نصطاد غزة على البحر
نرقص قليلا على رمل يتهجى خطونا
لا الناي على البحر ناي
ولا غزة في يدينا ناي
وكل ما بيننا
معادلة تفسر الكون
تخبرنا ان وجودنا في غزة
على البحر في هذا الوقت شيء يشبه الخطأ
في معادلة بين قلبين
التقيا على البحر صدفة
نصطاد الغزالات على بحر غزة
كأننا في ورشة لتفسير الكون
اقول لها، ما الفرق بين غزة وبين اثينا مثلا.. ، مدينتان على المتوسط تجمعان خطو التاريخ السحيق، تبحثان عن اسطورة ضاعت في ليالي الحرب، والاساطيل الميتة، مدينتان بيننا .. والبحر بيننا ، والغزاة والغزالات.. وقليلا من روح ديوجين الساحرة.
نذهب وحيدان الى الشاطيء تقول لي وقد عصرت اصابع يدي قليلا، انت هنا بالصدفة، بمحض الصدفة تصبح غزيا ، قليلا من الوقت لتعرف الفرق بين غزة واثنيا، فكل المدن على البحر تشبه بعضها البعض، وكل النساء على البحر يشبهن امرأة واحدة على البحر، تقارب الشمس في مهابتها، وعريها، وشقاوتها، وشبقها المحموم.
انا لست غزة، لست البهية التي تعرفني خلاخيل النساء، وتيجان الاباطرة، لست غزة الخارجة من ضفاف المتوسط الى سطوة السياسي باسم الدين تارة، وباسم الوطن تارة، وباسم ثوار البيجامات في الفنادق تارة ثالثة..
لست غزة التي تعرف ، ايها العائد من حدود بدت بعيدة اكثر مما يجب، هل كنت تفتقد غزة في محظفتك، تفتقد صورتها وبهاءها الأبدي ، وشبابها الذي ضاع في حادث سير بالقرب من حي الشجاعية، او حتى بالقرب من قبر لطفل قتلته البنادق للتو.
انا لست غزة البحر، ولست غزة البر، ولست شيئا يشبه الجهات، .. لست غزالتك التي تنهد لتصطادها، لست البرية البكر التي تصدح فيها كالراعي الصالح الخارج للتو من تعاليم ألإنجيل، ومهابة السيد المسيح..
وأغرق بالإستماع، ثمة خطوات لم أفهمها في الحوار القادم من جهات غزة الأربع، ومن جهة المتوسط، ومن جهة أثينا، لماذا تضغط أثينا عليَّ الآن، لماذا المغازلة بين مدينتين على المتوسط لم تفهما بعد سر التهجي الأبدي لأساطيل الفاتحين، والغزاة، والملاحم الشعرية، والأبطال الخارجين من الأساطير.
أذهب بصحبتها الى البحر لنصطاد غزة على البحر، تضرب الأمواج شفاهنا الذابلة، نصمت قليلا لنترك للموج مساحة للكلام والعتاب البريء، “لم يصطد احد غزة على البحر”، قالت ذلك فيما ابتسامة ترجف تعبى على شفتيها، وعضت باللؤلؤ المنضود على نعناعها، شعرت كل الدنيا تهتف باسم غزة، نسيت أثينا قليلا، نسيت غرف العتاب والبحث عن الفرق الخطير بين غزة واثينا والمتوسط العتيق.
غزة الآن حوار بين قلبين، وشفتين، ووردتين، وسياج من الأماني الضائعة، غزة برميل بارود، وزجاجات عطر، ومكياج على وجوه النساء، برقع على العيون، كتب ممنوعة لماركس الكافر، وكتب أخرى مباحة عن تعاليم الجنس في الكتب المقدسة، وعن أساليب التقرب لله بإطاعة الحاكم العادل، والولاء للدولة وللحزب، وأغاني لأم كلثوم ممنوعة في الشوارع، وأشياء عن سلطة الملالي والعمائم السود، والقسوة في الإختيار بين الحب المباح والحب الحرام.
“لم يصطد احد قبلك غزة على البحر..” كدت ألمس غزة في شفتيها، هل كانت هي التي تقرر عني أشيائي، أم أنا فقط من ضيَّع قراراته في زحمة التحديق المفتون في بحر غزة، والمقارنة بينها وبين أثينا..
لماذا أثينا الآن.. لماذا غزة الآن.. لماذا المتوسط الآن..؟؟
ولماذا انا هنا أحاول اصطياد غزة على البحر، وهي بقربي تسلمني آخر أضلاعها نشوى، وتتخذ قرارها الأبدي بالبقاء على شاطيء المتوسط بانتظار صياد يفهم المعادلة المترنحة بين شفتين لقلبين يتهجيان كل الطرق الواصلة بين أثينا على البحر، وبين غزة على البحر .. وبين يدينا تعبثان بموجه وتسألان..”متى نصطاد غزة خارج البحر، بعيدا عن المتوسط بالقرب من رام الله..؟!”.