هالة الخٍيمي من رحم اليتم إلى سيدة التغيير

أثناء دراستها للبكالوريوس فقدت وَالِدّيها، وكانت الابنة الكبرى للعائلة وكان لزاما عليها أن تهتم بأخوتها وتراعهم وتُنظم شوؤن المنزل الذي حلت ربته دون سابقِ إنذار، وزاد من معاناتها عدم وجود أقارب لأسرتها في الأردن لقدومها من دمشق، فمن رحم المعاناة يولد الإبداع، أنها أ.د.هالة الخيمي نائب رئيس الجامعة الأردنية للبحث العلمي والتطوير والجودة .

حُرمت الخيمي من دراسة الطب الذي تمنته دِراستهُ بسب عدمَ تَدريسه في الجامعة ِالأردنية ِالتي أنشأت حديثا، فَدرست الأحياء " وكان اقرب تخصص للطب هو العلوم الحياتية " وما إن تخرجت منه الأولى على الجامعة، حتى جاءتها منحة لدراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية في بيروت، فترددت في قبول المنحة أو رفضها حيث كانت بمثابة الأم لأختيها الصغيرة ذات السنوات التسع، فما كان من أسرتها التي فقدت أبويها مبكراً إلا أن تقف جانب تميزها شقيقتهم في قبول المنحة " فرصة لا يمكن إضاعتها ".

وفي الجامعة الأميركية اهتمت بدراسة البكتيريا وعملت كمساعد بحث وتدريس ومشرف على الطلبة في المختبرات لجانب دراستها، وفور حصولها على شهادة الماجستير في الأحياء الدقيقة " كانت أول محاضرة متفرغة تعمل في كلية العلوم في الجامعة الأردنية ".

غبن يتكسر على صخرة الصمود

شَعرت الخيمي بالظلم الواقع عليها عندما أرادت أن تواصل مشوارها إلى الدكتوراه، فقد حُرمت الخيمي في ذلك الوقت من الحصول على منحة للدراسةِ في الخارج وكانت الأولوية للرجالِ بغض النظر عن كفاءتهم، "فقد استطاعت سيدة واحدة فقط في تلك الفترة أن تحصل على منحة وربما كانت بالواسطة" على حد وصف الخيمي، الذي حصل زملاؤها من الشبابِ الذين التحقوا بعدها في العملِ على منحٍ، وهذا ما سببَ غصةً في قلبها فلسان حالها ومقالها يقول "أني اُدفع للخلف" بعد أن سُحبت منها المواد التي تدرسها نظراً لوجود حملة دكتوراه، واقتصر تدريسها على الجانب العملي فقط. شَعرت الخيمي حينها بالإحباط لان هذا الواقع لا يتناسب مع قدرتها وطموحها ووجدت نفسها أما خيارين أم أن تترك التدريس والجامعة أو تتحمل بيئة قست عليها.

وتفتخر الخيمي بعزمِها وإصرارِها قائلة " قاتلتُ وتحملتُ وصبرتُ واستطعتُ وبدعم ٍ كبيرٍ جدا من زوجي الذي دعمني كسيدة متزوجة ولدي أطفال وشجعني على الحصولِ على الدكتوراه" فكان الطريق الوحيد أمامها أن تَدرسَ من خلال برنامج مشترك تتنقل خلاله بين الأردن وبريطانيا حيث ادنبره في اسكتلندا، مما كان له كلفة مالي مرتفعة على أسرتِها؛ التي رأت في دراستِها أولوية.

العملُ لا يرحم

ما أن شَرعتْ الخيمي في دراسةِ الدكتوراه إلى جانبِ تدرسِها في الجامعة ِالأردنيةِ آنذاك حتى تكالبت عليها الضغوط، فزملاؤها ورئيس القسم يطالبونها التدريس بدوامٍ كاملٍ؛ مع أنها بدأت بإجراءِ التجاربِ الخاصة بدراسةِ الدكتوراه وهي تحتاج إلى وقتٍ كبيرٍ جداً، واستنكرت الخيمي ذلك قائلة " لم يكون هناك دعم أطلاقا وكنت اعمل خارج أوقات الدوام الرسمي".

واضطر الخيمي إلى البقاء في ساعاتٍ متأخرة من الليل تحت ظروف عمل لم تكن سهلة لان التحدي كان اكبر، ولسان مقالها ينطق "لأنني مثلي مثلكم أنا بدي احصل على الدكتوراه وأكون مثلي مثلكم وبنفس الرتبة "، وكان هذا حافزها الكبير وتحديها لكي تحصل على الدكتوراه.

حتى في بريطانيا كنت أول من تفتح المختبر وأخر من يًغلقه وكان هذا محط استغراب الجميع من أستذتها و زملائها في الدارسة، "كيف تعملين كل هذا الوقت ؟ أقول: هذا وقت أبنائي وليس وقتي" بهذا تكتفي الخيمي بردها على السائل.

حصلت الخيمي على الدكتوراه وبتميز وتخرجت قبل زملائها الذين كانوا متفرغين بشكل تام، على عكسها بتفرغٍ جزئي.

دعم اسري مطلق

تَفهم زوجها ودعمه هو احد أسرار تمييز الخيمي، فربما وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم أيضا. مؤكدة أن " المرأة تحتاج إلى دعم نفسي ومادي وعاطفي في ظل التحديات الكبيرة التي تمر بها المرأة وخاصة الأكاديمية".

ولم تخف الخيمي مساهمة زوجها ببعض الأعمال المنزلية ومراقبة الأطفال وتضيف قائلة "إذا لم يكن الزوج هو الداعم، يستطيع أن يخلق كل المشاكل والعقبات، إضافة إلى العقبات والتحديات الموجودة للمرأة المتزوجة والأم العاملة في هذا المجال"

.

"فكلما أحاول الاسترخاء يدفعني زوجي" هكذا تصف الخيمي دعم زوجها المتواصل، فهو يؤمن أن المرأة نصف المجتمع ويجب أن تعمل جنبا إلى جنب مع الرجل، كما تضيف.

واقع المرأة الأكاديمية في الأردن

أعدت الخيمي دراسة عن واقع المرأة الأكاديمية في الأردن، وبين الدراسة أن عدد الطالبات في الجامعات يفوق 60% وفي الماجستير تقل النسبة وفي الدكتوراه تقل أكثر وسبب هو تزوج الفتاة وارتباطها وأعباء العائلة والأسرة والزوج وهي كثيرة وخاصة إذا كانت المرأة عاملة.

وبينت الدراسة أن عدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية من الإناث إلى 28% عام 2000م لتصل في عام 2009 الى31.8%.

وتكشف دراسة الخيمي أسباب قلة حملة الدكتوراه من الإناث التي عزتها إلى أسباب اجتماعية بحته فالعوامل الاجتماعية لها تأثير سلبي فالأسرة تفضل دراسة الابن على الابنة فالأولوية للشاب على حساب الفتاه. فالوضع المادي له تأثير ورسوم الدارسة ليست قليلة في الأردن، فمن الممكن أن تستطيع الأسرة تدريس شخص واحد والأولوية هنا للشاب وليس للفتاة، كما أن الشاب يستطيع العمل والدارسة بينما الفتاة لا تستطيع أن تدرس وتعمل في الليل.

كما أن في بدايات الجامعات الرسمية كان الإيفاد يوجه للذكر أكثر من الأنثى أيضا. كما توضح الخيمي.

تجارب في القيادة الأكاديمية وسط سطوة ذكورية

ما أن عُينت الخيمي في عام 1994 نائب لعميد شؤون الطلبة وكانت حينها أستاذاً مساعداً وهي أقل الرتب الأكاديمية بعد الدكتوراه، حتى ثارت موجة من التساؤلات في الوسط الأكاديمي مستهجنين تعينها كامرأة في هكذا موقع متسائلين "إلا يوجد رجال؟ إلا يوجد رتبة أعلى يستلم هذا المنصب" وتناسوا تجربة الخيمي عندما كانت أستاذة تحمل درجة الماجستير. كما تقول متعجبة.

وبعد فترة تسلمت قائم بأعمال عميد شؤون الطلبة بعد انتهاء مدة العميد الأصيل، وهنا ثارت الضجة الكبرى عميد شؤون طلبة سيدة ولا تحمل رتبة متقدمة، فلا زال في مجتمعنا الأكاديمي عدم رضا عن وصول السيدات إلى القيادة في الحياة الجامعية والأكاديمية، لأنهم ما زالوا يتأثروا بمجتمعهم الخارجي الذي يمارس السطوة الذكورية. هكذا تضيف الخيمي.

وقبل تعين الخيمي كأول عميدة لكلية العلوم في الجامعة الأردنية كنت أحدى الأساتذة وعَملت مساعداً ثم نائباً لعميد كلية العلوم، وكان خلال هذه الفترة أربع سيدات يحملن الدرجة الأستاذية مقابل 60 رجلاً في الكلية، فكل منهم يتوقع أن يكون عميدا مستغربين كيف قفز الدور لسيدة. على حد وصفها

وتقول الخيمي" الشعور السائدة هو أن السيدة اقل كفاءة في القيادة حتى ولو كنت تحمل نفس الرتبة، فالمرأة يجب أن تكون متميزة حتى تستطيع أن تقارن بالرجل العادي وليس المتميز".

وأشارت إلى أن قناعة المسؤول في المؤسسة وكيف ينظر للسيدة، وممارستها للدور القيادي وراء ثقتهم بها، فالمرأة ما تحتاجه هو الفرصة لتستطيع أن تثبت نفسها وقدرتها.

وتؤكد ما يزال هناك بعض التوجه لاختيار القيادات الأكاديمية من الرجال، وربما يفسر قلة القيادات الأكاديمية من النساء في الجامعات الأردنية العدد الكبير لأعضاء هيئة التدريس من الرجال، إضافة إلى قلة حملت رتبة الأستاذية من الإناث بسبب الأعباء الكثير على كاهل المرأة منها ما هو أسري واجتماعي إضافة إلى العمل، فالترقية إلى الأستاذية بحاجة إلى جهد بحثي كبير وساعات عمال إضافية، وهذا فيه إرهاق للمرأة لأنها تحمل كل هذا المهام في وقت واحد، وبالتالي قد تقصر في احد المهام.

وتتخوف الخيمي من عدم تفهم الفريق الأخر الذي يأتي لاحقا أن يتجاوز دور المرأة وهذا يحصل. متمنية أن يزداد عدد السيدات في موقع عميدة كلية ونائب رئيس .

سبقت الرجال والنساء فوضعت براءة اختراع

وضعت الخيمي براءة اختراع في اكتشافها الذي حمل اسم الأردن والمسجل في معهد باستر، حيث وجدت نوع من البكتريا يستخدم في المكافحة الحيوية وتم تجربتها على بعض الفطريات الممرضة، مما يقلل من استخدام المكافحة الكيميائية في البيئة وتقليل أخطارها.

وبينت الخيمي أن البحث العلمي قد يؤدي إلى اكتشافات ولكن هذه الاكتشافات لم تمنح الأهمية، وتؤكد قلة حصول النساء على براءة اختراع لقلة التفرغ، إضافة إلى العامل المادي لان تسجيل براءة الاختراع في الخارج مكلفة جداً وهي بالنسبة للجامعات مشكلة، فكيف للرجال أو النساء

.

التنظيم سر التوازن

ولا تخفي الخيمي أن التنظيم هو احد أسرار نجاحها، فهي تعمل الآن نائب لرئس الجامعة الأردنية للبحث العلمي والتخطيط والجودة إضافة إلى إشرافها على رسائل الماجستير والدكتوراه، ومشاركتها في أكثر من 10 لجان مجتمعية خارج الجامعة منها عضو مجلس أمانة عمان الكبرى وأخرى داخل الجامعة. مؤكدة أن التنظيم الجيد يعطي التوازن والحق لكل الجوانب الحياتية.

 

 

 

أضف تعليقك