ديفيد شينكر !
دعا ديفيد شينكر، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ، أمريكا لمساعدة الأردن في تسريع "العملية الإصلاحية"، وتقديم الدعم المالي، محذراً من خطر عدم الاستقرار بعد تراجع الإصلاح في الأردن.
مقال شينكر يجب أن يُفهَم في سياق أهداف المعهد الذي يمثله، والذي نشط منذ بدء الثورات العربية، بالدعوة إلى سياسات أمريكية للتأثير على مسارات التغيير في العالم العربي ، بما يضمن مصالح إسرائيل في المنطقة، وذلك بالضغط، خاصة عن طريق الدعم (أو عدمه) الاقتصادي للحكومات القديمة والجديدة ، وهو ما يتناسق مع مهمة المعهد الرئيسية منذ تأسيسه في أواسط الثمانينيات.
لا شك أن معهد واشنطن هو الأكثر تأثيراً في الإعلام الأمريكي وعلى السياسات الأمريكية، المركز هو أيضاً حصن الصهيونية الأقوى في واشنطن- وهي شبهة لا ينكرها سواء باهتماماته أو بالسياسات التي يروجها أو يعارضها.
فمن معاداته الحقوق الفلسطينية، إلى تبنيه السياسات الإسرائيلية وبشراسة، إلى قيادته لحملات الحروب على العراق وحالياً الحملة "لإيقاف" الخطر النووي الإيراني، يضع المعهد في مقدمة أولوياته دائماً، وأبداً، ودون مواربة، وبمهارة، تصوير وجعل المصالح الأهداف الإسرائيلية جزءا نظرياً وعملياً من الإستراتيجية الأمريكية.
المعهد دائماً جاهز بخبرائه للحديث مع الإعلام، و إدلاء شهادات حول المنطقة أمام الكونغرس،فأصبح المركز الأهم للمعلومات والتحليلات عن المنطقة يقدمها للعالم، بما في ذلك للأسف المحطات الفضائية العربية، وكأنها تقييم موضوعي للأحداث، فيما يخدم ودون مساومة الأجندة الإسرائيلية.
كما يجذب المعهد المسؤولين الأمريكيين السابقين إلى صفوفه، مثالاً لا حصراً دنيس روس ، الذي تنقل بين مراكز حساسة في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، وبين موقعه القيادي في المركز، عدة مرات، بينما اختار الرئيس بيل كلينتون رئيس المعهد حينذاك مارتن إنديك، الذي جاء مباشرة من رحم اللوبي الصهيوني أيباك، مبعوثاً خاصاً "للسلام في المنطقة".
الأهم أننا نحن العرب، في الأردن وبقية العواصم، نخباً وأنظمة ساهمنا بنشاط وحماس في دعم المعهد ومده بالمعلومات وتبني باحثيه والأهم إعطاؤه صدقية ومصداقية في الغرب والولايات المتحدة، بالرغم من معرفة معظم مسؤولينا ومثقفينا بدور المعهد وعمق علاقاته الإسرائيلية وعدائه للعالم العربي.
في الأردن فٌتحت وما زالت مفتوحة، جميع الأبواب الرسمية وغير الرسمية لخبراء المعهد، ويتم التحدث معهم بشفافية ، ولا تخفى أي تفاصيل ، فلا حواجز رسمية ولا رسميات، ، و لا شيء غاليا على وفود المعهد- الذي يتباهون عند عودتهم إلى بلادهم أو ذهابهم إلى إسرائيل بالمعرفة الحميمة للأردن وما يدور في أروقة الحكم.
و زيارات المسؤولين العرب إلى المعهد، أصبحت من أهم شروط مواسم الحج إلى واشنطن، لأن المعهد أضحى البوابة إلى الإعلام والكونغرس و محطة ضرورة لكسب تأييد مسؤوليه للمساعدات أو القروض الأمريكية إلى الأردن وإلى الدول العربية، فالمعهد "الصديق" يستطيع أن يشهد أن الدولة العربية المعنية، أو السلطة الفلسطينية، نجحت في امتحان التزامها بالسلام مع إسرائيل ،ويعمل خبراء المعهد على إفهام المسؤولين العرب ما المطلوب منهم، سراً وعلناً، و تثنيهم هذه العلاقات عن الهجوم علناً على الجهات العربية "غير الملتزمة" بوقاحة وصفاقة، لكن ذلك قلما يؤثر على علاقات المعهد بالحكومات والنخب العربية.
المعهد لم يكن لينجح في أن يلعب هذا الدور الخطير، دون بناء علاقات وثيقة مع المسؤولين العرب، ليس فقط للحصول على المعلومات التي تجعله "الخبير الأول" في شؤون المنطقة والحكم على حكوماتها وشعوبها، بل أن هذه العلاقات أعطته مصداقية أمام الإعلام والكونغرس والشعب الأمريكي كمرجعية لا ترقى إلى الشك في كل ما يتعلق بنا- وبذلك يستطيع تسويق كل ما تريده إسرائيل من خلال طروحات تبدو عميقة وموضوعية ومتوازنة، ونكون نحن الخاسرين فيها.
السيد شينكر في طريقه للأردن، ، لعقد اجتماعات مع النخب، وكالعادة ستفتح البوابات والشبابيك وتهد الجدران له، وتبدأ عملية الشكوى والبوح ، على أساس أنه يستطيع من خلال نفوذه التأثير في "عملية الإصلاح لدينا"، لأننا قبلنا المعهد الصهيوني وسيطاً لنا مع واشنطن.
الثورات العربية لم تغير من مكانة هذا المعهد، الذي افتتح الشيخ راشد غنوشي زيارته لواشنطن بالتحدث إلى أعضائه وضيوفه، ولن أستغرب إذا سعى شينكر إلى لقاءات مع شباب الحراك والمعارضة، فمعقل الصهيونية في واشنطن بحاجة أن يعرف ويتعرف على القيادات الشابة والجديدة، وإلا كيف سيمكنه خدمة مصالح إسرائيل ؟
العرب اليوم