في وداع السوريين!

في وداع السوريين!
الرابط المختصر

بشَّرت دولة غربية كبرى العالم بنيتها استقبال عشرة آلاف لاجئ سوري هذا العام. وأقامت سفارتها في عمان حفل وداع على شرف بضع عائلات منتقاة من بين المشمولين ببرنامج اللجوء.
يتابع المرء هذه المشاهد بخليط من المشاعر المتناقضة؛ في جانب منه، يفرح لخلاص سوريين من جحيم الحرب وويلاتها. وفي جانب آخر، تصيبه المرارة، لأنه يعلم علم اليقين أن هؤلاء اللاجئين للبلاد البعيدة لن يعودوا إلى وطنهم سورية. هي على الأرجح رحلة بتذكرة ذهاب من دون عودة.
ولعل في الصورة ما يغيظ النفوس حقا. هل يعقل أن مأساة إنسانية كمأساة السوريين، تتحول إلى مادة علاقات عامة لتحسين سمعة الدول الغربية؟
هذا ما يحدث بكل أسف؛ فعديد البعثات الدبلوماسية تتسابق على الإعلان، وبتفاخر، عن نية بلدانها استقبال اللاجئين السوريين، في مسعى للتخفيف عليهم وعلى دول الجوار السوري التي تحملت العبء الأكبر للجوء.
حتى سنوات قليلة مضت، كان اللجوء حول العالم عملا مضنيا، يفرض على طالبيه المرابطة لأيام على أبواب السفارات. لكن في الحالة السورية، ظهر صنف جديد من اللجوء، على عكس ما كان معروفا؛ فمقابل عشرات الآلاف من السوريين المحتشدين على حدود دول أوروبية، طورت سفارات غربية برنامجا للجوء يمكن وصفه بـ"لجوء خمس نجوم"؛ تقوم الدول الغربية بموجبه باختيار عينات منتقاة من مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان، وترتب سفرهم على متن رحلات خاصة إلى أميركا وكندا وبعض دول أوروبا.
ويخضع هؤلاء كما لو أنهم مهاجرون عاديون، لاختبارات مختلفة للتأكد من قدرتهم على التكيف في المجتمعات الغربية، ومدى حاجة أسواق العمل لتخصصاتهم.
ويجري تسويق هذا الأمر على أنه مساعدة إنسانية من تلك الدول للاجئين السوريين.
ثمة وجه آخر للمسألة أكثر خطورة؛ إذ إن وضع برامج لتهجير عشرات الآلاف من السوريين إلى بلدان غربية، يعطي الانطباع بأن هذه الدول لا تفكر بإمكانية حل الأزمة في سورية، ولا تنوي العمل من أجل ذلك. ولا ترى فيما يحصل في سورية سوى أزمة إنسانية وليست سياسية، ويمكن حلها عن طريق شمول السوريين بعطف هذه الدول وتحويلهم إلى لاجئين مدى الحياة.
وفي جانب آخر، تبدو مثل هذه "الرحلات الإنسانية" المنظمة، بمثابة تحفيز لباقي السوريين لترك بلادهم والسعي إلى اللحاق بأقرانهم اللاجئين.
ما يزيد على ستة ملايين سوري هجروا بلادهم حتى الآن؛ مليون منهم قصد أوروبا ودولا أخرى بعيدة، بينما يعيش الملايين في دول الجوار بظروف صعبة. وهناك ملايين تركوا بيوتهم داخل سورية، ويتحينون الفرصة لمغادرة البلاد، إذا ما تيسر لهم ذلك.
وإذا ما استمرت الحرب على نفس المنوال، فإن سورية ستصبح بلادا مهجورة في غضون سنوات قليلة.
تبنّي الدول الغربية لبرامج تسهل هجرة السوريين، ما هو إلا دليل على عجز القوى الكبرى عن حسم الأزمة في سورية، وتخليص السوريين من ويلات الحرب، وتثبيت أقدامهم على أرضهم.
صحيح أن اللجوء على المدى القصير يعين السوريين على تجاوز ويلات الحرب، ويخفف عليهم مشاق الحياة. لكنه على المدى البعيد يمثل خطرا كبيرا على هوية سورية وشعبها، ويتحول إلى جريمة لا تقل بشاعة عن جرائم الحرب نفسها؛ تهجير شعب من وطنه بحجة حمايته، بدلا من مساعدته على التخلص من أسباب اللجوء، والبقاء على أرضه.