التراويح موضة بلا روح

التراويح موضة بلا روح
الرابط المختصر

من خلال النظر في شكل العبادات في الإسلام نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام؛ فردية، وجماعية، واحتفالية، فالصوم مثلاً عبادة فردية، والحج احتفالية جماعية وطقسية، أما الصلاة فهي على طريقتين؛ جماعية وفردية، فالفروض تؤدى بشكل جماعي، والسنن تؤدى بشكل فردي، لأن الغاية منها، باعتقادي، هي استثارة النفس الإنسانية نحو التأمل والتفكر والبحث في الوجود.

من هنا يمكن النظر إلى أن صلاة التراويح هي من النوع التأملي، الذي يحتاج إلى  الهدوء النفسي والسكينة والعزلة الشعورية، ذلك أنها عبادة رمضانية، متعلقة بالصوم الذاتي، وتؤدّى في الليل حيث الانعزال، والبعد عن الناس، والرجوع للنفس بوحدتها ومراجعتها، ما يؤكد الحاجة إلى كونها عبادة تأملية تدعو إلى التفكير والبحث الوجودي.

وينبغي التذكير أن النبي محمد كان يصليها في البيت، إشارة إلى أنه كان من خلالها يعتكف متعبداً بها بعيداً عن الناس. ولا أريد أن أخوض هنا في الحكم الشرعي لهذه الصلاة، فهي على العموم عبادة مستحبة حتى لو لم تكن مفروضة، لكن ما أريد قوله هنا إن الغاية المتوقعة منها هي زيادة اتصال العبد بربه من خلال تكثيف التفكر والتأمل.

ورَد في كتب التراث أن التراويح هي صلاة القيام، لكنها سميت بهذا الاسم لأن صلاتها فى جماعة فى ليالى رمضان كانت تقتضى أن يستريح المصلون بين كل تسليمتين، وقد كانت صلاة التراويح في رمضان في زمن النبي محمد وأبي بكر وبدايه خلافة عمر يصليها الصحابة منفردين أو في جماعات صغيرة لكل منهم إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب على إمام واحد.

وهنا إشارة إلى أنها كانت فردية حتى أمر عمر بتحويلها إلى صلاة جماعية، وأن سبب التسمية هو قضية الاستراحة بين الركعات، لكن المعنى اللغوي للتراويح يشير إلى ظلال أخرى تتعلق بالراحة والترويح عن النفس، كما أنها تتصل بالروح أيضاً، وجاء في لسان العرب 'والمطر يَسْتَرْوِحُ الشجرَ أَي يُحْييه؛ قال: يَسْتَرْوِحُ العِلمُ مَنْ أَمْسَى له بَصَرٌ وكان حَيّاً كما يَسْتَرْوِحُ المَطَرُ والرَّوْحُ'، فكل تلك المعاني قد تدخل في معنى التراويح التي هي صلاة روحانية تركز على البعد الذاتي الوجداني.

أقول ذلك لألفت إلى ظاهرة انتشرت منذ سنوات وهي ازدحام بعض مساجد في عمان بالمصلين الباحثين عن المتعة الاحتفالية في أداء صلاة التراويح من خلال التهافت على مساجد صارت تشكل ظاهرة جديدة في أداء العبادة، وهي في العادة تكون مزدحمة بالمصلين الذين ينتمون إلى فئة الشباب من الجنسين، وهم في الغالب بعيدون عن فكرة التدين التقليدي، بل يمارسون عباداتهم بنفسية جديدة وطرق جديدة، وهي في الغالب طقوس احتفالية تقترب من الموضة الجديدة في برامج الفضائيات الشبابية التي تسطح حالة التدين لتجعلها كلمات وطقوساً شكلية بعيدة عن الفهم العميق للتفكر والتأمل والبحث.

لقد انتشرت ظاهرة المساجد المزدحمة في عمان منذ سنوات وهي تزداد عاما بعد عام، ويرتادها الشباب الباحثون عن تعزيز روحاني مفقود من خلال طقوس وبكاء وذرف الدموع وذلك لإراحة الضمير بشعور يسرّي عن النفس هذا التناقض الذي تعيشه في الحياة، حيث الواقع يناقض المثال التربوي الديني.

هناك واقع من العلاقات والعمل الذي يتناقض مع التربية المثالية الدينية التي يعتقد الإنسان أنه يخالفها، وهذا التناقض يُعبّر عنه الشباب بممارسة الصلاة وبخاصة في رمضان بوصفه موسماً للتوبة والمغفرة والرحمة، كما يركز على ذلك الدعاة في برامجهم، فيبدو رمضان كأنه سوق لكسب الحسنات مضاعفة، وذروة هذا الموسم تتحقق من خلال صلاة التراويح، وبالأخص في تلك المساجد التي صارت تشكل ظاهرة رمضانية متميزة في عمان.

من يذهب إلى هذه المساجد يلمس حجم التحولات في طريقة أداء صلاة التراويح، وكم تحمل من دلالات، حيث زحمة المصلين من كل الأعمار ومن كلا الجنسين، لكن كل هذا المشهد بكل ما فيه يفقد الصلاة قيمتها التعبدية والتأملية، وتتحول إلى طقس احتفالي يقف عند حدود الشكل الظاهري من دون أن تكون هناك فرصة للتفكر الذاتي الذي هو هدف صلاة التراويح كما ذكرت سابقاً.

وتبقى ظاهرة المساجد والتراويح في رمضان حالة دينية اجتماعية تحتاج إلى دراسة خاصة أنها تمثل حالة من التدين الجديد، كما يمثل حالة من التدين الذي ينشط في رمضان ثم يختفي، مما يشير إلا أنها حالة شكلية معزولة لم تصل إلى حالة وعي مؤثرة في سلوك الإنسان وطريقة تفكيره.

يوسف ربابعة: كاتب وباحث ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة فيلادلفيا. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.