جسر الزرقاء ما بين المأساة والحلول البديلة

عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد

حر شديد، أطفال عطشى، حشرات تتحرك في كل مكان، المياه مقطوعة منذ شهور، الثياب متراكمة في السلال، الزهور ميتّة، محروقة أو ذابلة، الغبار يملأ المكان، أمهات وآباء متعبون من كل شيء في حياتهم في جسر الزرقاء... فالماء نبض لهم، والماء نبض الحياة.

صدى التنهدات يملأ كل زوايا الغرف، فالمعاناة يتقاسمها كل أهالي جسر الزرقاء من كبيرهم حتى صغيرهم على حد سواء، فهذه القضية أشبعت الجميع انتظاراً بالمجهول.

الديون المتراكمة على المجلس المحلي والتي تقدر بالملايين أدت بشركة المياه مكوروت أن تقطع المياه عن بيوت القرية، ولكن على من يقع اللوم؟!

على الأطفال العطشى؟ الأطفال التي تراكمت شقاوة يومهم على أجسادهم؟ أم على الأمهات اللواتي سئمن الانتظار على عتبة الباب لتعود المياه فتعود القرية كلها نابضة بالحياة؟

وفي حديث مع الناشطة الاجتماعية سائدة شهاب عن مجرى حياتها غير المعتاد، قالت:" الوضع الذي في قرية جسر الزرقاء كان وضعاً مبالغاً فيه، حيث كانت تُقطع المياه في ساعات أمس الحاجة فيها للماء، وأعتبر هذا الشيء هو بمثابة عقاب جماعي للأهالي في القرية، لأن الشركة التي قطعت المياه لم تكن تهتم أو تراقب العائلات التي تدفع مستحقاتها، إنما كانت تنظر لمسألة الديون ككتلة واحدة ولم تهتم لوجود نساء أو أطفال، بالتالي تم قطع المياه عن القرية بأكملها".

وتضيف:" من أصعب ما عشناه، هو عودة طلاب المدارس إلى منازلهم بعد الدوام، فبتأكيد بعد نهار طويل يحتاجون لحمام، طعام، ماء للشرب، غسل الملابس وأمور أخرى لم تكن تنفذ إلا بالماء. شعرت وكأننا عدنا حينها لسنوات ما قبل الستين حيث تم وصل قرية جسر الزرقاء بالماء في سنوات الستين.

كنا دائماً في حالة تأهب لقطع المياه، فكنا نخزن المياه في القناني أو الخزانات استعداداً للساعات الطويلة التي تقطع فيها المياه، وطبعاً لم نحظى بأي اهتمام إنساني من شركة مكوروت أو من غيرها".

وتقول:" كوني ناشطة اجتماعية ومعلمة كنت أشعر دائماً أني مقيدة، الماء جزء لا يتجزأ من حياتنا، وإن نقصت علينا المياه فإن أمور عديدة تنقص، فمثلاً الطلاب في المدرسة لم يستطيعوا دخول المراحيض، تجمدت نشاطاتنا، حيث أن كل نشاط وبالأخص النشاطات التي بحاجة لجهد جسدي حيث أن الطلاب يحتاجون بعدها لمياه إن كانت بهدف الشرب أو الاغتسال".

وتضيف السيدة شهاب:" لا أنكر أن هناك عائلات لا تدفع مستحقاتها من ضرائب للمجلس المحلي، ولكن الشركة لم تأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي العام في القرية، بالرغم من أننا حاولنا إيجاد حلول مختلفة لكنها لا تغني عن المياه، وأصبحنا نختصر المياه في حياتنا اليومية، تغيرت حياتنا، ليلنا أصبح نهارنا والعكس صحيح، فحتى العمل المنزلي والترتيب أصبحنا نباشر فيه في ساعات المغرب".

ولجأت بعض نساء القرية في جسر الزرقاء إلى البحر الأبيض المتوسط بما أن قرية جسر الزرقاء تعتبر قرية ساحلية، فأخذن من مياه البحر ملجأ لغسل الثياب كحل بديل ومؤقت حالما تعود المياه لمجاريها، فتقول شهاب:" وبما أننا قرية ساحلية، استغلينا في بعض المتطلبات مياه البحر، لكن مياه البحر لا تساعد في الطبخ والشرب وغيره، لا غنى عن المياه النظيفة"، وتختتم شهاب حديثها:" لا يحق لأي جهة تحترم حقوق الإنسان أن تنتهج نهج العقاب الجماعي".

وعن الحل البديل لغسل الثياب الذي لجأت له نساء جسر الزرقاء، يقول د. الخراز:" إنّ غسل الملابس واستعمال مواد التنظيف في مياه البحر يعرّض بشكل أكيد مياه البحر للتلوث بسبب الصابون و المنظفات الصناعية، مما قد يتسبب بدوره على المدى القريب و البعيد في انتشار الميكروبات والبكتيريا والفطريات والتي تتسبب بدورها في انتشار كثير من الأمراض الوبائية والإضرار بالثروة السمكية، إذ ان تلوث الأسماك يعرّض متناوليها لمخاطر صحية جمّة.

و في هذا الصدد مثلا يفيد البرنامج البيئي للأمم المتحدة UNEP أن هناك 60.000 طن من مواد المنظفات التي ترمى سنويا في البحر الأبيض المتوسط وفي دراسة أجريت على الساحل اللبناني على سبيل المثال ظهرت نتائج تفيد أن هناك تدهور في حجم المغذيات البلانكتون والطحالب في القاع والأسماك بسبب هذا التلوث".

ويضيف:" علاوة على ذلك، تنظيف الغسيل (الملابس) في مياه البحر سيؤدي لا محالة إلى عواقب وخيمة أخرى بغض النظر عن العواقب الصحية، نذكر العواقب الاقتصادية لأن نشاط الصيد سيتقلص أو سيتأثر من جراء تلوث المياه و الأسماك إن ثبت ضررها على صحة الانسان، مما قد يؤدي إلى عواقب اجتماعية بدورها من تغيير لعادات الساكنة المحلية وتحوّلها من الصيد إلى أنشطة أخرى إن لم يسقطوا في فخ البطالة".

ويختتم حديثه قائلاً:" يجب على السكان والمسؤولين على حد سواء البحث عن حلول أخرى لمواجهة انقطاعات المياه وشحّها، عن طريق إعداد خطط متكاملة بالتنسيق مع جميع الفاعلين لتقسيم الثروة المائية المتاحة وإدارتها بشكل أكثر نجاحاً وفعالية".

وفي حديث آخر مع سامي العلي رئيس اللجنة الشعبية من أجل جسر الزرقاء، قال:" قيام شركة مكوروت بفرض عقاب جماعي وجارف على أهالي قرية جسر الزرقاء حتى على المواطنين الذين يؤدون واجبهم ويدفعون أثمان المياه بانتظام هو أمر مرفوض وغير أنساني، قرية جسر الزرقاء تعاني أزمات وتحديات كثيرة في كافة مناحي الحياة، وتعتبر من أفقر البلدات العربية.

فنسبة البطالة مرتفعة وتتواجد في أسفل السلم الاجتماعي- الاقتصادي في الدولة ناهيك عن أوضاع التعليم والبنى التحتية المتردية، وذلك بفعل سياسة الإجحاف والتمييز بحق القرية من قبل الحكومات الإسرائيلية على مدار سنوات، لذلك على شركة مكوروت اخذ هذا الواقع المرير بالحسبان، وعليها أن تجبي من المواطنين أسعار منخفضة مقابل كوب المياه المستهلك وان لا تفرض عليهم نفس الأسعار المتبعة في بلدات أخرى، خاصة وان جسر الزرقاء يوجد ما يقارب 1200 عائلة في ضائقة تتلقى مساعدات ومخصصات من قسم الرفاه الاجتماعي والتأمين الوطني".

وأضاف العلي:" أن أسلوب مكوروت في جبي مستحقاتها من السلطات المحلية المتمثل في سياسة العقاب الجماعي وقطع المياه، هو أسلوب غير ناجع، فهذه سياسة ووسيلة خاطئة لا تحل المشكلة بل تعقدها وتعمق الأزمة وتداعياتها خطيرة جدا وتمس في حياة المواطنين ونشاطهم اليومي.

ناهيك انتشار الأمراض والآفات البيئية. معادلة الضغط على السلطة المحلية والسكان من خلال قطع المياه الجارف غير صحيحة، فهذا تنكيل وتنفير وليس أسلوب يحفز السلطة المحلية أو المواطن ويدفعهم إلى دفع الديون وإثمان المياه ، يضاف إلى ذلك سياسة، لذلك اقترح على شركة مكوروت إتباع أساليب أخرى للحصول على مستحقاتها مثل التفاوض وإبرام اتفاقيات جدولة ديون أو تخفيض الأسعار".

وقال العلي :"نطالب الجهات المسؤولة من شركة مكوروت وسلطة محلية في إيجاد حل جذري للمسألة التي أضحت روتينا في حياة المواطنين في القرية، كما وأناشد كل المدينين أن يخافوا الله ويقوموا بواجبهم تجاه بلدهم وأولادهم وان يسددوا الديون المستحقة عليهم من ضرائب مياه وارنونا (عقارات) ، فلا يعقل أن تتم معاقبة من يحترم القانون ومن يدفع الضرائب وأثمان المياه ويتم التعامل معه تماما كالمدين".

ونوه العلي الى أن المياه ليست (مادة للاستهلاك) وإنما هي مادة أساسية على الدولة توفيرها لمواطنيها بكل الأحوال.

وطالب بإيجاد آلية مناسبة لجباية المستحقات المدينة بها القرية بطريقة أكثر حضارية وإنسانية. خاصة وان هذا الواقع يعود بالضرر على الأهالي والأبناء ويمس في سيرورة حياتهم ويمنعهم من ممارسة نشاطاتهم الطبيعية والأساسية، البيتية، التجارية وغيرها.
ويسبب المعاناة للسكان في حياتهم اليومية وينشر الأمراض والأضرار الصحية والبيئية".

يذكر أن منتدى مياه لجسر الزرقاء بالتعاون مع اللجنة الشعبية كانوا قد انطلقوا بنضال شعبي، إعلامي، وسياسي ضد ممارسات شركة مكوروت وضد مسلسل قطع المياه عن 13 ألف نسمة في القرية، بسبب دين المجلس لمكوروت، علما ان المواطنين مدينين للسلطة المحلية قرابة 60 مليون شيكل.

إذ خرج المنتدى بحملة إعلامية وابرق رسائل لأعضاء الكنيست، للوزارات المختلفة وشركة مكوروت وسلطة المياه، بغية وضع حد لمعاناة السكان وإعادة ضخ المياه للقرية.

أضف تعليقك