*هذه القصة من ملفات مركز تمكين للمساعدة القانونية
وصلت حسنة إلى الأردن منتصف عام 2015 عن طريق أحد مكاتب الاستقدام وعقدٍ رسميّ وراتبٍ مقداره 175 دولار حيث عملت لدى صاحب العمل لمدة ثلاثة أشهر ونصف. إلا أن صاحب العمل قام بإرسالها للمكتب حينما طلبت منه الاهتمام بها وتقديم العلاج المناسب كونها مريضة.
عند ذهابها الى المكتب، قام موظف في المكتب بركلها بقسوةٍ مرددًا "بدك تموتيّ"، ليتبع ذلك كثير من الشتائِم، وهو يراقبها ترجوه أن يدعها وشأنها، فيعود ويحاول خنقها من دون أن ينتبه لآلة التصوير التي استخدمها أحد العاملين في المكتب والتي وثَّقَّت كلَّ هذا.
نامت حسنة ليلتها تلك في المكتب، حيث قام موظف آخر في المكتب باستدعائها وسؤالها عن سبب تركها لعملها السابق؛ لتجيبه بأنها مريضة ولم تتمكن من العمل وتحتاج لزيارة الطبيب، غير أنه اتهمها بالكذب وضربها حتى سقطت على الأرض وتابع ركلها بقدميه، ليلفَ بعدها حجاب الرأس حول رقبتها محاولًا خنقها، وهو يردد "موتي، موتي".
تم إرسال العاملة إلى سكن تابع لمكتب الاستقدام، لتقوم مشرفة السكن وهي من نفس جنسية العاملة بضربها نتيجة تركها للعمل، وهي تصرخ في وجهها متهمة إياها بالكذب وأنها تتمارض، ومن ثم قامت بحبسها ومنعها من مغادرة الغرفة لمدة يومين؛ الا أنها قامت لاحقا بإرسالها إلى صاحبِ عملٍ آخر حيث عملت لديه مدة شهرين الى أن انتشر فيديو تعنيف وتهديد العاملة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحدة مكافحة الاتجار بالبشر
بعد وصول فيديو التعذيب إلى وحدة مكافحة الاتجار بالبشر تم انقاذ العاملة، وروت التعذيب المتكرر الذي تعرضت له، بدايةً من قيام أحد العاملين في مكتب استقدام العاملين في المنازل بصفعها على وجهها وظهرها مرات عدة، وشدِّها من قميصها ثم طرحها أرضا.
قامت الوحدة بدورها بالذهاب الى مكتب الاستقدام و تفتيشه بعد الحصول على اذن التفتيش من قبل المدعي العام، واخذ الافادات و التحري و التحقيق ومن ثم تمت إحالة القضية إلى المدعي العام المختص بنظر الدعوى.
المدعي العام
أثناء التحقيق أسقطت حسنة حقها الشخصي، وقد يكون ذلك عائد إلى الترجمة وعدم فهم حسنة لما يوجه إليها ، و وجه مدعي عام محكمة شمال عمان جرم الاتجار بالبشر للمتهمين لمخالفتهم قانون منع الاتجار بالبشر، وإحالتها لمحكمة جنايات شمال عمان، إضافة لجنحة الذم والقدح والتحقير وجنحة حجز الحرية وجنحة التهديد حسب قانون العقوبات.
وقرر المدعي العام إحالة القضية إلى محكمة جنايات شمال عمان صاحبة الصلاحية لتجريم المشتكى عليهم عن الجرائم المسندة إليهم.
تقرير الخبرة
قامت المحكمة بانتخاب خبير لتفريغ ومشاهدة القرص المدمج الذي يظهر به المشتكى عليه وهو يضرب العاملة، والذي جاء في تقريره أنه شاهد عجوزًا يقوم بصفع فتاة على وجهها مرات عدة وبعنف، ثم قام برميها على الأرض وشتمها بعبارة "بدك تموتي اه"، ومن ثم ضربها بقدمه مرات عدة مرددًا "بدك تموتي"، وأمسك برقبتها محاولًا خنقها، ليعاود ضربها بقدمه وإسقاطها أرضًا ثم جرها من كتفها وطلب من شخصٍ ما فتح النافذة ليعاود ضربها، ورميها على الأرض والدعس على جسدها..
تم تقديم ادعاء بالحق الشخصي من قبل محامي العاملة للتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بها، إضافة إلى الضرر الأدبي بالاسترشاد ببينات النيابة وواقع الحال والأنظمة بشكل خاص قانون العمل ونظام العاملات في المنازل والعرف والعادة والخبرة، إضافة إلى تقرير الخبرة المبني على المقطع المرئي المسجل الذي أكد قيام المدعي عليه بضرب حسنة على وجهها مرات عدة ورميها على الأرض ومحاولة خنقها، فيما أفاد المشتكى عليهم بأنهم غير مذنبين عن الجرائم المسندة إليهم.
قرار المحكمة
اختتمت المحاكمة في السابع والعشرين من كانون الثاني لعام (٢٠١٩)، اي بعد مرور ثلاثة سنوات على ارتكاب الفعل بحيث صدر قرار بتعديل الوصف الجرمي المسند للمتهمين من جناية الاتجار بالبشر خلافًا لأحكام قانون منع الاتجار بالبشر إلى جنحة الإيذاء خلافًا لأحكام قانون العقوبات.
ونظرًا لإسقاط حسنة حقها الشخصي قررت المحكمة إسقاط دعوى الحق العام تبعا لإسقاط الحق الشخصي وتضمين المشتكية رسم الاسقاط.
ووفقا لقانون أصول المحاكمات الجزائية تم الإعلان عن عدم مسؤولية المشتكى عليه (مكتب الاستقدام) من الجرم المسند إليه كون فعله لا يشكل جرمًا يعاقب عليه القانون، إضافةً إلى ان العاملة "استرضيت فرضت" (حيث أن حسنة قامت بإسقاط حقها الشخصي سابقا) ووقف الاجراءات في دعوى الشتم والتحقير المسندة للمتهمين.
وبحسب المادة 178 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تقرر عدم مسؤولية (د) عن جرم حجز الحرية كون فعلها لا يشكل جرما يعاقب عليه القانون، كما أنه ووفقًا للمادة 52 من قانون العقوبات تم إسقاط دعوى الحق العام بالنسبة لجرم التهديد المسند (م) لاسقاط حسنة حقها الشخصي.
كما رد الادعاء بالحق الشخصي المقام من العاملة مع تضمينها الرسوم والمصاريف ودون الحكم لأي طرف باتعاب المحاماة لوجود فعل تم تعديله مما يتوافق وأحكام القانون.
الاستئناف
تقدم وكلاء العاملة بالاستئناف حيث تلخصت أسبابه بأن المحكمة اخطأت بالنتيجة التي توصلت إليها حيث أن أفعال المستأنف ضدهم قد استجمعت كافة أركان وعناصر الجرم المسند إليهم وبينة النيابة جاءت قانونية ومتساندة وكافية لإدانتهم، كما أخطأت بالنتيجة التي توصلت اليها وجاء قرارها غير معللا التعليل القانوني الوافي السليم.
قررت محكمة الاستئناف في الخامس عشر من نيسان عام ٢٠١٩ عملا بأحكام المادة (267) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رد الاستئناف موضوعًا وتأييد القرار وإعادة الأوراق إلى مصدرها.
مدة المحاكمة
يشار هنا إلى طول أمد التقاضي، إذ أن مدة المحاكمة استغرقت ما يقارب الثلاثة أعوام من تاريخ الرابع والعشرين من آذار لعام ٢٠١٦ حتى الخامس عشر من نيسان لعام ٢٠١٩؛ الأمر الذي أدى الى سفر العاملة وذلك بعد سماع أقوالها لدى المدعي العام من دون أن تحصل على أي تعويض على الضرر المادي والشخصي والمعنوي والنفسي الذي لحق بها في الأردن.