*هذه القصة من ملفات مركز تمكين للمساعدة القانونية
في السادس من آذار 1998 أصبحت مدينة الحسن الصناعية أول منطقة صناعية مؤهلة في الأردن، اعتمد التشغيل فيها على العمال المهاجرين من قارة آسيا وتحديداً الجنسية البنغالية، شهدت هذه المناطق في الأعوام 2010 ،2011 ،2012 إضرابات احتجاجاً على ممارسات عمّالية مسيئة وظروف معيشية سيئة.
تاريخياً يتوقف العمال عن العمل بشكل جماعي احتجاجا على الانتهاكات الواقعة عليهم؛ للضغط على أرباب العمل، وانتزاع حقوقهم، ونيل مطالبهم. وعُرّف الإضراب "بامتناع عمال المنشأة أو فريق منهم عن العمل بطريقة منظمة ولمدة محددة للمطالبة ببعض حقوقهم".
بدأت أحداث هذه القضية بتاريخ 20/8/2011 عندما توقف 500 عامل من الجنسية البنغالية عن العمل في أحد المصانع معلنين الإضراب بسبب ظروف معيشية سيئة متمثلة بعدم حصولهم على إجازات، وتأخر في دفع رواتبهم، أو حصولهم على الإقامات السنوية، وتوفر الطعام والمياه النظيفة والسكن اللائق.
بتاريخ 23/8/2011 وجهّت إدارة المصنع إنذار عدلي للعمال لعدم قانونية إضرابهم ويطلب منهم مواصلة أعمالهم، لم يستجب العمال للإنذار، فخالفت وزارة العمل المضربين بتاريخ 4/9/2011 وبعد أسبوعين من المخالفة ولفك الإضراب، وقعت نقابة العاملين في الغزل والنسيج اتفاقية مع إدارة المصنع لم يرض عنها العمال لأنها تلبي جزء يسير من مطالبهم.
شكوى كيدية
بتاريخ 2/11/2011 قدمت إدارة المصنع شكوى لدى مدعي عام محكمة الرمثا بحق "حسين " وهو مشرف عمال من الجنسية البنغالية ويتحدث باسمهم، يعمل في المصنع قبل 5 سنوات من الإضراب، اعتقدت إدارة المصنع أنه قائد الحراك العمالي ومحرّض العمال للتوقف عن العمل.
اتُّهم "حسين " بسرقة الكهرباء داخل سكن العمال، وحرمان عمال من حريتهم، بيع المشروبات الروحية، ممارسة أعمال المقامرة، وبيع أدوية وعقاقير، إجهاض عاملات داخل السكن، تهريب عمال بنغال خارج الأردن.
تم توقيف "حسين " إدراياً - من قبل المحافظ - في نفس يوم الشكوى التي أصدر المدعي العام قراراً بتركه حراً وتعليق التحقيق، ونتيجة خوف باقي المضربين من تكرار ما حدث مع "حسين " مع أيٍ منهم عادوا للعمل بعد اتفاق بين إدارة المصنع وممثلين عنهم في 8\11\2011.
في هذه الأثناء أصدر محافظ إربد في 11/10/2011 قراراً بإبعاد " حسين " عن البلاد وعدم السماح له بالعودة مستقبلاً، وتوقيفه في مركز توقيف الأجانب لحين التنفيذ، وذلك بموجب المادة 37 من قانون الإقامة وشؤون الأجانب، والتي تنص على أن "للوزير، بتنسيب من مدير الأمن العام، حق إبعاد الأجانب، وله أن يأمر بتوقيف من تقرر إبعاده مؤقتاً حتى تتم إجراءات الإبعاد، ولا يسمح للأجنبي الذي سبق إبعاده بالعودة إلى أراضي المملكة إلا بإذن خاص من الوزير".
أسبوعاً واحداً استغرق تنفيذ قرار إبعاد " حسين " عن المملكة وعاد إلى البنغال دون عودة.
الطعن بقرار الحاكم الإداري
في 12\11\2011 تم الطعن بقرار الحاكم الإداري أمام محكمة العدل العليا من قبل محام العامل ، بسبب المخالفة الصريحة للقانون والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتوقيف والإبعاد، وإساءة استعمال المحافظ للسلطة.
يستند الطعن على ثلاث نقاط أساسية: أن المستدعي عامل لدى مصانع مدينة الحسن الصناعية وقد نشأ خلاف بين العمال وإدارة المصنع نتيجة مطالبة العمال بتحسين ظروف العمل الأمر الذي أدى إلى إضراب العمال، وتسجيل شكوى قانونية لدى المدعي العام وليس في قانون الإقامة ما يخول المحافظ او وزير الداخلية بإبعاد أيا كان من البلاد مادام التحقيق جارٍ بالمحكمة، كما لم يسمع المتصرف والمحافظ أقوال العامل حسب الأصول واعتمادهم على أقوال الجهة المشتكية (إدارة المصنع) فقط.
حكمة العدل العليا تنصف المُبعد
ألغت محكمة العدل العليا في 29/2/2012 قرار المحافظ المتمثل بإبعاد " حسين " وجاء في نص القرار: "لاحقا لقراري رقم ق/8/ابعاد/2011/22364 تاريخ 10/11/2011 والمتضمن ابعاد المذكور حسين من البلاد بالطرق القانونية و استنادا لقرار محكمة العدل العليا رقم 55 و القاضي برد الدعوى شكلا عن المستدعى ضده وزير الداخلية وإلغاء قرار الإبعاد الصادر عني بحق المذكور أعلاه أقرر: إلغاء الابعاد الصادر بحق المذكور".
الإضاءات في قصة "حسين ":
-الإضراب
الإضراب حق مشروع للعمال بموجب الاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، ولا يزال التعامل مع هذا الحق كجريمة، مع الاستمرار بالضغط على العمال للتنازل عن حقوقهم.
-الشكاوى الكيدية
يجنح أصحاب العمل لتقديم شكاوى كيدية بحق العمال وخصوصاً المهاجرين، يختلقون الاكاذيب دون بينات؛ كوسيلة انتقامية من العامل نفسه أو استخدامه "كبش فداء" كوسيلة لتخويف الأخرين من المطالبة بالحقوق.
تظهر الكيدية في قضية " حسين " إذ ألقيت عليه تهم جسيمة مثل (تهريب عمال خارج البلاد، واحتجاز حريات، إجهاض نساء) من غير الممكن أن يمارسها شخص واحد.
-الاحتجاز الإداري
القانون فوض للحاكم الإداري (السلطة التنفيذية) صلاحية مطلقة في التوقيف دون تحديد مدة معينة لهذا التوقيف أو مما يبرر هذا التوقيف، بالإضافة الى ربطه بكفالة دون تحديد مبلغها والصلاحية برفض هذه الكفالة دون أن يبين أسباب الرفض. ما يعتبر تعدٍ على (السلطة القضائية) وهذا يخالف مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث.
لايزال الاحتجاز الإداري يمارس بتوسع استناداً إلى قانون منع الجرائم الذي أعطى الحاكم الإداري الحق بحجز حرية من يرى أنه قد يشكل خطراً على المجتمع، بشروط محددة، غير ممارسة فعلياً.
-سرعة تنفيذ الإبعاد
يصدر قرار الإبعاد ويتم تنفيذه بسرعة دون تمكين العامل من اللجوء للقضاء، ما يعد مخالفة للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها الأردن وأصبحت جزءً من منظومته القضائية، وفي قصة " حسين " صدر قرار الإبعاد الذي يتعارض مع قرار المدعي العام بترك المشتكى عليه حرا وتعليق التحقيق. وبعد أسبوع واحد من قرار المحافظ، أُبعد عن المملكة وعاد إلى بنغلاديش، ما خالف المادة 13 من العهد الدولي، "يمنع إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذا لقرار اتخذ وفقا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم".
-رسوم التقاضي
يقف رسوم التقاضي عائقاً أمام التظلم في المحكمة الإدارية، إذ يتراوح بين 30 إلى 300 دينار إضافة إلى ترسيم وكالة المحامي والذي يبلغ 52 ديناراً، مما يعيق استخدام حق التقاضي فيمن يصدر بحقه قراراً إدارياً كالتوقيف الإداري و/أو الإبعاد. إذ بلغت الرسوم في قضية "حسين " 242 ديناراً وذلك عام 2011 .