لا تدخلونا في عتمة الفضاء

 لا تدخلونا في عتمة الفضاء
الرابط المختصر

استمر احتفال الأردنيين ليلة أمس الأول بفوز المنتخب الوطني لكرة القدم على أستراليا لساعات لامست الفجر، ولم لا؟ فالناس تنشد الفرح والأمل والفخر بأوطانها.

بقعة الضوء التي أنارت سماءنا خرقت ولو لساعات معدودة سحبا رمادية تحاول سرقة النور منا؛ فبين قانون تكميم الأفواه والاعتقالات في صفوف الحراك، وتزايد مظاهر العنف والبلطجة أصبحنا نخشى الدخول في عتمة فضاء القمع والفوضى.

إقرار مجلس النواب للتعديلات على قانون المطبوعات والنشر، بالرغم من تعالي أصوات الاحتجاج المحلية والعالمية، يحرم الأردن من تميزه في إتاحة واحترام الفضاء الإلكتروني، ويضعه في صفوف الدول الأكثر تضييقاً على حريات التعبير على الشبكة العنكبوتية ، ورفضاً لانتصار المجال الافتراضي على قوانين الخنق والكبت.

القانون الجديد هو مقدمة ليس فقط للانقضاض على حرية التعبير، بل أيضاً هو بداية لمعركة غير ضرورية، بل ومضيعة للموارد والجهد، بل وخاسرة ضد عالم لا تستطيع أي دولة الإغلاق أو الانغلاق عليه ، إلا بتضييع رصيدها ، إن كان داخلياً أو خارجياً، في زمن أصبح التواصل الالكتروني جزءاً لا يتجزأ من حياة المجتمعات بل وعاداتها.

الأهم أن القانون يقترب من إعلان حرب على قطاع الشباب ، على وجه الخصوص الذي وجد في الفضاء الإلكتروني متنفساً لمظالمه وأفراحه، ومساحة لإبداعه وإطلاق مخيلته، فكيف تأخذون ذلك منه؟ وأي مغامرة نخوضها، خاصة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية التي تهدد أحلام الشباب وطموحاته.

لا شك أن الفضاء الإلكتروني يعطي مجالا أيضاً للتحامل والتشهير وإلى نشر أخبار كاذبة وافتراءات كاذبة، ولكن محاولة حجب المواقع هي شبيهة بسحق رأس شخص بمطرقة جبارة لإبعاد أو قتل ذبابة.

صحيح أن الإشاعات وإطلاق التهم جُزافاً هي بالفعل مضرة ومرفوضة، لكن يبقى التعبير على الفيس بوك ، والمدونات والتويتر، أفضل من اللجوء إلى العنف والبلطجة، التي أصبحنا نشهدها ونسمع بها يومياً ، وما يعني ذلك من خطر من تطورها إلى نزاعات شخصية وعشائرية تقوض السلم الأهلي.

احتمال انسداد أفق التعبير الالكتروني لن يزيد الشباب إلا غضباً، خاصة لأنه يترافق مع حملة الاعتقالات في صفوف الحراك، كان آخر أهدافها الشاب الناشط عبدالله محادين في عمان، و نخشى أن تكون مقدمة لاعتقالات أوسع.

ما نشهده فعلياً هو عملية تسلسلية وسريعة تؤدي إلى إغلاق الباب على التعبيرات السلمية للمعارضة والاحتجاج، ودفع الشباب الحانق دفعاً إلى خيارات أخرى ، تجنبتها جميع أطياف المعارضة المنظمة وغير المنظمة بوعي وإصرار لافت في التزامها بالإصلاح وبخيار التغيير السلمي.

كيف تتم مثل هذه الخطوات دون دراسة لتداعياتها؟ فحتى لو فرضنا بأنها نجحت في إنهاء الحراك الشعبي، فإنها تدخلنا في نفق الأحكام العرفية، ليس بالضرورة أن تكون في صورة رسمية ومعلنة بل ممارسات مهما كانت الحسابات الرسمية، فلا نستطيع، حتى لو حاولنا، رؤية كيف تصب في خدمة النظام، فالمطالب التي تحظى بإجماع، هي مطالب إصلاحية، ولكن التطورات الأخيرة تثير الشكوك بأن هناك من يريد تغيير هذه المعادلة لتبرير الانقضاض على كافة أشكال وتعبيرات المعارضة ، بما في ذلك النقد الاحتجاجي القادم من رجال الدولة والموالين، مهما كان الثمن على استقرار البلد والنظام.

إقرار التضييقات على الفضاء الالكتروني، واستمرار الاعتقالات وتحويل الناشطين السياسيين إلى محكمة أمن الدولة، لن تساهم إلا في استبعاد المخرج الأهم للأزمة المتمثل الحوار الوطني الحقيقي والواسع.

لم يفت الأوان، بل ارفض شخصياً إلا أن أرى بصيص الأمل الخارق والمخترق للسحب الداكنة.

العرب اليوم