مجلس نواب كازينو 111
أولا : استهلال حقيقي
في عام 2004 كنت الصحفي الوحيد الذي يرافق وافدا برلمانيا رسميا يقوم بزيارة رسمية الى المجر وتحديدا العاصمة الجميلة"بودابست".
وحتى تتخذ الرحلة طابع الاستجمام الجميل فقد نزلنا في العاصمة فينا اولا ثم غادرنا الى بودابست ووصلناها مساءا، وبعد نحو ساعتين كنت انا واحد كبار موظفي مجلس النواب نوجه كل اهتمامنا بالبحث عن النواب الذين يشكلون بقوامهم الجميل جسم الوفد الرسمي، فقد فقدنا ثلثي الوفد بينما كان من المفترض ان يعقد سريعا اجتماع لجميع اعضاء الوفد لتحديد حركتنا الرسمية جدا باعتبارنا نمثل دولة صديقة للمجر، وننزل في افخم فنادق بودابست، ولدينا عمل شاق من بينه عقد اجتماعات رسمية مع رئيس المجر، ورئيسة مجلس النواب المجري في حينه ــ نسيت اسمها ــ ، ثم حفل رسمي لافتتاح مقر جديد للسفارة الاردنية في العاصمة ، وعقد سلسلة اجتماعات اخرى رسمية من اهمها الاجتماع مع كبار الصناعيين المجريين للتعريف بفرص الاستثمار في المملكة.
لم تكن تلك الليلة ناعمة تماما او هادئة، فقد اكتشتفت ــ كانت صدمة حقيقية لي ــ انني مضطر تماما للتجول على كل كازينوهات القمار في بودابست لمعرفة اين ذهب نوابنا الكرام اعضاء الوفد..
وبعد نحو ثلاث ساعات فقط كنت احمل في جيبي بطاقات اشتراك رسمي في اربعة كازينوهات قمار وجدنا نوابنا يمارسون وظيفة المقامر فيها، باعتبارها هواية في غاية الجمال لكنها غير متوفرة في الاردن، ولازلت احتفظ بهذه البطاقات في ارشيفي الخاص باعتبارها جزءا من تاريخ الحياة البرلمانية.
وطيلة ايام الزيارة الرسمية لبودابست كانت المهمة الشاقة الوحيدة التي تاخذ جل اهتمام نوابنا هي البقاء في صالات القمار واللعب المجنون، والخسائر المجنونة ايضا،واشياء اخرى كثيرة..
ثانيا : مقامرة تحت القبة
هذا الاستهلال الذي انشره لاول مرة يشكل ارضية لفهم ما جرى في جلسة مناقشة قضية الكازينو، فقد كان التصويت مزاجيا لابعد حد، وكان تغيير المواقف مزاجيا لابعد حد.. وكانت النتائج ايضا تدور سريعا ربما بسرعة دوران دولاب الروليت الذي تديره سيدة جميلة باصابعها الرشيقة، بينما ينتظر المقامرون باضطراب شديد اين ستقف "الزهرة" لتضيء الحظ لصاحب الحظ.
في جلسة "الكازينو.." تحول مجلس النواب الى كازينو، وتحول التصويت الى ما يشبه دوران دولاب الروليت..
وخسر من خسر، وربح من ربح، وفي زحمة الاختلاف على الخاسر والرابح، والاحتجاج على طريقة إدارة الدولاب، وتبادل الاتهامات، ثم تبادل الشتائم النابية، فان الخاسر الوحيد في حفلة الاثنين كان مجلس النواب فقط.
وبالرغم من ان العمل السياسي يشبه في ادواته ومخرجاته لعبة الروليت، فان " روليت " قضية الكازينو كان يذهب دائما باتجاه اغتيال مجلس النواب، وتجريده من اخر خطوط دفاعه عن نفسه.
ولن أذهب في التفاصيل كثيرا، فقد حذرت قبل انعقاد الجلسة من تلك النتائج التي تحققت ــ للأسف ــ ، ولم يعد بامكان المجلس الان ولاحقا ان يتمسك حتى بقشة لتنقذه من المستنقع الذي غرق فيه..
تغيرت مواقف النواب في الجلسة سريعا، وسمعنا اجتهادات تتحدث عن التفريق بين الفساد المالي والإداري، وقال عشرات النواب ان الفساد الاداري ليس فسادا، بينما كان هؤلاء انفسهم يرفعون اصواتهم في جلسات سابقة مطالبين بمكافحة الفساد الاداري باعتباره الاساس لكل فساد..
في جلسة الكازينو كنت شخصيا ضائعا، ومشدوها، ولم تكن سرعة دوران دولاب الروليت تكفي لتنقذني من حيرة غرقت فيها تماما، ولم استطع معها معرفة الى اين يمكن ان تشير البوصلة..
واعترف هنا باعتباري صحفي اغطي مجلس النواب منذ عام 1996 وحتى الان بان جلسة الكازينو كانت اكثر من فضيحة ستلقي بكامل ظلالها على المجلس الذي سيدفع ثمنها لاحقا وربما سريعا ..
واشير الى مسألة في غاية الاهمية، فانا لا زلت مؤمنا بان الدورة الاستثنائية ساهمت بحماية الحكومة من الإقالة،وساهمت باطالة عمرها إلا انها بالمقابل وجهت ضربة قاضية ومؤلمة لمجلس النواب الذي فقد اخر خطوط دفاعه امام الناخبين والصحافة والمراقبين.
وليس بامكان مجلس النواب لاحقا ان يقنع احدا من الناخبين بانه قلعة لمحاربة الفساد،فقد انتهى هذا تماما،ولم بامكان احد تصديق مثل هذا الخطاب.
ولن ندخل في التفاصيل الكثيرة والمتشعبة، ولكن يكفي التاكيد على ان هذا المجلس لم يستطع ان يسجل لنفسه نقطة مضيئة في تاريخ الحياة البرلمانية، ولم يستطع ايضا ان يوظف جلسة الكازينو ليغسل بها ما لحقه من ثقة الـ "111 ".
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، فان المجلس نجح فقط في إضافة صفة جديدة لنفسه هي" مجلس نواب كازينو 111 "..
وهوعنوان جميل ومثير ومتميز سيستخدمه المتظاهرون والمحتجون في هتافاتهم التي ستطالب بحله باعتباره لم يعد يمثل احدا..
وفي النهاية لنتقبل التهاني كأردنيين فقد اصبح لدينا عنوان جديد لمجلس نواب يسمى"مجلس نواب كازينو 111 ".