مآلات الازدحام في السماء السورية

مآلات الازدحام في السماء السورية
الرابط المختصر

ربما لن يكون سرب الطائرات الألمانية الحديثة آخر أسراب الطائرات الحربية المتزاحمة، بحذر، في السماء السورية المفتوحة امام كل من لديه رغبة المشاركة في الحرب ضد "داعش"، وإملاء نفسه على المشهد الراهن، وربما على مائدة التفاوض اللاحقة، او حتى لعرض عضلاته، واختبار نجاعة أسلحته غير المجربة، في حقل رماية مثالي.
قبل ان تدخل الطائرات الألمانية على الخط، كانت القاصفات البريطانية والفرنسية قد انضمت الى هذا السباق المحموم في الأجواء السورية المستباحة، أسوة بمغيرات من سبقوها على هذا المضمار، من أميركيين وروس وكنديين واستراليين، ناهيك عن الاسرائيليين والأتراك، الى جانب بعض الدول الأوروبية، وعدد من الدول العربية، ولو لبعض الوقت.
في مقابل كل هذا التزاحم في الجو، وكل هذه الشهية المفرطة للقصف من مسافات آمنة، يخشى هؤلاء المتحفزون جميعا مشقة النزول إلى الارض، وخوض المعركة البرية، التي يدرك الجميع أنها الخيار الذي لا خيار غيره، لإلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش"، وإنهاء وجوده العلني في معاقله الرئيسة، حتى إن كان ذلك الى حين قد لا يطول كثيراً، وقد لا يتحقق بالكامل.
لكن الاسئلة التي يتجنب المتسابقون في السماء على تحديد الممرات وتحاشي الاحتكاكات وسوء الفهم، الإجابة عنها الى الآن: ما هي مآلات هذا الازدحام في الأجواء السورية؟ وما هي الرهانات المتقاطعة لذوي الاجندات المختلفة خارج ذريعة الحرب على "داعش"؟ والى متى ستتواصل هذه الإغارات من دون نتائج مقنعة؟ وماذا اذا وقع المحذور واصطدمت طائرة باخرى جراء خطأ عابر، او بنيّة مبيتة؟
ذلك اننا اليوم امام مشهد متغير، فيه قدر كبير من السيولة، وفيه قدر اكبر من المصالح والدوافع المتضاربة، الامر الذي يصح معه الافتراض من الآن، ان خطوط القتال المتوازية في السماء، والمتغيرات العسكرية الجارية على الارض، تزيد الموقف المعقد باطراد، وتؤدي الى تعميق الشكوك المتبادلة اكثر فاكثر، وتدفع ببعض اللاعبين، في لحظة يأس، الى التموضع على حافة الهاوية مباشرة، وربما المجازفة بكسر قواعد اللعبة الراهنة.
نقول ذلك وفي الذهن أن التحالف الغربي ليس في وارد الدفع بجحافله المجوقلة الى الميدان، مهما تبين له عقم حربه الجوية، فيما يبدو الدب الروسي، بالمقابل، مستفزاً ومتعجلاً، ومتخوفاً من عقابيل إطالة أمد تورطه العميق في حرب مديدة، الامر الذي يمكن معه القول ان تقدير الموقف للمشهد الراهن اليوم، لن يكون ذاته في الغد، وان التطورات المتسارعة، والمفاجآت المحتملة، قد تخرج الوضع عن نطاق السيطرة في اي لحظة.
ولا تستقيم القراءة الاستشرافية لمآلات المشهد القائم في هذه المنطقة القابلة للاشتعال بسرعة، دون الأخذ في الاعتبار احتمال ان هناك مكيدة تتربص بالروس على وجه التحديد، لدفعهم نحو مزيد من الانجراف الى عمق الأوحال السورية، واستنزاف مقدراتهم الاقتصادية الشحيحة، لاسيما بعد ان وصلت موسكو الى نقطة يصعب فيها العودة الى الخلف، بقدر ما يصعب معها الاندفاع الى الامام، في ظل عجز حليفها في دمشق عن استثمار تغطيتها الجوية الهائلة، وتحويل هذه الميزة الى حقائق ميدانية فارقة.
ومع أن هناك اسباباً وجيهة، دفعت الدول الاوروبية الى الدخول مؤخراً على الخط، بشكل جماعي ومنسق، الا انه من غير المستبعد ان تكون زيادة الوزن الاوروبي في المعادلة الجاري تشكيلها في المنطقة، بمثابة خطاب ضمني موجه الى روسيا، مفاده عدم التسليم لها بالاستيلاء على حصة الاسد من الكعكة السورية، وتثبّت اقدام الكرملين بصورة راسخة في نطاق الحزام الجنوبي لحلف الاطلسي، ناهيك عن وضع عصا غليظة في الدولاب الصاعد بروسيا من مصاف دولة كبرى الى مكانة الدولة العظمى.
ازاء ذلك كله، فإن المآلات المحتملة لكل هذا الازدحام في الاجواء السورية، تبدو حبلى بكل التطورات الممكنة، بما في ذلك حدوث اشتباك جوي بالصدفة المخطط لها، أو الوصول الى حالة استعصاء تفضي الى اليأس من ادامة حرب من الجو غير منتجة، أو أن تصطدام الاجندات قبل أن تصطدم الطائرات خارج نطاق ذريعة الحرب على "داعش". وعند ذلك فإن السؤال المكتوم، عما إذا كانت حرب عالمية بدأت بوتيرة منخفضة، سوف يصبح أكثر شيوعا وأعلى نبرة.

أضف تعليقك