تصريح السفر الإسرائيلي.. عبء يطارد المقدسيين منذ 58 عاما

عقبات على الجسر تدفع المقدسيين إلى مطار اللد بدل عمان
غياب المقدسيين عن جسر الملك حسين ومطالبة الأردن بالمساعدة
الرابط المختصر

أعادت السلطات الأردنية على جسر الملك حسين ظهر الجمعة عائلةً مقدسيةً مكوّنةً من أم وطفليها، بحجة أنهم غادروا الجانب الإسرائيلي دون حمل التصريح الورقي الإسرائيلي، رغم امتلاكهم تأشيرة دخول  للأردن متعددة السفرات صادرة عن وزارة الخارجية الأردنية ووثيقة تضمن حقهم كمقيميين في القدس من العودة اليها.

هناك تفسيرَان متداولان لهذا القرار المجحف، لكن كليهما لا يصمد أمام الحقائق على الأرض.

التفسير الأول يرتبط برفض الأردن اعتبار جسر الملك حسين حدودًا دولية مع إسرائيل، وهذا صحيح من حيث المبدأ، لكن تطبيقه يتم بصورة مزاجية لا تستند إلى قاعدة ثابتة. فالأجانب غير المقدسيين، على سبيل المثال، يُسمح لهم بالدخول عبر هذا المعبر بجوازاتهم الأجنبية ما دام لديهم تأشيرة مسبقة للاردن، بينما لا يُمنح المقدسيون المعاملة ذاتها، لنصل إلى التفسير الثاني، وهو أيضًا غير متماسك.

منذ عام 1967 اعتمدت الأردن مبدأ السماح للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، بما فيها القدس، بالسفر إلى الأردن ومن خلاله إلى العالم، على أساس حيازتهم جوازات سفر أردنية. كما جرى التعاون مع رئيس بلدية غزة آنذاك، رشاد الشوا، للسماح لأهل غزة بالسفر عبر وثيقة صادرة عن البلدية عُرفت باسم "تصريح الشوا".

وفي نفس الوقت كان مطلوب منهم الحيازة من الناحية الإسرائيلية، على تصريح سفر ورقي يتضمّن عبارة تؤكّد أن من يحمله يحق له العودة خلال ثلاث سنوات من تاريخ صدوره.

وبعد اتفاق المبادئ الفلسطيني–الإسرائيلي وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، والسماح لها بإصدار جواز سفر فلسطيني، أُلغي شرط التصريح الإسرائيلي عن أهل الضفة الغربية وسمح لهم بالتنقل عبر جواز السفر الفلسطيني، لكن الاجراء بقي مفروضًا على سكان القدس على اساس أنه الضامن الوحيد لمنع سياسات التطهير العرقي، أو ما كان يُعرف بـ"الترانسفير الإداري".

لكن هذه الحجة لم تكن متناسقة ولا مبدئية؛ إذ أصبح لدى المقدسيين مسارات متعددة للسفر، منها مطار اللد، وجسر الشيخ حسين، ومعبر وادي عربة، بينما يبقى جسر الملك حسين الأقرب. ويتم  سفر المقدسيين في كل تلك المعابر عبر وثيقة السفر الإسرائيلية (laissez‑passer)، وهي وثيقة شبيهة بجواز السفر، يُذكر فيها أن جنسية حاملها "أردني"، ومدّة سريانها خمس سنوات، وتشمل ختمًا خاصًا بحق العودة (return entry). كما جرى توفير الحق ذاته لحملة الجنسيات الأجنبية من المقدسيين حاملي هوية الاقامة.

الواقع أن مدير الجسر يملك صلاحيات واسعة، ويمنح استثناءات لأسباب متعددة أو وفق تقديره الشخصي. وهناك مئات الأشخاص – ومنهم كاتب هذه السطور – مستعدون للشهادة على كثرة هذه الاستثناءات. وهذا يعني أن الأمر ليس "خطرًا قوميًا" ولا سياسة ثابتة، بل مسألة مرنة. لكن في حالة العائلة المذكورة، جرى التشدد بشكل تعسفي مع امرأة مقدسية وطفليها، ما ترك غصّة في نفوس أطفال كانوا يتطلعون لزيارة الأقارب والاستمتاع بالعيد. قد يكون التصعيد الكلامي الإسرائيلي حول تهويد القدس هو ما جعل هذا التشدد ولكن المسافرين بشكل مستمر لم يعرفوا ان القرار اصبح غير خاضع لاي نقاش واتوقع ان الاستثناءات والوساطات التي عرفنها من سنين ستستمر.

الحقيقة كما علمنا ان مكتب الداخلية في الجانب الإسرائيلي كا مقتضا جدا وتوقعت المسافرة انه كما سمح للبعض في السابق ان يتم السماح هذه المرة خاصة وان الامر فترة أعياد يتطلع الأطفال لزيارت جدتهم الأردنية.

كما لا يتوقع المقدسي الذي يحمل جواز سفر أردنيًا ساري المفعول، ووثيقة تكفل له حق العودة،  أن يُمنع من السفر إلى الأردن أو عبره، خصوصًا في ظروف حساسة مثل ظهر الجمعة، حين يكون الجسر مغلقًا نصف اليوم، إضافة إلى إغلاقه الكامل يوم السبت ولا يتوقع التشدد الفجائي بدون اعلان. فلا يوجد أي اعلان في أي مكان يقول ان السياسة المرنة أصبحت الان ثابته.

إلى جانب غياب أي منطق سياسي أو أمني، فإن القرار الأردني يحمّل المقدسيين أعباء اقتصادية كبيرة، ويدفعهم إلى السفر عبر مطار اللد. فتكلفة التصريح لكل مقدسي تبلغ 230 شيكلًا لكل سفرة، بينما تكلفة الـ"لاسيه باسيه" 75 شيكلًا لمرة واحدة فقط. مدة التصريح الورقي – الذي يسهل ضياعه – ثلاث سنوات، بينما مدة الـ"لاسيه باسيه" أو ختم العودة خمس سنوات.

هذا يعني أن العائلة التي ترغب في زيارة أهلها في الأردن أو السفر عبر مطار الملكة علياء ستتحمل عبئًا ماليًا كبيرًا لا مبرر له. في إحدى السنوات أجريت تحليلًا ماليًا بسيطًا، وتوصلت إلى أن إلزام المقدسيين بالتصريح الورقي فقط يدرّ على الخزينة الإسرائيلية الألاف الدنانير يوميًا. وينطبق ذلك مثلًا على موظفي الأوقاف، الذين تعلم الأردن أنهم سيعودون في اليوم التالي، ومع ذلك يُفرض عليهم السفر حصريًا بالتصريح رغم حيازتهم الـ"لاسيه باسيه". فما المنطق في أن نرفد خزينة الاحتلال من جيب المقدسي؟

لقد مرّ 58 عامًا على الاحتلال الإسرائيلي، وتغيّرت معادلات كثيرة: اتفاق أوسلو، واتفاقية السلام الأردنية–الإسرائيلية، لكن الهوس الأردني بإجبار المسافر المقدسي على استخدام التصريح الورقي فقط، دون أي خيار آخر يضمن حق العودة، لا يزال قائمًا.

ناقشت هذا الموضوع مع عدد من كبار المسؤولين في وزارة الأوقاف والسفارة الأردنية، ومسؤولين كبار في الأردن والجميع مقتنع بوجود مشكلة، لكن التصريح تحوّل إلى "تابو" لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه خوفًا من اتهامات ومزاودات بتشجيع الهجرة.

المطلوب ليس إلغاء التصريح، بل منح المقدسيين حق اختيار وسيلة سفرهم، ما دام دخولهم إلى الأردن يتم عبر جواز سفر أردني، وما دام لديهم ما يثبت حقهم في العودة.

المطلوب أن تعيد الدولة الأردنية النظر في هذا الملف القديم–الجديد الذي يسبّب ضررًا كبيرًا للمقدسيين، ويحمّلهم كلفة باهظة، ويؤذي السياحة الأردنية، دون أن يقدّم أي فائدة قومية أو استراتيجية. وإذا جرت نقاشات جادة وعقلانية، بعيدًا عن العواطف والمزاودات، وتم اتخاذ قرار منطقي، فيجب بعد ذلك تطبيقه على الجميع دون استثناء، مع ضرورة توضيح التعليمات لسائقي الحافلات والمتعاملين مع الجسر، ومنع الاستثناءات اليومية التي تُفرغ أي "مبدأ" من محتواه.

 

·         الكاتب صحفي مقدسي يتنقل بين القدس وعمان