السفير "ذو اللحية": هل تنجح خلطة "الجميد والسياسة" في ترميم صورة واشنطن؟

الرابط المختصر

 لم يكن وصول السفير الأمريكي الجديد، جيمس هولتسنايدر، إلى الأردن مجرد إجراء بروتوكولي روتيني، إذ تحول منذ اللحظة الأولى إلى مادة دسمة للنقاش الشعبي والبرلماني.

 فبين لحيته الكثيفة التي أثارت شهية مواقع التواصل الاجتماعي، وبين جولاته الميدانية التي سبقت اعتماد أوراقه رسمياً، يبدو أننا أمام نمط جديد من السفراء الذين يخلعون ربطات العنق ليغمسوا أيديهم في "سدور" المنسف، بحثاً عن ودٍ شعبي تآكل بفعل سياسة واشنطن المنحازة لإسرائيل في المنطقة.

هذا الحضور المكثف للسفير في الأسواق والمطاعم وبيوت العزاء، والذي اصطُلح على تسميته بـ "دبلوماسية الطعام"، لم يكن مجرد رغبة شخصية في اكتشاف المطبخ الأردني، بل هو في جوهره تكتيك مدروس لكسر الجمود بين واشنطن والشارع الأردني المحتقن بفعل السياسات الأمريكية تجاه قضايا المنطقة، وعلى رأسها العدوان على غزة.

المتتبع للسيرة الذاتية لهولتسنايدر يدرك سريعاً أنه ليس دبلوماسياً تقليدياً نشأ في أروقة البيروقراطية الهادئة، بل هو "رجل ميدان" بامتياز يحمل خلفية عسكرية صلبة كونه خدم سابقاً في قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز). 

هذه الخلفية، مضافاً إليها خبرته العميقة في بؤر التوتر الساخنة مثل الموصل في العراق وباغرام في أفغانستان، تجعل من تحركاته في القرى والمحافظات الأردنية حركة استطلاعية واعية لأهمية الجغرافيا البشرية. 

هولتسنايدر، كخبير في الشؤون السياسية والعسكرية، أن التأثير الحقيقي في الأردن لا يمر فقط عبر المكاتب الحكومية ، بل يبدأ من فهم المزاج العام في المحافظات التي تشكل العمود الفقري للدولة.

الاندفاع الميداني لهولتسنايدر، لم يمر مرور الكرام تحت قبة البرلمان الأردني، اذ وجه نواب أسئلة للحكومة حول تحركات السفير كان اخرها 21/ ديسمبر سؤال النائب حسين العموش متسائلاً عن مدى توافق هذه الجولات مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

 جوهر الاعتراض البرلماني يكمن في الخشية من أن تتحول هذه اللقاءات الاجتماعية إلى قنوات اتصال سياسية موازية تتجاوز القنوات الرسمية، أو أن تُفهم على أنها استقواء بالدعم الاقتصادي الأمريكي للتدخل في الشأن الداخلي تحت غطاء "الدبلوماسية الناعمة".

وفي قراءة لما كتبه المحلل ماهر أبو طير، نجد أن "دبلوماسية المنسف والشاورما" تواجه جداراً صلباً من الوعي الشعبي الذي يفرق بين "الضيف" و"السياسة". 

فرغم الكرم الأردني المعهود في استقبال السفير، إلا أن هناك فجوة أخلاقية وسياسية عميقة تسببها المواقف الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وهي فجوة لا يمكن ردمها بلقطات فيديو لسفير يتناول الفلافل.

 التحدي الأكبر الذي يواجه هولتسنايدر هو أن كلفة السياسة الخارجية لبلاده باتت باهظة جداً على سمعة الولايات المتحدة، بحيث أصبحت محاولات تحسين الصورة "مناورة" في نظر الكثيرين، مهما بلغت درجة إتقان الدبلوماسيين للغة العربية أو تقمصهم للعادات المحلية.

على الطرف الآخر، جاء رد وزارة الخارجية الأردنية على لسان الوزير أيمن الصفدي ليعيد ضبط الإيقاع الدبلوماسي، واصفاً هذه الجولات بأنها "طبيعية" وتندرج ضمن واجبات السفير لتعزيز العلاقات الثنائية. 

هذا الموقف الرسمي ليس مجرد دفاع عن السفير، بل هو انعكاس لواقعية سياسية تدرك حجم المصالح الحيوية المرتبطة بواشنطن.

 فالأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية التي وصلت لمستويات قياسية (تتجاوز 1.45 مليار دولار سنوياً)، إضافة إلى مذكرات التفاهم الاستراتيجية التي تمتد لسنوات طويلة وتغطي جوانب اقتصادية وعسكرية وأمنية حساسة، مما يجعل من التنسيق مع السفير الأمريكي ضرورة استراتيجية لا يمكن القفز فوقها.