المتنفذون يضعون بصمتهم على مشروع قانون حماية المستهلك!
انس ضمرة- وثائقيات حقوق الإنسان اقرت الحكومة اخيرا مشروع قانون حماية المستهلك الذي طال انتظاره، لكن حتى اشد المتحمسين له سارعوا الى رفضه معتبرين انه صيغ وفقا لمصالح الصناعيين والتجار المتنفذين الذين بدا واضحا ان ضغوطهم افلحت في افراغه من محتواه. وكانت فكرة مشروع القانون الذي يتوقع ارساله قريبا الى مجلس الامة للسير في مراحله الدستورية، قد انبثقت اول مرة خلال ندوة متخصصة عقدت عام 1995. وفي العام 1997، كانت لجنة مكلفة تضم خبراء واساتذة جامعات تضع اول مسودة لمشروع القانون الذي يهدف الى توفير غطاء وحماية للمستهلك من انفلات الاسعار وممارسات الاحتكار والغش. ولكن من حينها ظل المشروع يراوح بين اروقة اللجان وادراج الحكومة وديوان التشريع والراي، وكذلك مجلس النواب الذي لم يكن يكاد يتسلمه حتى يفاجأ بالحكومة تسحبه مجددا بذريعة حاجته الى المزيد من الدراسة. وبعد توجيهات ملكية بالاسراع في سن قانون لحماية المستهلك، كانت الحكومة تُخرج المشروع من الحلقة المفرغة التي اقحمته فيها كل تلك السنوات، ثم تقره تمهيدا لعرضه على مجلس الامة. وقد جاءت اولى ردود الفعل الرافضة للمشروع من الجمعية الوطنية لحماية المستهلك التي اعتبرت انه صيغ بطريقة تلبي "مصالح التجار والصناع"، وكذلك من المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي رأى ان بنوده تتحدث عن عموميات تحتمل تفسيرات متعددة. كما برزت اتهامات من قبل حقوقيين ومنظمات اهلية لمتنفذين وتجار بممارسة ضغوط على الحكومة من اجل تكييف المشروع بما يتماشى مع مصالحهم التي تتعاظم في ظل غياب القانون على حساب حقوق المستهلكين. ولوحظ في خضم ردود الفعل التي اثارها مشروع القانون غياب اي موقف من غرف الصناعة والتجارة وكذلك النقابات الصناعية، بخلاف ما كان عليه الحال خلال المناقشات التي سبقت اقراره، وهو ما فسره مراقبون بانه علامة رضا عما انتهت اليه الامور. مقاصد القانون وفي مقاصده الظاهرة، يهدف مشروع القانون الى حماية المستهلك من الغش التجاري والاستغلال وسوء تقديم الخدمة وضمان حقه في الحصول على السلع والخدمات بجودة عالية وسعر مناسب، وكذلك تنظيم العلاقة بينه والتاجر. وينيط مشروع القانون موضوع اقتراح التشريعات والسياسات بمجلس اعلى لحماية المستهلك سينشأ بموجب هذا التشريع، اضافة إلى التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بحماية المستهلك. كما سيتشكل بموجبه اتحاد لجمعيات حماية المستهلك لغايات تنسيق جهود جمعيات حماية المستهلك، علما بأن غالبية أعضاء المجلس من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص. ويتبنى المشروع قائمة حقوق المستهلك التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية وانشأ حق التعويض عن الضرر للمستهلك وجعل المسؤولية تكافلية تضامنية في سلسلة المزودين للسوق بالسلع والخدمات. كما يمنح مديرية حماية المستهلك التي ستنشأ في وزارة الصناعة والتجارة بموجبه صلاحية تحويل المخالفين الى المحكمة مباشرة دون الحاجة الى اخطار في الحالات التي تستوجب التدخل السريع لجسامة المخالفة او لتكراراها، وانشأ حق التعويض عن الضرر للمستهلك بحيث يقع باطلا كل اتفاق يلغي او يقيد هذا الحق. ويلزم مشروع القانون المزود للسلعة بتأمين خدمات ما بعد البيع وقطع الغيار اللازمة للسلع التي تتطلب طبيعتها ذلك اضافة الى خدمات الصيانة سواء كان ذلك مقابل بدل يدفعه المستهلك أو دون مقابل. كما يحظر نشر أي إعلان يضلل المستهلك أو يوقعه في الخطأ للسلعة أو الخدمة ويحظر أي إعلانات لسلعة أو خدمة مجهولة المصدر او القيام بحملات ترويجية للسلع الضارة بصحة أو سلامة المستهلك. هيئة مستقلة وقد تركز اعتراض جمعية حماية المستهلك خصوصا على مرجعية القانون التي ينيطها المشروع بدائرة ملحقة بوزارة الصناعة والتجارة في حين تطالب الجمعية بان تكون مستقلة. وترى الجمعية ان هذه التبعية غير منصفة من حيث ان وزارة الصناعة والتجارة تبحث عن مصالح التجار ولن تلتفت للمستهلكين على حد وصفها. وكما توضح نائب رئيس الجمعية سناء قموة عماري، فان الهيئة يجب ان تكون مستقلة وذات ارتباط اداري مباشر مع رئاسة الوزراء لتتمكن من انصاف جميع الاطراف بعدالة. وقد بررت الوزارة رفضها استحداث هيئة مستقلة كمرجعية لحماية المستهلك، بان ذلك يتنافى مع توجهات الحكومة لتقليص أعداد المؤسسات المستقلة ومحاولة دمج الؤسسات المتشابهة الأدوار وتقليص النفقات. لكن الجمعية اعتبرت هذا التبرير ضعيفا، وقالت ان بند الحاق مرجعية القانون بوزارة الصناعة وعدم منحها الاستقلالية انما جاء لغاية تفريغ القانون من محتواه ومن القوة اللازمة لتنفيذه والتي ستظل بيد الوزارة المتهمة بالانحياز لاصحاب المصالح. وقالت عماري ان الجمعية ستتوجه إلى مجلس النواب لعرض وجهة نظرها، ولمطالبته برد المشروع والعمل على انتاج مشروع قانون اخر يحمي المستهلك من تغول التجار. واستنكرت عماري ما وصفته باهمال وزراء الصناعة والتجارة المتعاقبين للقانون، معتبرة ان سبب تأخر إقرار مشروعه كان "لإعادة صياغته بما يخدم التاجر بغض النظر عن حقوق المستهلك". وايضا، فقد انتقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي بنود مشروع القانون كونها تتحدث عن عموميات تحتمل تفسيرات متعددة. وطالب المجلس في ملاحظات أرسلها للحكومة بإعادة ترتيب مواد وبنود مشروع القانون حتى تصبح مترابطة ومنطقية. وضرب مثلا على عموميات بنود القانون المادة التي تتحدث عن التزامات المزود في حال كانت السلعة معيبة أو عقد بيعها معيباً برد ثمن السلعة الى المستهلك أو تعويضه عن قيمة الضرر. وقال في السياق انه لا يوجد في هذه المادة تحديد واضح لآلية استرجاع السلعة أو كيفية تحديد قيمة الضرر التي يتوجب على المزود دفعها للمستهلك في حال ثبوت عيب او ضرر فيها، كما أنه ليس هناك تحديد للمدة الزمنية التي يتوجب على المستهلك ارجاع السلعة للمزود دون تأخير. كما انتقد عدم تطرق المشروع لبعض نقاط الضعف في قانون منع الاحتكار ذات الصلة بحماية المستهلك، والتي رأى ان من الممكن معالجتها في هذا القانون خاصة وأن السنوات الماضية أفضت الى ان جزءاً من ممارسات السوق التي أضرت بالمجتمع والمستهلكين، جاءت نتيجة ممارسات احتكارية من البعض نتيجة نقاط الضعف أو الغموض في التشريعات النافذة. متنفذون وعراقيل الى ذلك، فقد حمل النائب السابق وصفي الرواشدة الحكومات المتعاقبة مسؤولية عدم اقرار القانون والرضوخ لضغوط "اصحاب المصالح"، وذلك رغم مطالبات مجلسي النواب السابقين بطرحه عليهما. واعتبر الرواشدة، وهو عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب السادس عشر، ان قانون حماية المستهلك يعد من القوانين الهامة التي يجب أن يعطيها مجلس النواب الأهمية والأولوية في مناقشتها تحت القبة. واتهم النائب السابق "أصحاب مصالح" بانهم كانوا على الدوام يدفعون بإتجاه عدم اقرار القانون لتجنب "إيقاع عقوبات عليهم جراء ارتكابهم جرائم بحق المواطنين بإدخال بضائع غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الاردنية، والتي تشكل خطرا على حياة المواطنين". واستشهد الرواشدة بمضبوطات مؤسسة الغذاء والدواء ومؤسسة المواصفات والمقاييس المخالفة خلال الشهور الأخيرة. ولجهته، فقد اكد رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب الحالي مصطفى ياغي ان المجلس سيعطي اولوية للقوانين المتعلقة بالوضع الاقتصادي للمواطنين، ومنها حماية المستهلك. وقال ياغي ان "اللجنة ستعطي الاولوية للقوانين ذات البعد الاقتصادي الاجتماعي التي تنعكس بكل مباشر على حياة المواطن اليومية". واضاف أن اللجنة القانونية "ستناقش هذه القوانين مع الدوائر و الوزارات المختصة، وستتحمل مسؤلياتها اتجاه جميع القوانين المحالة اليها وستكون في حالة انعقاد دائم لإقرار هذه القوانين". وعلى صعيدها، فقد نفت وزارة الصناعة والتجارة الاتهامات الموجهة للحكومة بالمماطلة في طرح مشروع القانون على مجلس الامة. وقال مساعد الامين العام لوزارة الصناعة والتجارة حسوني محيلان أن "مشروع قانون حماية المستهلك تقدمت به أكثر من حكومة لمجلس النواب، الا ان كل حكومة يتم تشكيلها كانت تسحبه لوضع تعديلات اضافية". ورفض محيلان كذلك "ربط تأخير اقرار القانون بمصالح مع تجار ومستثمرين". وحسب ما يبين الخبير الاقتصادي حسام عايش فان من ابسط حقوق المستهلك ان يكون هناك قانون "يضمن له احتياجاته من السوق بأمان وثقة وجودة وسعر معقول ويمكنه من مواجهة الغش او التلاعب من خلال الية تقاضي سريعة ومنصفة". وكما يؤكد عايش أن "التأخر في إقرار القانون عمل على زيادة حجم الغذاء الفاسد وحجم المستوردات غير المطابقة للمواصفات والمقاييس، كما اضر بمبدأ وطبيعة اقتصاد السوق، واثر على النشاط الاقتصادي بشكل عام". شاهد الفيديو