طوفان الملابس المقلدة يغرق السوق الاردنية
عمّان - طارق الدعجة - مضمون جديد
من اول غسلة، اكتشف الشاب ينال عطاء ان البلوزة ذات الماركة العالمية الشهيرة التي اشتراها من احد محال بيع الملابس في جبل الحسين بعدما اغراه ثمنها المنخفض، كانت "مقلدة".
ويقر ينال الذي يعمل موظفا في القطاع الخاص بانه اشتبه في بادئ الامر في اصالة البلوزة، ولكنه يقول ان ثمنها الذي يصل الى نصف المعتاد، وكذلك تطمينات البائع الخادعة، جعلاه يقدم على مجازفة شرائها.
وكمحصلة لهذه المجازفة، فقد اصبح ينال مضطرا للتعايش مع بلوزة بهت لونها وتهدل قماشها، ولن يكون في مقدوره ردها الى البائع الذي سيختلق الاف الاعذار لرفض ذلك، وليس اقلها ان البلوزة غسلت في ماء حرارته لا تناسب نوعية قماشها!!
وليس ينال وحده من وقع في فخ الملابس ذات الماركات المزورة، فقد سبقه كثيرون، وسيلحقه كثيرون ايضا في ظل الرقابة الرسمية الضعيفة التي افسحت المجال لانتشارها حتى باتت هناك اسواق باكملها تتخصص ببيعها جهارا نهارا.
وفي هذه الاسواق تجد اشهر الماركات على ملابس اقمشتها ذات جودة متدنية ويجري تصنيعها اما في مشاغل في عمان او انها تستورد من دول كالصين.
خداع وتضليل
في معظم الاحوال، فان المستهلك يكون على علم مسبق بحقيقة هذه الملابس، وهو يقبل على شرائها لرخص سعرها مقارنة بسعر الاصلية، ولاشباع رغبته في الظهور في ملابس تحمل اسماء ماركات عالمية حتى لو كانت مزورة.
غير ان المشكلة تكمن في الملابس ذات الماركات المزورة التي يجري ايهام المستهلك بانها اصلية وتباع له على هذا الاساس كما يقول ينال، الذي يصف هذه الممارسة بانها "تضليل وخداع".
وقد طالب ينال الجهات الرسمية بتشديد الرقابة على محال الالبسة ومنعها من عرض قطع ملابس تحمل علامات مزورة حماية للمستهلكين.
ومن جهته، يضم سيف زيد صوته الى ينال في المطالبة بتشديد الرقابة على هذه المحال والتي وصفها بانها رقابة "غائبة".
وقال سيف ان "الانتشار الكبير للملابس التي تحمل شعارات وأسماء مزورة لماركات يدل على غياب الرقابة الحكومية على تلك المحال".
ويروي سيف واقعة تعرض خلالها لنوع مختلف من التضليل، اساسه التلاعب بطريقة كتابة اسماء الماركات، وهي عادة بالانجليزية، لايهام المستهلك بانها اصلية.
ويقول "دخلت ذات يوم لشراء قميص يحمل اسما لماركة مشهورة، واخذ صاحب المحل يقنعني بأن القميص اصلي وانه مع ذلك يبيعه بسعر منخفض يصل الى 15 دينارا مقارنة بسعره في محال الاخر والذي يصل الى 35 دينارا".
ويضيف ان "السعر المنخفض هو الذي شجعني على شراء القميص، ولكن عندما وصلت البيت ودققت في اسم الماركة وجدت ان الكتابة كان ينقصها بعض الحروف، وحينها اكتشفت ان القميص ليس اصليا".
وعلى صعيده، يرى اسامة مصطفى انه "في ظل غياب الرقابة الحقيقة على تلك الماركات المزورة فان المواطن هو من يدفع الثمن".
ويعتبر اسامة ان الجشع والسعي الى تحقيق الربح دون وجه حق هو الدافع الرئيسي لانتشار الماركات المزورة، والتي يقول انها توضع على ملابس "يتم تصنيعها في دول كالصين وبكلفة منخفضة جدا، ثم تعرض في السوق المحلية على انها اصلية".
انتشار كبير
ولا تقتصر اضرار تزوير الماركات على المستهلك، بل تشمل كذلك وكلاءها واصحابها، كما يؤكد حسن البشيري، وهو صاحب احدى الماركات المنتشرة في السوق.
ويقول البشيري ان التزوير له تأثير سلبي على اصحاب ووكلاء الماركات من اوجه عدة، من بينها حجم المبيعات، وكذلك السمعة التي تتضرر عندما يشتري المستهلك بضاعة رديئة تحمل تلك الماركة، مما يجعله يكون فكرة سيئة عنها.
ويبين البشيري بعض اشكال التزوير قائلا ان "هناك تجارا يقومون بتقليد تصاميم الالبسة ذات الماركات العالمية في مصانع خارج المملكة مثل الصين وتايوان ويضعون عليها شعار واسم الماركة الاصلية، ثم يهربونها الى السوق المحلية مع قطع البسة اخرى يتم استيرادها بشكل قانوني".
ويبلغ حجم مستوردات المملكة من المحيكات والالبسة نحو 480 ميلون دولار سنويا.
ويقول البشيري "بعض التجار يلجأون ايضا الى تغيير بعض حروف اسم الماركة مع وضع شعارها على قطعة الملابس ثم يبيعونها على انها اصلية وبأسعار قد تصل الى نصف سعر القطعة الاصلية".
وهؤلاء التجار لا يحتاجون في الواقع الى تهريب قطع الملابس ذات الماركات المزيفة من الخارج، حيث ان هذه الماركات قد تجري طباعتها هنا في الاردن من قبل بعض المشاغل.
وقد حصل قبل بضعة اعوام ان ضبطت الشرطة مشغل خياطة في عمان يقوم بتزوير ماركات عالمية لألبسة رياضية.
وكما اوضحت الشرطة في حينه، فقد عثر في هذا المشغل على جهاز كمبيوتر لطباعة ملصقات الماركات وما يقارب ثلاثين ألف ملصق قماشي وورقي لماركات مختلفة وأكثر من850 قطعة ملابس طرزت عليها تلك الماركات.
وكما يؤكد محمود مناصرة، وهو وكيل لماركة عالمية ويمتلك عدة محال لبيع الملابس، فان ظاهرة تزوير الماركات قد تنامت بشكل كبير في الفترة الاخيرة.
وقال مناصره ان "السوق المحلية بدأت تشهد خلال السنوات الثلاث الماضية تداولا كبيرا لألبسة ذات جودة متدنية تحمل ماركات مزورة، الامر الذي بات يهدد سمعة مالكي الماركات الاصليين".
ويتجاوز عدد محال بيع الالبسة في المملكة السبعة الاف، اكثر من نصفها في العاصمة عمان.
ويرى مناصرة ان انتشار الالبسة المقلدة "ناتج عن ضعف الرقابة من قبل الجهات الحكومية، بدليل كمياتها الكبيرة التي تباع علنا في السوق المحلية".
وناشد مناصره الجهات الحكومية ممثلة بدائرة الجمارك ومؤسسة المواصفات والمقاييس التصدي لظاهرة تزوير الماركات حماية لوكلائها واصحابها.
اليات رقابة
ومن جهته اشار رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك محمد عبيدات الى ان "الجمعية تلقت مؤخرا العديد من شكاوى المواطنين حول وجود تلاعب بجودة الماركات العالمية لبعض انواع الالبسة وتحديدا الرياضية، اذ يتم بيع تلك الالبسة على انها اصلية وبأسعار متدنية ولكن يتكشف فيما بعد انها مقلدة".
وفي هذا السياق، دعا عبيدات "الجهات الحكومية ذات العلاقة الى تكثيف الرقابة على محال الالبسة واتخاذ اشد العقوبات بحق من يبع سلعة تحمل ماركة مزورة".
وعلى صعيدها، تؤكد دائرة الجمارك انها تتصدى لهذه الظاهرة عبر اجراءاتها على المنافذ الحدودية وكذلك في الاسواق.
وقال مدير التعرفة في دائرة الجمارك محمود الرشدان"الدائرة تحارب عمليات إدخال الملابس المقلدة من خلال إعمال التدابير الحدودية الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية، وذلك بالنسبة للبضائع التي تدخل إلى البلاد بطريقة شرعيه عن طريق التخليص عليها في المراكز الجمركية".
وأوضح الرشدان انه حال ضبط البضائع المقلدة يتم إيقاف التخليص عليها ومخاطبة الممثل القانوني أو مالك الماركة حيث يكون بمقدوره اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتعدي على حقوقه خلال مدة ثمانية أيام من تاريخ تبليغه.
وقال انه في حال تمت إقامة دعوى قضائية يتم حجز البضائع وحتى صدور قرار المحكمة في موضوعها، أما في حال انقضاء المدة ودون إقامة أية دعاوى بخصوصها، فتحال البضائع إلى الجهات المختصة كمؤسسة المواصفات والمقاييس لتحديد مصيرها ووفق معطيات البضائع الواردة وجودتها.
اما بالنسبة للبضائع التي تدخل إلى المملكة بصورة غير شرعيه، فقال الرشدان ان "مديرية مكافحة التهريب التابعة لدائرة الجمارك تتولى متابعة هذه البضائع في الأسواق والمحال التجارية ومن ثم حجزها على ذمة قضايا تهريب في حال تبين دخولها إلى البلاد بهذه الطريقة ليصار في الوقت ذاته إلى مخاطبة مالكي العلامات التجارية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين".
وكما يوضح مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس حيدر الزبن، فان مصير البضاعة التي تضبط في المراكز الجمركية وهي تحمل ماركات مزورة يكون في العادة اما اتخاذ قرار اعادة تصديرها او اتلافها، وتبعا للحالة.
وفي ما يتعلق بدورهم بالنسبة للرقابة على البضائع داخل حدود المملكة، فقد بين الزبن ان هناك موظفين تابعين للمؤسسة يقومون بجولات مسح للأسواق ياخذون خلالها عينات من البضائع التي يعتقد أنها تحمل ماركات مزورة، وتبقى البضاعة خلال هذه الفترة محجوزة لحين اتضاح وضعها القانوني.
ورغم الاجراءات والجهود التي تؤكد الجهات الرسمية انها تبذلها لمكافحة ظاهرة الملابس المقلدة، الا ان التجار واصحاب العلامات يؤكدون ان طوفانها قد اغرق السوق المحلية، وان زخم هذا الطوفان في لا يلبث يشتد.
إستمع الآن