سورية.. أبعد من جنيف

سورية.. أبعد من جنيف

لن يلتقي الطرفان وجها لوجه طوال فترة المباحثات في جنيف، والتي حددتها الأمم المتحدة بستة أشهر. السوريون على الجانبين سيتفاوضون عبر الوسيط الأممي، بينما على الأرض يتقاتلان وجها لوجه.
استمرار الوضع على هذا النحو يعني أن المباحثات ستكون الضحية الجديدة في الميدان؛ إذ لا يمكن تخيل أطراف متنازعة تجلس إلى طاولة المفاوضات قبل أن تتفق مسبقا على إلقاء السلاح جانبا، ولو بشكل مؤقت.
رعاة المباحثات من قوى دولية وإقليمية، لم تلق هي الأخرى السلاح؛ روسيا تقاتل فعليا إلى جانب النظام، والقوى الحليفة لفصائل المعارضة تمدها بالسلاح والمال.
حاول وفد المعارضة المحسوب على الرياض ربط مشاركته بوقف إطلاق النار، إلا أنه لم يتمكن من فرض هذا المطلب تحت ضغط من الولايات المتحدة، فتوجه إلى جنيف مرغما، بعدما فقد قدرته على تغيير ميزان القوى في الميدان، أو تسجيل نقطة لصالحه أمام الرأي العام.
النظام السوري لا يعبأ بالمفاوضات أصلا، ولذلك كان وفده أول الواصلين إلى جنيف. ميدانيا يحقق الجيش السوري تقدما على جميع الجبهات، وكفة التحالفات الدولية تميل لصالح روايته للأحداث، رغم الضجيج الإعلامي ضده في الغرب.
ما من كلفة سيتحملها النظام السوري في حال فشل المفاوضات. وفي حال انسحب وفد المعارضة يوم الجمعة كما هدد متحدث باسمه، فلدى النظام وحليفه الروسي وفد بديل. وما أرعب قيادات المعارضة في الرياض شعورهم بأن واشنطن مستعدة للتعاطي مع هكذا سيناريو. وقد يكون ذلك هو السبب الوحيد الذي دفع بهم إلى التوجه لجنيف.
ثمة من يرى أن التصعيد الدبلوماسي بين وفدي المعارضة والنظام طبيعي ومتوقع في هذه المرحلة، ومع مرور الوقت سيتصرف المفاوضون بمسؤولية أكبر، وتبدأ التنازلات تدريجيا، وصولا إلى اتفاق شامل يضغط الروس والأميركيون من أجله.
لكن في صراعات أقل حدة ودموية من الصراع السوري، أخفقت الدبلوماسية في ترجمة التفاهمات إلى وقائع ميدانية. اليمن وليبيا مثالان على ذلك؛ فبالرغم من الجهود التي بذلت لجمع الفرقاء على جدول أعمال مشترك، والوصول إلى آليات عملية للمصالحة الداخلية، يعود البلدان من جديد إلى نقطة الصفر؛ في ليبيا تحضيرات غربية لتدخل عسكري وشيك، وفي اليمن فشل معلن بجمع الطرفين المتحاربين إلى الطاولة مرة ثالثة.
سورية أكثر تعقيدا بكثير. وسورية في الحسابات الدولية والإقليمية أزمة عالمية، تترتب على تسويتها نتائج عالمية أيضا. والقوى المتصارعة على المسرح ليست فقط دمى بيد قوى خارجية، فثمة جماعات خارج السيطرة تماما، وستواصل القتال مهما كان شكل التسوية.
وسورية كارثة إنسانية ليس مثلها في اليمن وليبيا؛ ملايين المهجرين خارج وطنهم، ومثلهم في الداخل. ومدن مدمرة بالكامل، وفسيفساء اجتماعية تفككت ولا يملك أحد دليلا لجمعها من جديد.
كل الكيانات التي دخلت في حروب أهلية خلال القرن الماضي، لم تعد دولا كما كانت. هل تشذ سورية عن القاعدة؟ ليتها.

أضف تعليقك