هوس التسوق .. من ينقذ الناس منه؟
عمان - رنا حداد - مضمون جديد
يميل بعض الناس إلى جمع السلع والمنتجات وشرائها بأنواعها وأشكالها المختلفة لمجرد امتلاكها، بصرف النظر عن الحاجة إليها». هل ما قاله رامي، الموظف في أحد المولات التجارية الكبرى بعمان، صحيح؟، بالنسبة الى رامي فان هذا امر يستطيع هو وزملاؤه تمييزه سيما مع الزبائن الدائمين. و من المؤكد أن الاستهلاك متعة، لكن ما الذي جرى لهذه المتعة حتى تحولت الى مشكلة، بات الجميع بتحدث عنها؟.
رامي يؤكد ان الامر يتفاقم مع ذوي الدخل المرتفع». من مشاهداته يقول: ذوو الدخل المحدود هم على الاغلب يختارون المنتج لفاعليته ولأنهم بحاجة اليه، وليس لأن إعلانه نومهم مغنطيسيا.
يقول الدكتور حسين الخزاعي استاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية ان الاستهلاك التفاخري الناتج عن مجاراة الاصدقاء وتقليد الاخرين يلحق الاذى بالأسرة ويتسبب في الديون والأزمات والتصدعات الاسرية. هذا القول بالنسبة إلى الخبير الاجتماعي يعني ان «الثقافة الاستهلاكية» ورطة لا يقع فيها من يملكون فقط. لا تصاب ميزانيات الدول بالعجز وحدها. فالخزاعي يقول: ان معدل العجز في الاسرة الاردنية يصل سنويا الى (1000) دينار اردني.
وهو ايضا لا يستغرب خلاصة الدراسات الاجتماعية التي تتحدث عن اننا في بلد اصبح 66 % من دخل الاسرة موجها نحو الكماليات وان 34 % فقط نحو الاساسيات».
يستند الخبير الاجتماعي الى مسح علمي وهو يقول ان 3% من نساء الاردن مصابات بالادمان على الشراء والاستهلاك حتى لو كانت البضاعة التي يتم شراؤها موجودة في المنزل، بحيث تشترى مجددا لتوضع فور وصولها الى البيت في المخزن، أو على «الرف».
السلعة لا تهم المهم شراؤها. هذا ما يعنيه الخزاعي وهو يقول: «هن نساء مدمنات على اقتناء ما لا يلزم عبر زيارة المولات الكبيرة ومتابعة آخر الصرعات المنزلية أو العطور والملابس والازياء».
هل من حل؟
اجابة الخزاعي عن هذا السؤال هي: الحل يمكن في تشجيع الناس على ثقافة الادخار وعدم التبذير وإدارة شؤون الاسرة بشكل جيد والاتفاق على البنود الاساسية في الانفاق، حتى لا يحدث عجز في الموازنة.
الزوج هو المبذر هذه المرة
المواطن عصام عبوي متسوق دائم في أحد المراكز التجارية التي باتت تزخر بها العاصمة عمان.عبوي موظف بنك وصف نفسه على انه متسوق شره.
يقول: «أنفق مبالغ طائلة على شراء منتجات بسبب الإعلان عنها عبر شاشة التلفزيون وصفحات المجلات والصحف».
زوجة عبوي التي كانت ترافقه في تسوقه أثناء لقائنا به إبان اعداد هذا التقرير، تقول: «ان حمام منزلهما يزخر بأنواع لا تعد ولا تحصى من منتجات العناية بالشعر والشامبو».
الزوجة التي اعترضت كثيرا على هذا السلوك الاستهلاكي غير الصحي باتت ترافقه الى محال التسوق في محاولة منها لكبح جماحه» كما تقول.
عبوي ليس فريدا، فما أن بثت إحدى الفضائيات إعلانا جديدا عن احد أنواع السيارات حتى قرر الأربعيني» فايز» تغيير سيارته التي لم يمض عام عليها.
زوجته أكدت ان السيارة الجديدة تماثل في مواصفتها ما اشتراه. لكنها تدرك السبب. تقول: إنها المباهاة وحب التفاخر بين اصدقائه وحتى ذويه.
وعن الناحية المادية اقرت انه امر مكلف ويثقل ميزانية الاسرة التي تقبع تحت قروض بنكية بسبب سلوك زوجها الاستهلاكي.
ما يدفع فايز ليقترف استهلاكيته يدفع الشابة العشرينية «ميران» التي كانت في جولة باحد مراكز التسوق مع شقيقتها فانفقت دخلها الشهري بالكامل على سلع هي: ملابس واحذية وحقائب نسائية، «ميران» كانت تبتسم الا ان الشقيقة كانت منزعجة، تصف الموضوع بالسلوك استهلاكي يدفعها الى استلاف مصروفها اليومي حتى نهاية الشهر من أفراد أسرتها.
ذات الشكوى جاءت على لسان الزوج صالح الذي يعمل موظفا في القطاع الخاص اذ قال: إن الغيرة عند زوجته هي الدافع الذي يجعلها تشتري فستاناً ليست بحاجة له أو أغراضا للمنزل فقط لأنها وجدت عند جارتها أو قريبتها مثلها. «بالطبع فان هذا الحب (حب التسوق) له تأثير فادح على ميزانية الأسرة وهدر للأموال يقول الزوج.
هوس التسوق مرض نفسي
يصف الدكتور محمد عبد الكريم الشوبكي المستشار النفسي هوس التسوق كظاهرة مرضية نفسية، ويقول: هذا المرض يشكل نسبة عالية من أي مجتمع تقدر بـ (6%)، وأنها منتشرة لدى النساء أكثر. وتتميز هذه الحالة بتدني المعنويات، وضعف الثقة بالنفس، والقلق. فالمريض كما يقول المستشار النفسي يخفف من قلقه مؤقتا من خلال السلوك اللاإرادي الاندفاعي (عبر العقل الباطن اللاواعي) تجاه الشراء، ويتلازم هذه الحالة مع أحيانا الكآبة، والوسواس القهري، والهوس المرضي المتميز بالاندفاعية وتدني في القدرة على التحكم بالسلوك. وأوضح د.الشوبكي ان للشعور القهري (الاندفاعي) هاجسا يستحوذ على حياة الشخص للشراء والتسوق، فيقع تحت تدني القدرة على ضبط هذه الدفاعية او التحكم بها، أو المقاومة لهذا الشعور مع انه يدرك خطورة الانهيار المالي، وعواقبه وما سيلحق به من تبعات سلبية.
رغم ذلك يقبل على الشراء من دون ان يستطيع مقاومة هذا النوع من الشعور حتى وان كانت قدراته المالية اقل بكثير مما سيقوم بشرائه وينتهي به الأمر إلى إنهاء رصيده المالي او الاستدانة وتراكم الديون احيانا.
ويشعر المريض خلال التسوق لفترات زمنية طويلة الأمد تمتد لساعات أحيانا او أيام او شهور او سنوات بالراحة النفسية المؤقتة تضفي عليه نوعاً من الاستمتاع واللذة والسعادة أثناء ذلك.
ووفق الدكتور الشوبكي فان المريض يعزف عن مراجعة الأطباء إلى سنوات طويلة تمتد إلى عشر سنوات، بعد استنزاف كل طاقته النفسية والمالية واضطراب علاقته الشخصية والعملية الناجمة عن الاستنزاف المالي، او المديونية، والإلحاح على الشريك كزوج او أب او أم مواصلة الإمداد المالي. وغالباً ما يمتلك الشخص الواقع تحت وطأة هذه الحالة عددا كبيرا من بطاقات الصراف الآلي.
ويتهم المستشار النفسي الاعلان والمولات، والأسواق الشعبية، والمحلات التجارية التي استطاع أصحابها استقطاب واصطياد مثل هذه الحالات بذكاء.
واوصى بان يستبدل هذا النوع من الاندفاعية اللاإرادية إلى أنماط أكثر نفعا للشخص ولعائلته والمجتمع مثل الرياضة، وإقامة العلاقة الاجتماعية السوية، ومساعدة الاخرين، والقراءة، والعمل، والثقافة، وممارسة الطقوس الدينية، ومشاهدة التلفاز، او الانترنت.
الاعلان الورقة الرابحة
يؤكد مدير في احد مكاتب الدعاية والاعلان خالد خبيص أن المستهلك هو أساس السوق والمحرك لقوى النشاط الاقتصادي، ومن هذا المنطلق يقول نعرف أن المستهلك المعاصر كائن معقد في تكوينه النفسي، إذ تحركه الغرائز المتعددة وتتحكم فيه مختلف العواطف، ويتأثر سلوكه بما يسيطر عليه من نزعات، فضلاً عن تباين الحاجات المادية والنفسية، لذلك فان الأفكار الإعلانية لا تأتي بسهولة كما يراها المستهلك، وإنما خلفها عمل كثير.
وعن طبيعة عملهم قال: إن الخطوة الاولى تبدأ بالتخطيط الاستراتيجي والدراسات التسويقية لتقييم السوق وإمكانيات العمل، ومن ثم الشروع في اخراج قطعة فنية؛ هي الاعلان التجاري الذي سيقنع الناس بشراء المنتج.
واوضح ان الاعلان هو الورقة الرابحة التي تستطيع ان تقنع الناس بالسلعة او المنتج وبشرائها، مؤكدا ان حجم المبيعات في العديد من المؤسسات التجارية يعتمد على حجم الإعلانات التي تنفذها تلك المؤسسات للتعريف بسلعها أو خدماتها.
إستمع الآن