الوفاء لبنطلون الحكومة
التعديل الحكومي.. شيء يشبه الانقلاب على القماش، او شيء يشبه خرق البنطلون، حين تنفتق حدوده الخلفية فلا تجد بدا من الذهاب الى الحائك ليرتق لك آخر خيوطه، لأنك فقط ترغب بالإحتفاظ به أطول فترة ممكنة ولأسباب لا يراها احد غيرك. ربما لكونه جزءا من تاريخك اليومي، فلا تستطيع التخلي عنه، أو إدانته، أو حتى التبرؤ منه.
وربما لكونه خاض معك حكايات متقلبة في زحمة العواطف الشاردة على رصيف قطعته امراة مسرعة ولم تعرف اسمها او عنوانها. وربما لكونه من قماش امبراطوري نادر الوجود لا تستطيع خلعه او التخلي عنه ، إلا إذا طاردتك المتاحف العظمى بعروض مغرية لشرائه وعرضه كتحفة نادرة الوجود.
وأيا تكن الأسباب التي تدفعك للإحتفاظ بالبنطلون فإنه جزء من سيرة القماش، ومن التفاصيل الصغيرة التي تتكرر فيها عمليات الخلع والإرتداء ، والفتق والرتق، والتصليح والإصلاح.. وغير ذلك من مدلولات ورشات الإصلاح التي تبدأ بإصلاح البنطلون ولا تنتهي عند حدود استصلاح الأراضي الصحراوية في المريخ.
والتعديل الحكومي الأخير على مجلس الوزراء يشبه الى حد بعيد الرغبة بإصلاح البنطلون بعد تعرضه لحادث عارض ادى لفتقه وخرقه، فهذه هي الرغبة الحكومية التي تدير ورشة إصلاح كبرى تنغمس حتى أذنيها في إصلاح البنطلون الحكومي والإنهماك الدائم بالمحافظة عليه من أية عمليات تستهدف النيل من بهائه العظيم، بالغسيل المتواصل، وبالكي الإلكتروني عالي الجودة، وبطريقة إرتدائه والظهور به أمام الكاميرات والشعب في الإحتفالات اليومية بافتتاح المدارس، والجامعات والمستشفيات والطرق التي لا تسمح بحوادث السير،وغيرها من الإنتصارات العظيمة على حيوان الفقر وفيروس الجوع، وبكتيريا الإحتجاجات الشعبية.
والشعب الحائك لا يرى جدوى من إضافة رقع جديدة الى بنطلون تغيّرت معالمه تماما بسبب كثرة الترقيع، ولذلك فهو يطالب بإحالة البنطلون الى المتحف الوطني ليصبح جزءا من ذاكرة الشعب وتاريخه المجيد. والشعب "الراقع" وليس الراكع يدرك تماما ان بنطلون الحكومة صار يشبه حذاء الطنبوري، بينما ترى الحكومة ان بنطلونها يحتمل كل عمليات "الرثي" و"الحبك"، والترقيع، وغيرها من الإضافات التي يحتمل استضافتها، على نحو ترحيبه باضافة حمّالات جديدة اليه لحزام وسطي ثاني يساهم بشد ازر البطلون على الخصر، حتى لا يفقد توازنه فجأة"فيسحل" أمام الناس بدون استئذان.
والشعب "الراثي " لا يستطيع تقبل الإنهماك اليومي غير المبرر برثي كل فتق، وكل خرق في البنطلون الذي عرف الشعب الراثي تفاصيل كل خيط فيه، وعرف تماما أن خيوطه ليست من الصوف تماما، وان قماشه لا يحتمل التصليح الدائم.
لكن الحكومة لا تؤمن بقناعات الشعب تجاه بنطلونها، ولهذا فهي تصر دائما على ان تعلقه في مكان يراه الجميع لتقنعهم بأن ثمة بنطلون على حبل الغسيل يحتاج ورشة عمل جماعية لإنقاذه من الإحالة على التقاعد، وإفساح مكان له في المتحف الوطني سيطلق عليه اسم" جناح الوفاء لبنطلون الحكومة".
وأقترح هنا أن لا يترك بنطلون الحكومة بدون تاريخ، فيجب ان ينبري المؤرخون الى وضع أبحاثهم المحكمة حول البنطلون وسيرته الوطنية والتاريخية، ومساهماته الكبرى في عمليات الإصلاح والتصليح، بينما سيخصص القائمون على المتحف عدة ورشات عمل للتعريف بأهمية الجناح الذي يضم البنطلون، بينما يفرض الواجب الوطني على وزارات التربية والسياحة توجيه الأفواج السياحية لهذا الجناح بالذات للإطلاع مباشرة على تفاصيل الحياة الشخصية للبنطلون الحكومي،بينما سيتعلم الطلبة شيئا عن مسيرة بناء التاريخ والمجد العظيمين للبنطلون الذي ساهم الى حد بعيد باهداء العالم نظرية غيرمكلفة بالقضاء على البطالة وتعزيز الإنتعاش الإقتصادي،عندما توجه الشعب كله لإنتاج كل الأدوات الصناعية التي تدخل في حقل الإنتاج المتعلق باحتياجات البنطلون.
وفي وقت لاحق ربما يدخل البنطلون الحكومي في صناعة السياحة العلاجية، فقد يتحول الى بنطلون سحري فور ان ينظر المريض اليه يشفى ويبرأ بإذن الله تعالى..