*هذه القصة من ملفات مركز تمكين للمساعدة القانونية
حقوق مسلوبة ومخالفات وانتهاكات جسيمة تقع على عاملات المنازل اللواتي يعتقدن أن الحق الوحيد لهن هو تقاضي الأجر وحسب، وعليه تُسلب العديد من حقوقهنّ وتهدر لافتقارهن للوعيّ الحقوقي، اذ من الممكن أن يتعرضن للعديد من الانتهاكات بدون إدراكهنَّ لذلك؛ الأمر الذي يجعل أصحاب العمل يستقوون على العاملات اللواتي يُصنفنّ من أكثر الفئات العاملة استضعافاً.
ليست البداية
لم تكن ميري أول عاملةٍ تجهل حقوقها حين سافرت من الفلبين إلى الأردن عام 2007، لتمتهن العمل في المنازل، ولم تغيّر المنزل الذي تعمل به طوال 10 سنوات، مؤديّةً واجباتها على أكمل وجه، ولم تدرك أن العمل لساعاتٍ طويلة وعدم الحصول على إجازاتٍ أسبوعيّةِ أو رسميّة انتهاكٌ لحقوقها مما يٌعد مخالفة من صاحبة العمل لقانون العمل ونظام العاملين في المنازل.
وداع أليم
خصمت صاحبة العمل راتب شهرين من ميري بحجة ضرورة تحملها أعباء تذكرة السفر حين تعود لبلادها، ما يُعدُّ مخالفة واضحة لأحكام النظام ذات العلاقة، إذ أن الأجور والتذكرة من حق العاملة.
لم تكتفِ صاحبة العمل بتلك الانتهاكات وإنما حرمت ميري من حقها بمكافأة نهاية الخدمة، الأمر الذي تجهله الكثير من العاملات، بأن لهنَّ مكافأة حال عدم شمولهنَّ بالضمان الاجتماعيّ.
اتهامات
قامت صاحبة العمل بالتعميم على ميري في المركز الأمنيّ، مدعيَّةً هروبها من العمل رغم انتهاء عقد عملها؛ لتتهرب من دفع مستحقاتها، ورغم حجزها تذكرة سفرٍ للذهاب بدون إيَّاب، فهي ترفض عودة العاملةِ مرةً أُخرى للعملِ لديها؛ عقابًا لها، ثم عممت عليها الأجهزة الأمنيّة بـ "تعميم مفقود".
ويعد تعميم المفقود من أكثر المعيقات للوصول إلى العدالة أمام العامل المهاجر، وعرَّف مركز تمكين للدعم والمساندة القانونيّة التعميم الأمني؛ بقيام صاحب العمل بالإبلاغ عن "هروب" العامل من مكان العمل حيث يصبح معرضاً للتوقيف الاداري في أي لحظة عند العثور عليه، أو حتى عندما يقوم بمراجعة المركز الأمني لتقديم شكوى، ويظل موقوفاً حتى يحضر صاحب العمل لاستلامه، وإن رفض يجري تسفيره، أو على العامل أن يبحث عن شخص أردني حتى يكفله ويخرجه من مكان احتجازه، مما أوجد سوقاً للكفالات المدفوعة الثمن، التي يبدأ سعر الكفيل فيها من 50 ديناراً فأكثر.
بصيص أمل
عقب معرفتها بقيام صاحبة العمل بالتعميم عليها، اختبأت ميري في منزل إحدى صديقاتها، الذي حال دون تقديمها شكوى بحق صاحبة المنزل التي حرمتها حقوقها العماليّة، علاوةً على عجزها عن تصويب أوضاعها في ظل التعميم عليها، لتقوم إحدى صديقاتها بأخبارها عن أحد مراكز الدعم والمساندة الذي تحرى قضيتها ورفع دعوى ضد صاحبة العمل.
ما بعد ذلك
في 14/2/2018 نظرت محكمة صلح حقوق عمّان في قضية المطالبة العمالية التي رفعتها ميري بمواجهة صاحبة العمل، واستندت على عدم تقاضيها أيّ إجازات أسبوعية أو رسمية أو سنوية خلال فترة عملها، كما خُصم راتب شهرين بدل سعر التذكرة، علماً أنها مكلفة بحجز تذكرة سفر لها للذهاب بدون عودة؛ لرفضها عودة العاملة للعمل؛ ولم تتقاضى مكافأة نهاية الخدمة عند انتهاء عملها.
وخلصت المحكمة إلى أن مدة عمل ميري بلغت ثمانية أعوام؛ بحسب شهادة زوج صاحبة العمل، وبلغ آخر راتبٍ لها 400 دينار، أما بخصوص انتهاء عملها فهو ثابت للمحكمة من خلال تاريخ تذكرة السفر وهو 5/9/2017، الذي أكدّ الزوج عليه.
كما وجدت المحكمة أن العاملة لم تتقاضى بدل عملها عن أيام العطل الأسبوعية على النحو الثابت للمحكمة من شهادة الشهود المستمع لهم في الدعوى، الذين أشاروا إلى تقاضيها إكراميات من والد زوج صاحبة العمل، ولا تعتبر بديلاً عن حقوقها العمالية.
فيما أكد الشاهد - شقيق زوج صاحبة العمل- أن ميري كانت تتواجد دوماً مع عائلته في العطل، وحين يذهبون للمزرعة أيام الجُمع، وترعى الأطفال، من بعد صلاة الظهر وحتى مغادرتهم المكان.
وثبت للمحكمة استخدام العاملة لإجازاتها السنوية، إذ كانت تسافر بمعدل شهر أو شهرين كل سنة أو سنتين، أي بمعدل شهرٍ سنويًّا، في حين أصَّرت ميري على السفر في يومٍ محدد رغم طلب زوج صاحبة العمل منها تأجيل سفرها لليوم التالي؛ لانخفاض أسعار تذاكر الطيران، غير أنها أصَّرت على شراء تذكرةٍ لها بأجر شهرين، ما دفع المحكمة للاقتناع بشهادته في هذه الجزئية لما لها من صلاحية تقديرة للمحكمة على غيرها من البيّنات، ذلك بحكم أن الزوج على اطلاع بتفاصيل الأجور المدفوعة أكثر من كل الشهود .
وخلصت المحكمة بأحقية ميري في مكافأة نهاية الخدمة كونها لم تخضع لأحكام قانون الضمان الاجتماعي، إذ حدد نظام العاملين في المنازل وطهاتها وبستانييها ومن في حكمهم لسنة 2009 أحكام خاصة تتعلق بحقوق عمال المنازل، وجاء بأحكام خاصة تنطبق على بعض حقوق والتزاماتهم العمالية، وجعل من قانون العمل قاعدة عامة تسري على حقوق عمال المنازل.
قرار المحكمة
في الخامس والعشرين من آذار عام 2019 أصدرت المحكمة قرارها بإلزام صاحبة العمل بأن تدفع للمدعية مبلغ وقدره (3568.320) دينار، والمصاريف والفائدة القانونية من تاريخ المطالبة حتى السداد التام.
عجز إثبات بعض البيانات.
رفضت المحكمة مطالبة ميري ببدل أيام العطل الدينية والرسمية، إضافة لبدل العمل الإضافي لعدم إمكانية الإثبات القانوني، الأمر الذي يشير لعجز عاملات المنازل في أغلب الأحيان بإثبات أحقيتهنَّ في أجر العمل الإضافي و الإجازات الرسمية والدينية وغيرها، لأن وجود البيّنات الشخصية لدى عاملات المنازل أمر صعب بسبب خصوصية عملهن في المنزل ، ما يدفع للجوء لليمين الحاسمة (حلف اليمين التي تحسم النزاع)، وأحيانًا ما تكون البيّنات تقتصر فقط عليها في بعض الدعاوى.
وبموجب العقد الموحد لعاملات المنازل يقع عبء إثبات استلام الأجور على صاحب العمل، الذي يلزمه بأن يحتفظ بما يثبت أنها قد استلمت أجورها، وتقتصر البيّنات الخطية التي يتم اللجوء إليها أغلب الأحيان على عقد العمل الموحد الموقع في مديرية العاملين بالمنازل، وصورة عن تصريح العمل ومشروحات من الإقامة والحدود تفيد بعدم تجديد إقامتها أو عدم دفع غرامات تجاوز هذه الإقامة.
الإستئناف
لم ترضَ صاحبة العمل بقرار محكمة الدرجة الأولى فقامت بالطعن بالقرار أمام محكمة الاستئناف التي بدورها أصدرت قرارها في السابع عشر من تشرين الأول لعام 2019 ، المتضمن رد الاستئناف موضوعاً، وتأييد قرار الدرجة الأولى المستأنف وتضمين المستأنفة المصاريف ومبلغ 245 دينار بدل أتعاب المحاماة.
أثر أمد التقاضي
صدر قرار الحكم القطعي بعد سنة وثمانية أشهر من تسجيل القضية، الأمر الذي أثر على العاملة من حيث بقائها في الأردن وانتظار قرار الحكم دون عمل، إضافة إلى قلقها من إلقاء القبض عليها في أيّ لحظة؛ نتيجة التعميم عليها في المركز الأمني.
ومن الناحية القانونية نصت المادة (173) من قانون العمل الأردني على "تختص محكمة الصلح بالنظر في الدعاوى الناشئة عن نزاعات العمل الفردية ومن تلك الدعاوى المتعلقة بالأجور في المناطق التي لا يوجد فيها سلطة أجور وفق أحكام الفقرة (ب) من هذه المادة، وذلك بصورة مستعجلة بحيث يتم الفصل في الدعوى خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ورودها للمحكمة".
ما يعني بأن القضايا العمالية هي من القضايا المستعجلة، التي يجب أن تفصِل بها المحكمة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تسجيلها بالمحكمة، ونشير إلى ان القضية أعلاه استغرقت فترة المحاكمة بها ما يقارب سنة وثمانية أشهر.
الاستعانة بمحامٍ
ألزم قانون نقابة المحامين رقم 11 لسنة 1972 القضايا التي تزيد فيها المطالبة عن ألف دينار العامل أن يقوم بتوكيل محامٍ عنه بها، وهذا ما يتعارض مع الهدف من هذه المطالبات لأن معظم عاملات المنازل غير مقتدرات مالياً لتوكيل محامٍ لهن للمطالبة بحقوقهن.
إضافةً إلى أن القضايا العمالية معفاة من الرسوم رأفة بالعمال في قانون العمل بحسب الفقرة (د) من المادة رقم (137) التي نصت على " تعفى الدعاوى التي تقدم إلى محكمة الصلح من جميع الرسوم بما في ذلك رسوم تنفيذ القرارات الصادرة عنها، لنجد أن هناك تناقضاً جليّاً بين القوانين".