه ولهذا فإنها لم تقم بإلغاء حق اللاجئين الفلسطينيين في أملاكهم داخل "إسرائيل" ،بل وضعت لها إطارا قانونيا خاصا بها ،تطور هذا الإطار القانوني ،عندما أقرت الكنيست "قانون المناطق المتروكة لعام 1948" الذي جرى تعديله بـ"أنظمة طوارئ بشأن أملاك الغائبين في 12/كانون الأول /1948" ،والتي جرى تعديلها ب"قانون أملاك الغائبين لعام 1950".وفحوى هذه القوانين ،أنها وضعت أملاك اللاجئين الفلسطينيين تحت "إدارة" الحكومة الإسرائيلية ،التي أنشأت لذلك "دائرة حارس أملاك الغائبين" . وما يزال هذا الإطار القانوني قائما حتى هذه اللحظة.
ثانيا: أثر القضية الفلسطينية في الثورات العربية.
لا شك أن تأثير القضية الفلسطينية وخصوصا الممارسات الإجرامية الصهيونية بحق الفلسطينيين وعجز الأنظمة العربية عن مساعدة الفلسطينيين إن لم يكن تواطؤهم مع العدو لم يكن مباشرا ،ولكن لا ينكر انه راكم عبر السنيين حالة من النقمة الشعبية على الأنظمة وممارساتها.
إن الجماهير العربية لم تنسى أو تغفر للأنظمة وهي تقف موقف المتفرج على معاناة اللاجئين الفلسطينيين , ولم تنسى الإجرام الصهيوني خلال سنوات الانتفاضة سواء الأولى أو الثانية ولم تنسى أو تغفر صمت الأنظمة وطائرات العدو ودباباته تقصف وتحرق غزة ،ولم تنس أو تغفر للأنظمة صمتها وتواطؤها والعدو يستوطن الضفة ويهود القدس ويدنس المقدسات،لقد كانت فلسطين حاضرة في ضمير ووجدان الثوار وإن لم تكن العنوان الرئيس لثورتهم أو على رأس سلم اهتماماتهم .وبالتالي يمكن القول بأن العلاقة بين الثورة العربية والقضية الفلسطينية كانت تأثير وتأثر .
مع اندلاع الثورة التونسية والثورة المصرية تباينت مواقف الفلسطينيين بين المؤيد وبشدة، وبين المشكك في نجاح الثورات العربية بخاصة الثورة المصرية، وربما يكون ذلك نابعاً من تخوف الفلسطينيين من زجهم في صراعات داخلية، أو حشرهم بين الأنظمة العربية والشعوب العربية، وصمت الفصائل الفلسطينية وتحالفاتها وحساباتها السياسية.
وربما أيضاً تحسباً من اصطفاف طرف على حساب طرف آخر، والسوابق التاريخية التي وقعت مع الفلسطينيين بخاصة الموقف الذي اتخذته قيادة منظمة التحرير في قضية احتلال الكويت من قبل النظام العراقي السابق، وما تلاه من تغول الكويتيين على الفلسطينيين وطردهم من الكويت.
طرف من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة اتخذ موقفاً مؤيداً، ولم يصدر عنه أي تصريحات وكان حذراً لدرجة الخوف، وتمثل هذا الطرف بجزء كبير من الناس وفصائل اليسار والجهاد الإسلامي وحماس وحكومتها التي منعت تظاهرات التأييد للثورة المصرية.
وطرف أخر كان مشككاً من النتائج، إلى أن تمكن المصريون من الانتصار وخلع نظام مبارك، وهو ممثل بالقيادة الرسمية للمنظمة والسلطة المتخوفة من فقدان أكبر حلفائها، وتماهى هذا الطرف مع النظام المصري، ومنع أي تحرك شعبي مؤيد للثورة المصرية، ولم يخفِ أنصار هذا الطرف تأييده لنظام مبارك، منطلقاً من الحفاظ على مصالحه السياسية والشخصية.
ومع امتداد شرارة الثورات العربية إلى ليبيا وسورية التي لها خصوصية لدى الفلسطينيين بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، لم يخرج الموقف الفلسطيني سواء المؤيد أو المعارض عن الإعلان عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، مع أن هناك شبه إجماع بين الفلسطينيين على تأييد الشعب السوري في ثورته ضد النظام، إلا أن المواقف لم تتعد الإدانة الشفهية والصامتة، ولم تخرج من العالم الافتراضي عبر صفحات "فيس بوك" إلى حد التضامن الفعلي والحقيقي بتظاهرات تأييد للثورة السورية.
وفي حين تسابقت الفصائل الفلسطينية بإدانة واستنكار سقوط الـ 23 شهيداً بنيران جنود الاحتلال الإسرائيلي في ذكرى النكسة على الحدود السورية الفلسطينية، ساد صمت رسمي وفصائلي، وقلق وخوف شعبي، وتأخرت قيادة منظمة التحرير في استنكار وإدانة الجريمة التي وقعت في مخيم اليرموك وسقوط 11 شهيدا فلسطينياً، وتوضيح الموقف للفلسطينيين، وصدر بيان متأخر عن منظمة التحرير يدين ويستنكر الجريمة ويعلن أن المنظمة ستحقق في تفاصيل هذه المجزرة وإعلان نتائجها للشعب.
ولم يصدر موقف من حماس وباقي فصائل منظمة التحرير، واستغلت بعض الأطراف المحسوبة على المنظمة الجريمة في توجيه الاتهامات للجبهة الشعبية القيادة العامة، وتحميلها مسؤولية الجريمة، منطلقة من الموقف العدائي للقيادة العامة، وأمينها العام أحمد جبريل كونه حليفاً تاريخياً للنظام السوري، والموقف العدائي للنظام السوري وجبريل ضد الشهيد ياسر عرفات، وتوجيه الاتهامات لجبريل بمشاركة عناصر من القيادة العامة في قمع الشعب السوري في ثورته ضد النظام، وهذا ما قاله بعض الفلسطينيين المتواجدين في سورية
.أي كانت الجهة المسببة أو المرتكبة للجريمة في مخيم اليرموك، وبعيداً عن الحالة السائدة في سورية والحساسية في العلاقة المتوترة بين النظام السوري وقيادة منظمة التحرير، كان من المهم والضروري التحرك بسرعة، وتحري الدقة والموضوعية، ومعرفة أسباب وحقيقة ما جرى وإطلاع الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم عن حقيقة الجريمة ومرتكبيها ومسببيها، ورفضها بحزم وعدم زج اللاجئين الفلسطينيين في ما يجري في سورية.
ثالثا: أثر الربيع العربي على القضية الفلسطينية:
نتيجة وحدة الثقافة والانتماء المشترك والثورة المعلوماتية تأثر شباب فلسطين بما يجري في العالم العربي وخصوصا في مصر الجار القريب،ولكن شباب فلسطين لهم تجارب ثورية رائدة وخصوصا انتفاضتي 1987 والأقصى 2000 ،وبالتالي عندما قرروا القيام بحراك أو ثورة كانوا معتمدين على تاريخ ثوري وتجارب سابقة مع إضافة مستجد لم يكن موجودا وهو شبكات التواصل الاجتماعي والتلفون المحمول كأدوات سهلت عليهم التواصل والإعلان عن ثورتهم بعيدا عن أعين أجهزة الأمن.
لم يكن السؤال عند شباب فلسطين فقط هل يقوموا بثورة أم لا ؟بل ضد من يقوموا بثورتهم ؟ الشباب في العالم العربي قاموا بثورة ضد أنظمة فاسدة وغير ديمقراطية وكان مطلبهم إسقاط هذه الأنظمة،وتجربة شباب فلسطين كانت ثورة ضد الاحتلال الصهيوني،أما اليوم فمناطق السلطة تخضع للاحتلال وفي نفس الوقت منقسمة لسلطتين وحكومتين فلسطينيتين باتتا عائقا أما الشعب ومواجهة الاحتلال.وعليه كان قرار شباب فلسطيني الثورة ضد الانقسام, بالتالي خرجت الجماهير الفلسطينية في 15آذار2011 بقطاع غزة والضفة الغربية رافعين شعارا موحدا ( الشعب يريد إنهاء الانقسام), مما أثار حفيظة سلطتي الانقسام , فكانت استجابة السلطتين في الحال لإرادة الجماهير الفلسطينية بإنهاء الانقسام والاتفاق على الوحدة فقط في استخدام كل الوسائل لقمع الحراك الشعبي الفلسطيني , وتقوض إرادة الجماهير الفلسطينية وتحطيم أمالهم في الوحدة الوطنية .
كانت القضية الفلسطينية مركزية للعرب، وتلاشت بعد كامب ديفيد والاجتياح العراقي للكويت، والصراعات الجانبية العربية، والذين توقعوا انحسار الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية بعد ثورة الربيع العربي لصالح الاهتمامات الداخلية في كل بلد عربي، كانوا مخطئين وسطحيين، فالربيع العربي سيُجدد الاهتمام بالقضية الفلسطينية والصعود المصري إلى 'السفارة في العمارة' وهتافات 'ساحة الشهداء' في بنغازي، واعتصام الأردنيين المتواصل وهتافاتهم في 'الرابية'، يدلل على عكس المراهنين على التراجع، بل يدلل ليس فقط على مواصلة الاهتمام بفلسطين وشعبها وقضيتها بل على زيادته وتعميقه.
إن المتغيرات التي يشهدها العالم العربي وحتى في حالة صيرورتها متغيرات تتجاوب مع التطلعات المشروعة للشعوب بالديمقراطية ،فإنها على المدى القريب ستشغل الشعوب العربية بمشاكلها وهمومها الداخلية لحين من الوقت ،الأمر الذي قد تستغله إسرائيل.
إن كانت المحصلة النهائية للمد الثوري العربي سيؤثر على القضية الفلسطينية إلا أن التأثير سيختلف من دولة إلى أخرى بل لا نستبعد أن تكون نتائج ثورة ما سلبية بالنسبة للقضية الفلسطينية ،وفي جميع الحالات فالأمر يرتبط بالقوى الثورية أو التي ستستلم مقاليد السلطة بعد الثورة ،أيضا بدرجة التدخل الخارجي في مجريات الثورة ،فالغرب وخصوصا واشنطن يتدخل في الثورة الليبية وإيران تتدخل في الثورة البحرينية .
مثلا على الرغم من أهمية الثورة التونسية وما بلغته من دروس إلا أن تداعياتها على السياسات الخارجية لدول المنطقة وعلى الصراع العربي الإسرائيلي بقى محدودا ،ليس فقط لأن الثورة التونسية ثورة إصلاحية وطنية بل أيضا لأن الجغرافيا السياسية ودور تونس في سياسات الشرق الأوسط والعالم يبقى محدودا . ومن هنا نلاحظ كيف رحبت واشنطن وأوروبا والعالم بثورة الشعب التونسي ولم تجر أي محاولات للتأثير في مجريات الثورة ،أما في مصر فالعالم ينظر لما يجري ويتعامل معه بشكل مختلف والوضع لم يستقر بعد في مصر وقد تحدث مفاجئات تخرج الثورة عما كان يريده الشباب.
إذا بقينا في الحالتين التونسية والمصرية ،فإن أي تغيير جذري في النظام السياسي في مصر ستكون له انعكاسات إقليمية ودولية وسيعيد خلط الأوراق وخصوصا في ملف الصراع في الشرق الأوسط وبالتالي فإن الحسابات السياسية والإستراتيجية المرتبطة بالمصالح لها الأولوية على حسابات الديمقراطية وحقوق الإنسان ،أما في تونس
فالغرب يتعامل مع الثورة فيها كقضية ديمقراطية وحقوق إنسان بالدرجة الأولى دون تجاهل وجود حسابات إستراتيجية على المدى البعيد.
ما أن اندلعت الثورة حتى راود الأمل الكثيرين بأن العالم العربي يشهد انتفاضة جماهيرية ستعيد رسم الخارطة السياسية في المنطقة وتعيد الآمال العربية بالتحرر والوحدة وما سيترتب على ذلك من تغيير معادلة الصراع مع العدو وخصوصا ان إسرائيل وواشنطن تنظران بقلق للأحداث في مصر وفي مجمل الساحة العربية .
رابعا: النتائج والتوصيات :
استقرّ بعد الثورة في يقين الفلسطينيين أن عمر الاستبداد قصير وان طال، وان إرادة الشعوب لا يثنيها الحديد، وان الموت في سبيل الحرية أصبح أكثر من أي وقت مضى مطلبا ملحا للنساء وللرجال، للشباب وللشيوخ على حد السواء، وهو أمر يزيد الاحتلال ارتباكا وتقهقرا ويزيد الشعب العربي الفلسطيني إقداما وجرأة وتضحية.
ثمّة إحساس بالغيرة الايجابية سرى بعد ثورات العرب في نفوس الفلسطينيين جعلهم يشعرون انه لم يعد عليهم أن يصبروا أطول مما صبروا، وان ما حققه التونسيون والمصريون والليبيون واليمنيون ليس معجزة بقدر ما هو نتيجة للإرادة ونهاية لمسيرة تداعت أخيرا بتعدد نقاط سوادها. ولا نشك في أن هذا الإحساس الايجابي سيقصر عمر معاناة اللاجئين بما فيه من شحنات قوية. آن الأوان لان تتحول إلى قوة أقوى والى فعل أكثر فعلا والى يكلّ.
بات مستقرّا في أذهان الفلسطينيين من إنهم ليسوا الوحيدين الذين تهمهم القضية، وان الذين استطاعوا أن يطيحوا بطغاة تونس ومصر وليبيا لن يتراجعوا قبل أن يساهموا بكل جهدهم في تحقيق حرية فلسطين.
يجب على الفلسطينيين استثمار فرصة الثورات العربية لبناء إستراتيجية جديدة وموحدة لإحقاق الحقوق الفلسطينية الثابتة, فثورة الربيع العربي، مكاسب صافية للشعب العربي الفلسطيني، هذا ما حصل في مصر وما سوف يحصل، وهذا ما هو متوقع من تونس ومن ليبيا، ومن الجامعة العربية ومؤسساتها، فالمقدمات تُشير إلى ذلك، والتصريحات تعكس ذلك، وموقف الشارع العربي على مختلف هوياته المحلية يؤكد ذلك، وما القلق الإسرائيلي نتيجة تطور الأحداث وتداعيات الربيع العربي، إلا تعبير عن قراءة موضوعية لنمو حالة العداء والرفض العربي للمشروع الاستعماري الإسرائيلي الذي فشل في استثمار مناخ الاعتدال العربي، وسعى إلى توظيفه لتعزيز الاستيطان والتهويد ومواصلة التوسع والقتل، وتغييب لغة التعايش والشراكة والاندماج في المنطقة. .
على قيادات الثورات العربية صحيح مسار الثورات ووضع الحقوق الفلسطينية في سلم أولوياتهم لإحقاق الحقوق الفلسطينية
وعلى ما تقدم يصح القول أن الربيع العربي طال نتائجه بلاد العرب قاطبة. ولعل هذه النتائج ستكون أبهى وأوضح وأكثر فعلا وأزيد عمقا في التاريخ عندما تصل إلى تحقيق عودة اللاجئين و استقلال فلسطين وهو أمل أصبح قريب المنال وفي متناول الأيدي، ممكنا لا استحالة فيه، ذلك إن جيل الثورات الحقيقية هذا لا يؤمن بالمستحيل, لذلك لابد أن يستأنف الحراك الشعبي الفلسطيني أعماله ويثور من أجل حقوقه المقدسة لأن كل ثورات العالم العربي ومهما كانت منجزاتها لن تغني الفلسطينيين عن ثورتهم الخاصة بهم ،ثورة لإنهاء الانقسام وثورة ضد الاحتلال.