*هذه القصة من ملفات مركز تمكين للمساعدة القانونية
إضراب
بدأت القِصةُ حينَ طلب أحد العُمالِ من الجنسية البنغلادشية الذي يعمل بمصنع في مدينة الحسن الصناعية إجازةً لرعايَّةِ ابنته المريضة، غيرَ أنَّ طلبه قوبِلَ بالرَفضِ من قِبل الإدارة، ما دفع ثلاثةً من زملائه للتضامن معه واندلاع شجارٍ بينهم وبين المشرف الذي قام بتقديم شكوى ايذاء بحق العُمَّال الثلاثة لدى قسم الشرطة وتم توقيفهم؛ لتقوم ادارة المصنع بدورها بفصلهم من العمل، ما أطلَقَ الشرارةَ لدى بقيّة العُمالِ لبدءِ إضرابٍ يُطالبونَ فيهِ بإعادة زملائِهم ومنح العامل إجازةً لرعاية ابنته.
لم يؤت الإضرابُ أُكُلَه فقد قامت الشركة بحرمان العُمال من الطَعام، ثُمَ لجأت لمفتشي العمل الذين بدورهم سجَّلوا مخالفةً بحق المُضربين وأحالوها للمحكمة، وعقب عودتهم للعمل تمَ إبلاغهم بوجود قضايا إضرابٍ غير مشروعٍ بحقهم في المحكمة، ولأن عددهم نحو 200 عامل فقد قُسمت قضاياهم و التي موضوعها الاضراب غير المشروع إلى عشر قضايا لدى محكمة صلح جزاء الرمثا و بمواعيد مختلفة، ما سبب إرباكًا لدى العمال ، ليقوم أحد مراكز الدعم والمساندة القانونيّة بمرافقتهم للمحكمة بعدد من القضايا وإرشادهم لكيفية التصرف بصحبة مندوبة عن نقابة العاملين بالغزل والنسيج وإفهامها إجراءات الاعتراض؛ لتقوم بدورها بإرشاد العمال حيث تابع المركز 4 قضايا منهم.
في المحكمة
قُسمت الشكاوي بين عددٍ من القضاة، إضافةً إلى اختلاف الأحكام باختلاف الهيئة الحاكمة؛ فقد تضمنت إحدى القضايا، أنه وبالرجوع إلى نص المادة (138/أ) من قانون العمل الأردني، فـ"لا تسمع أي دعوى بشأن أي مخالفة ارتكبت خلافاً لأحكام هذا القانون ما لم ترفع الدعوى خلال شهر واحد من تاريخ الذي ارتكبت فيه"؛ لذلك وبما أنَّ ملاحقة العُمال بالجرم المسند إليهم كانت بتاريخ 7/12/2011، وارتكبت المخالفة في 4/9/2011، ما يعني أنَّ ملاحقة المخالفة تمت خارج المدة المقررة قانونيًّا، وهي خاضعة لمبدأ القانون المتعلق بتقادم الدعوى، وعليه قررت المحكمة إسقاط دعوى الحق العام بتقادم الدعوى؛ نتيجة تحريكها خارج المدة المقررة قانوناً.
في حين قررت المحكمة بعد الاستئناف إسقاط دعوى الحق العام بالجرم المسند للمشتكى عليهم لمرور الزمن أي التقادم، إضافةً لحكمٍ غيابيٍّ بحق عددٍ من العُمال، قابلٍ للاعتراض.
أمَّا القضية الثانية فقد قررت فيها المحكمة وبناءً على المادة (135/أ) ودلالة المادة (136/أ) من قانون العمل إدانة العمال بالجرم المسند إليهم والحكم على كل واحد منهم بغرامة خمسين دينارًا إضافةً للرسوم عن اليوم الأول وخمسة دنانير عن كل يوم من الأيام البالغة أربعة عشر يوماً التي أضرب بها العمال بحيث يصبح مجموع الغرامة بحق كل واحدٍ منهم مائة وخمسة عشر دينار إضافةً للرسوم.
وبعد الاعتراض على القرار السابق قررت المحكمة وفقًا للمادة (135/أ) ودلالة المادة (136/أ) من قانون العمل إدانة العمال بالجرم المسند إليهم والحكم على كل واحد منهم بغرامة خمسين دينارًا والرسوم عن اليوم الأول وخمسة دنانير عن كل يوم من الأيام التالية له والبالغة أربعة عشر يوماً والتي اضربوا بها بحيث يصبح مجموع الغرامة المحكوم بها بحق كل واحد منهم مائة وخمسة عشر دينار والرسوم.
في حين قررت المحكمة بالقضية الثالثة سنداً للمادة (135/أ) وبدلالة المادة (136/أ) من قانون العمل إدانة العمال بالجرم المسند إليهم والحكم على كل واحد منهم بالغرامة مائة دينار والرسوم بواقع خمسين دينارًا عن اليوم الأول وخمسة دنانير عن كل يوم من الأيام التالية التي أضربوا فيها وحرمان كل واحد منهم من أجره عن أيام الإضراب، وعقب الاعتراض على القرار، صدَرَ قرارٌ آخر استند للمادة (135/أ) بدلالة المادة (136/أ) من قانون العمل وتضمن إدانة العمال والحكم على كل واحد منهم بغرامة مائة دينار والرسوم بواقع خمسين دينارًا عن اليوم الأول وخمسة دنانير عن كل يوم من الأيام التالية التي أضرب فيها العمال وحرمان كل واحد منهم من أجره عن الأيام التي أضربوا فيها.
في حين قررت المحكمة بالقضية الرابعة فيما أثاره محام العمال إذ وجدت المحكمة أنه وبالرجوع إلى نص المادة (138/أ) من قانون العمل الأردني التي تنص على (لا تسمع أي دعوى بشأن أي مخالفة ارتكبت خلافاً لأحكام هذا القانون ما لم ترفع الدعوى خلال شهر واحد من تاريخ الذي ارتكبت فيه) وحيث أن ملاحقة العمال حصلت بتاريخ 7/12/2011 والمخالفة ارتكبت على فرض الثبوت بتاريخ 4/9/2011، ما يؤكد أن المخالفة تمت ملاحقتها خارج المدة المقررة قانوناً وهي خاضعة لمبدأ القانون المتعلق بتقادم الدعوى؛ ولذلك قررت المحكمة وفقًا للمادة (138/أ) من قانون العمل إسقاط دعوى الحق العام بتقادم الدعوى بسبب تحريكها خارج المدة المقررة قانوناً، وبقيَّ القرار كما هو بعد الاستئناف، حيث قررت المحكمة رد الاستئناف موضوعا و تأييد القرار المستأنف
ملاحظات على القضايا
بسبب تعدد القضايا عن فعل واحد على فرض وجود مخالفة إضراب غير مشروع؛ إذ يفترض أن توجه التهمة للأشخاص الذين شاركوا بالإضراب بضبط واحد (مذكرة واحدة) من قبل مفتشي العمل، فيما كان يجب إحالتهم بدعوى واحدة، ما شَكَّل اختلافًا للأحكام على حسب اختلاف الهيئة الحاكمة، كما أنَّ المثير للتعجب وجود قرارين أدانا مخالفة الإضراب، غير أنَّ كل واحد منهم رتب غرامة مختلفة عن الآخر؛ فأحدهما رتب غرامة 115 دينار والآخر رتب 100 دينار غرامةً على نفس الفعل .
وبالرغم من تقسيم القضايا فإن حضور أكثر من 20 عاملًا لا يجيد اللغة العربية أمام هيئة المحكمة لأخذ أقوالهم غيرُ ممكن، خاصة مع عدم وجود مترجم من قِبل المحكمة، إذ كان يطلب من العمال إحضار مترجم وهو الأمر المخالف للقانون والاتفاقيات الدولية المصادق عليها؛ لذا يتوجب على المحكمة أن توفر هي المترجم لا أن تنتظر المتهم، إضافةً إلى أن ضيق مساحة قاعة المحكمة يربك المتهمين والهيئة الحاكمة.
ولم يتم تبليغ العمال بحسب الأصول، فجميع التبليغات تتم بالإلصاق (إلصاق البلاغ بمكان يستطيع العمال مشاهدته من خلاله) وفقًا لشرح المحضر، إلا أنَّ الإلصاق أيضا لا يتم على أرض الواقع وإنما تسلم التبليغات لإدارة المصنع أو نقابة العاملين بالغزل كمجموعة أوراق، وإنه وحتى لو قام المحضر (المكلف بالتبليغ ) بالإلصاق الفعلي، فإن كافة التبليغات وأسماء العمال باللغة العربيّة، لذلك من المستحيل عليهم العلم بالدعوى وموعدها واتخاذ ما يلزم للدفاع عن أنفسهم.
في حين أن توزيع الفعل الواحد على أكثر من قضية مسجلة يرتب زيادة في الأعباء المترتبة على العمال عند رغبتهم في توكيل محامٍ؛ إذ عليهم دفع مبلغ 32 دينار عن كل دعوى كرسوم للوكالة حينها، بينما يتم دفع هذا المبلغ مرة واحدة لو كانت بدعوى واحدة، علمًا أن مبلغ رسوم الوكالة قد بلغ 52 دينارًا حاليأ، كما أنَّ بعض هذه الأحكام تضمنت الحكم بحرمان العامل من أجره علما ان الحرمان من الاجر لا يمكن ان يكون عقوبة تفرض من قبل المحكمة ولا تحكم بها المحكمة الجزائية، فهوَ حقٌ للعامل كفله القانون حيث نص احد القرارات على "...حرمان كل واحد منهم من أجره عن الأيام التي أضرب فيها ".ويلاحظ أيضًا عدم معرفة العمال بإجراءات اللجوء للإضراب بشكلٍ قانوني، وعدم جدية بعض مفتشي العمل بالقيام بواجباتهم، إذ كان من الممكن حل مطالب العمال لو قام المفتشون بواجباتهم بمخالفة المصنع أو المشرفين حسب الأصول، إضافةً إلى أنَّ جهل العمال بحقوقهم وعدم مطالبتهم بها يجعل الأعباء تتراكم عليهم فينفذ صبرهم، ما يدعوهم للجوء إلى الإضراب.
كما أنَّ هناكَ خوفًا لدى العمال من لجوءهم للتقاضي بسبب طول أمده وأحيانا يتم تحويلهم إلى الحاكم الإداري في حين ان كانت اقامتهم منتهية يتم إبعادهم ، وعدم قدرتهم المالية على توكيل محامين للمطالبة بحقوقهم ، ما يعني أنَّ أغلب الوقت ينتهي الإضراب بحصولهم على بعضِ من حقوقهم تسليمًا منهم بالأمر الواقع .
ما هي مشروعيّة الإضراب؟
عُرِّفَ الإضراب بحسب المادة (2) من نظام شروط وإجراءات الإضراب والإغلاق رقم 8 لسنة 1998 بأنه" توقف مجموعة من العمال عن العمل بسبب نزاع عمالي"، ووضعت المادة (4) من النظام نفسه قيدًا على الإضراب واشترطت بأنه يجب أن يكون الإشعار بالإضراب كتابياً ومتضمنًا لموضوع النزاع وتاريخ الإضراب المراد القيام به، كما يجب أن يكون الإشعار بالإضراب موقعاً من قبل العمال أو النقابة الممثلة لهم شريطة ذكر وتحديد فئات العمل المعنيين بوضوح، و يجب أن يقـدم الإشعار بالإضراب إلى صاحب العمل أو من ينوب عنه وفي حالـة تعذر ذلك يجوز إرساله بالبريد المسجل ويعتبر التبليغ قد تم بعد مضي سبعة أيام من تاريخ إرساله ويتوجب تبعًا لذلك تغيير تاريخ البدء بالإضراب من تاريخ انتهاء هذه المدة.
واشترطت المادة (6) ضرورة إرسال نسخة من إشعار الإضراب إلى المديرية المختصة وتسليمها باليد؛ لضمان صحة الإضراب و مشروعيته.
ونصَ قانون العمل بدوره على كيفية الإضراب ضمن المادة (135) بأنه لا يجوز للعامل أن يضرب دون إعطاء إشعار لصاحب العمل قبل مدة لا تقل عن أربعة عشر يومًا من التاريخ المحدد للإضراب وتضاعف هذه المدة إذا كان العمل متعلقًا بإحدى خدمات المصالح العامة "
كما رتبت المادة (136) جزاءا لمخالفة شروط الإضراب فيعاقب العامل بغرامة لا تقل عن خمسين دينارًا عن اليوم الأول وخمسة دنانير عن كل يستمر فيه الإضراب بعد ذلك ويحرم من أجره عن الأيام التي يضرب فيه.
ما يعني تجريم المشرع للإضراب إن لم يتم وفق الشروط والشكليات السابقة وترتب عقوبة الغرامة عليه، إضافةً إلى أنه لم يكن واضحًا في وضعه لتعريف الإضراب ولم يراعي فيما إذا كان العامل أجنبيا ولا يجيد القراءة أو الكتابة.