المتحدثون في البقعة.. ليس باسمنا
قبل بضعة أشهر قليلة مضت كان عدد من نواب المخيمات يتشرفون بلقاء جلالة الملك في الديوان الملكي البهي، ولم يكن في وارد احدهم أن يستمع من جلالة الملك لأكثر مما سمعوه من فمه الشريف.
فقد دعا جلالته ابناء المخيمات للانخراط في الحياة السياسية، وتشكيل الأحزاب، والتعبير عن آرائهم ومواقفهم بكل حرية وجدية، وأن يضعوا مطالبهم على الطاولة مباشرة دون تلكؤ او خوف..
وخرج النواب الخمسة الذين تشرفوا بلقاء جلالته وهم في حالة ذهول، فقد تيقنوا تماما ان فكر جلالته سابق لأحلامهم وطموحاتهم، وأن لديهم منذ الآن عمل طويل وشاق ليعرفوا تماما كيف يمكن لأمثالهم ان ينقلوا افكار جلالته للناس في مخيماتهم.
ولم يفعلوا شيئا، فقد كان الذي سمعوه أكبر من ان تحيط به أفكارهم، وشعبيتهم، فليس لديهم من الروافع الشعبية ما يتيح لأمثالهم غير المشاركة في جنازة، وزيارة بيت عزاء، وتقديم التهاني في حفل زواج متواضع.
بالأمس كان جلالة الملك في مخيم البقعة، وأصر جلالته على ان يدخل المخيم من طريق تم شقها حديثا وسط المخيم احتاجت لوقت أطول من الصبر نفسه لإنجازها، وقد كان جلالته قد شاهدها من طائرته قبل بضعة أشهر مضت، وسأل عنها لاحقا فيما اذا كان قد تم إنجازها أم لا؟، وجاءه الجواب بالنفي، وهذا ما أدى بالنتيجة الى تسريع العمل بها.
وامام ما قاله بعض المتحدثين الذين يتم اختيارهم للحديث امام كل ضيف كريم يزور المخيم قيل الكثير عن حاجات المخيم التي تم اختصارها بمسلخ ومقبرة وتوسعة كراج سيارات، وتوسعة نادي، وكأن هؤلاء يتحدثون عن ولاية في الصومال ولا يتحدثون عن جغرافيا اسمها"مخيم البقعة".
وهؤلاء المتحدثون هم جزء لا يتجزأ من مشكلة البقعة، فهم يعرفون اولا ما هي التفاصيل المضمرة في ملفات خطرة لا تزال مغلقة ويجب فتحها عن الكراج، والمسلخ والمقبره، والنادي وغير ذلك كثير من الملفات التي تفوح منها روائح ليست زكية تماما، وتشير بأصابع التساؤلات المحزنة الى تفاصيل في غاية البشاعة.
لم يتحدث المتحدثون باسم ابناء مخيم البقعة في حضرة جلالة الملك، فقد كانوا بنطقون باسمهم، وباسم من اختارهم ليكونوا هناك، ولم يسأل أحد من الذي جاء بهم؟ من الذي يفرضهم علينا؟ وكيف يتم حشرهم دائما وأبدا باعتبارهم الظاهرة الأكثر نبلا في جغرافيا متهمة دائما، ومهمشة دائما.
جاء جلالة الملك الى البقعة والمواطنون في حالة انتظار لمشاهدة جلالته والترحيب به، ولكن الصدمة كانت فيما طرحه المتحدثون هناك في خيمة لم تتسع لأكثر من مطالب يعرفها جلالته جيدا، فقد جاء جلالته ليستمع من الناس عن قرب لحديث أكثر إتساعا عن طموحات ومطالب أخرى لا يجوز حصرها في مسلخ يتم تلزيمه سنويا بطريقة تثير التساؤل، وعن مقبرة تمت سرقة أموالها ومحاصرة موتانا فيها ولا احد يعرف حتى الان على وجه اليقين من يقف وراءها، وعن كراج يتم تلزيمه للزعران والبلطجية منذ اكثر من عشرين سنة، وعن نادي رياضي تحول بقدرة قادر الى وكر لبيع المخدرات..
ولن ازيد كثيرا فالتفاصيل تحتاج هي الأخرى لتفاصيل أكثر، ولكن السؤال الذي يلقي بنفسه دوما هو من الذي يدفع بهؤلاء للواجهة دائما للحديث باسمنا، وللمطالبة باسمنا.
من الذي يدفع هؤلاء المتحدثين أمام كل زائر كريم للبقعة ليكونوا اولياء امرنا، والسنتنا، ومن الذي يصنع هؤلاء ونحن جميعا نعرف كيف نقرأ التاريخ من الأمام والخلف، ونعرف أكثر كيف نحلل الأرقام المرتبطة عادة بالوجاهات الكاذبه، والعباءات المتزلفة.
والمتحدثون الذين اجتهدوا بين يدي جلالته للنبش في المقبرة والمسلخ والكراج والنادي نسوا تماما ان هذه المطالب اخر ما يفكر فيه نحو 120 الف مواطن لديهم من المطالب والطموحات الفضلى ما لا تدركه عقول وعيون المتحدثين هناك في خيمة في البقعة تم نصبها لتكون شاهدا على قلة الإدراك، وضعف الحس السياسي، لصالح المصالح الشخصية والوجاهات الكاذبه.
لم يتحدثوا باسمنا، ولا يمثلوننا، هذا ما صدح به المئات في مخيم البقعة بعد ان تبين لهم قيمة المطالب التي قيلت بين يدي جلالته الذي جاء ليستمع الى خطاب أعلى وأنبل من مجرد خطاب يجب ان يكون مكانه القضاء وهيئة مكافحة الفساد، وليس مكانا يلتقي المواطنون فيه بجلالة الملك ويستمعون فيه لنطقه الشريف.
"هؤلاء لا يتحدثون باسمنا ولا يمثلوننا" سيكون لها مكانها في قادمات الايام، وربما تكون عنوانا لمطالب سياسية واجتماعية راقية ونبيله.. وهو ما كان جلالته يشير اليه مباشرة في لقائه بخمسة نواب يمثلون المخيمات قبل بضعة أشهر مضت.