اللقاطات .. قطف البندورة من عين "الشمس"

عمان – احمد التميمي - مضمون جديد

تحت أشعة شمس حارقة، كانت حوالي 12 عاملة، منهمكات في "تلقيط" محصول البندورة في إحدى المزارع في منطقة وادي الأردن، فيما انشغلت أخريات بترتيب تلك المحاصيل في "البكس" الخشبية.

العاملات، اللواتي ينحدر معظمهن من مناطق الأغوار الشمالية والوسطى والجنوبية يتقين أشعة الشمس الحارقة في تلك المناطق بخوذات حمراء اللون يعملن في ظل ظروف صعبة لتأمين لقيمة عيش لأسرهن.
"
نشتغل من السادسة صباحا حتى الرابعة مساء"، تقول إحدى العاملات، طالبة من "مضمون جديد" عدم الإفصاح عن اسمها. وعند الساعة الثانية عشرة تأخذ العاملات استراحة لتناول وجبة الغداء، مدتها ساعة ونصف، ثم يعدن إلى أعمالهن.
3 دنانير، هي حصيلة أجر 10 ساعات يوميا تقوم به العاملة الخمسينية مريم هويمل مقابل عملها في إحدى مزارع الأغوار الشمالية.

الحاجة وضيق الحال، دفع بهويمل للعمل بما يسمى بـ "اللقاطة" لجني محصول البندورة، في ظل جردة حرارة ترتفع إلى 45 درجة. وكل ذلك من أجل توفير لقمة عيش لأطفالها الخمسة بعد وفاة زوجها.

تقول هويمل: إن أجرها مرتبط بجودة الموسم وساعات العمل، لكنه في كل الأحوال لا يكفي لسداد جزء من المصاريف اليومية.

ورغم الظروف العمل القاسية، وساعات العمل الطويل، تعمل العديد من النسوة في وادي الأردن ضمن "العمالة النسوية الموسمية"، أو ما يعرفن أيضا بـ "اللقاطات".
"
هويمل" تبدأ يومها منذ بزوغ الفجر، تخرجُ تاركة أبناءها في البيت، للقاء رفيقاتها من العاملات في القطاع الزراعي في الأغوار تحت ظروف قاهرة، وفي غياب مكتب العمل لتحصيل حقوقهن في حال إصابتهن.

وتجد "اللقاطات"، "مزاحمة" من قبل الآلاف من العمالة الوافدة التي تعمل في المزارع. وبالقياس مع نسبة العاملين من الشباب، فإن نسبة "اللقاطات" في الأغوار كبيرة الى الحد الذي يعتبر فيه مصدر في مكتب العمل أن المنطقة تعاني من بطالة بين الشباب رغم توفر العمل النساء".

وتبدي الأربعينية "أم سالم" خشيتها من استمرار تهرب أصحاب العمل والمزارعين من إدخالها الضمان الاجتماعي، أو التأمين الصحي، مطالبة بتوفير ظروف عمل تساعد المرأة في عملها لضمان استمرارها في عملها، وعدم تخلي أرباب العمل عنها في حال إصابتها.

وفي موسم الصيف الذي ترتفع فيه الحرارة متجاوزة الـ45 درجة مئوية، تتحول رطوبة البيوت البلاستيكية إلى ما يشبه حمام البخار الذي يستنفد طاقة العاملات ويزيد من شعورهن بالإجهاد.

وتصف "أم سالم" المعاناة التي تكابدها وزميلاتها خلال عملهن في المزارع، "نحن نعمل في ظروف صعبة وقاسية، نتحمل حر الصيف، وفي الشتاء تتساقط علينا الأمطار، ونحن نجلس في الصناديق المفتوحة لسيارات (البكب) التي تنقلنا من والى المزارع بشكل شبة يومي.

واللقاطات فيما مضى كان عملهن موسميا أي أن هناك عطلة إجبارية مقيتة ينقطع فيها الرزق عن البيوت التي تعتمد على تعب وعرق المرأة يوما بيوم، أما مع شيوع زراعة الباميا في مناطق الأغوار، فالأمر أصبح مبهجا بالنسبة لهذه الفئة العاملة. فالباميا صارت تزرع بكثرة وبمساحات واسعة وتحتاج إلى عناية مستمرة حيث يمتد عمرها ما يقرب الخمسة أشهر وهي عندما تطعم تحتاج إلى لقط كل يومين مرة، وهو الأمر الذي يجعل ديمومة رزق اللقاطات.

اصحاب مزرعة: كبيرات السن صبورات وخبيرات

ويرفض أصحاب المزارع شمول العاملات لديهم بالضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي. ويتعذر أحد أصحاب المزارع بموسمية العمل.

ويفضل أصحاب المزارع النسوة كبيرات السن للعمل في مزارعهم، خصوصا اللواتي تتراوح أعمارهن بين الأربعين والستين.

ووفق صاحب مزرعة فهن صبورات وخبيرات، في اللقط أو زرع الاشتال، أو ترتيب وتوجيه صناديق الخضرة، أما اللقاطات من صغار السن فهن في أغلب الأوقات ملولات سريعا.

وقال لـ "مضمون جديد" إن عدم انتظام العاملات بالدوام اليومي، كونهن يعملن في أكثر من مزرعة في اليوم الواحد، يعزز عدم التزام أحد في إدخالهن بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي".

وقال إن "أجرة العاملات لا تغطي نسبة الاقتطاع المطلوبة للضمان الاجتماعي، حيث تصل الأجرة في خمس ساعات عمل إلى 3 دنانير، وأحيانا خمسة دنانير. لذا النسبة مرتفعة على العاملات".
بيانات "الزراعة"

وبحسب بيانات مديرية زراعة وادي الأردن فان عدد العاملات في المزارع في الوادي يتجاوز 10 آلاف، غالبيتهن يعملن في القطاف.

وأشارت دراسة حكومية إلى ارتفاع نسبة الفقر في الوادي حيث تصل إلى 53,8 % في غور الصافي و 4ر31% في الأغوار الشمالية و3ر22% في لواء الشونة الجنوبية و18% في لواء دير علا، مقارنة مع %13 نسبة الفقر العامة في المملكة مما حدا بالحكومة على اعتبار مناطق وادي الأردن من اشد المناطق فقرا في المملكة.

وتبلغ مساحته الأراضي في وادي الأردن حوالي 400 كم2، ويتراوح مستواه بين 200 وأكثر من 400 متر تحت سطح البحر، وهي أكثر جهات العالم انخفاضاً تحت مستوى سطح البحر وهي امتداد للانخفاض القاري.

ورغم أن عمال الزراعة تم شمولهم في مظلة قانون العمل لعام 2008، إلا أن التطبيق ما زال معلقا على صدور نظام خاص يضمن حقوق العمال الزراعيين وفقا للقانون.

وقال مصدر بمكتب العمل في اللواء لـ "مضمون جديد": إن مواسم قطف الخضراوات تقتصر على النساء، عكس مواسم الحمضيات التي يحتاج قطفها إلى قوة وتسلق، ما يرفع نسبة الشباب العاملين في الزراعة حينها.

واضاف أن قانون العمل لا يلزم أصحاب المزارع بشمول العاملين لديهم بالضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، لكنه أوضح أن أصحاب المزارع مسؤولون عن دفع تكاليف علاج العاملين لديهم في حال تعرضهم لإصابة عمل، في حال اكدت مديرية الصحة والسلامة المهنية ذلك.
صلاحيات الوزارة هي - وفق المصدر ذاته - في تنفيذ حملات تفتيش مكثفة لمراقبة ساعات العمل، ومدى الالتزام بدفع الحد الأدنى للأجور البالغ 190 دينارا.

وقال إن كل الأمور المتعلقة بقضايا عمال الزراعة مرتبطة بإصدار النظام، وفي حال صدوره سيشمل كل العاملين في القطاع، وبالتالي سيتمتعون بجميع الحقوق بموجب قانون العمل من حيث تحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور والإجازات والضمان الاجتماعي".

ودعا المصدر العاملات في الزراعة إلى التقدم بشكاواهن لمكاتب العمل الموجودة في مناطقهن في حال تعرضهن لانتهاكات، مشددا في السياق على أن الوزارة ملتزمة بالتفتيش على الوحدات الزراعية المشغلة للعاملات.

اتحاد نسائي ديرعلا

بدورها، تصف رئيسة الاتحاد النسائي في ديرعلا عجائب هديرس لـ "مضمون جديد" أوضاع العاملات في المزارع في منطقتها بأنها "سيئة جدا".

وقالت هديرس التي أجرت دراسة عام 2010 حول أوضاع اللقاطات إن واقعهن السيئ هذا ناجم عن "غياب قانون يحمي العاملات من المبيدات الحشرية المستخدمة والأحوال الجوية السيئة، وغياب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، إضافة إلى ساعات العمل الطويلة وتدني الأجور التي لم تصل للحد الأدنى البالغ 150 دينار شهريا (بحسب قانون العمل).

وخلصت هديرس في دراستها إلى المطالبة بوضع أنظمة قانونية تحمي العاملة في الزراعة؛ وتكفل شمولها في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. كما تؤكد أن الأساس هو تفعيل الدور الرقابي في وزارة العمل على الوحدات الزراعية.

أضف تعليقك