أهلا تدمر.. والبقية تأتي

أهلا تدمر.. والبقية تأتي

استعاد الجيش العربي السوري مدينة تدمر الأثرية، من براثن الإرهاب الأسود، الذي سكن في خاصرة شامنا برهة من الوقت، ليضيف انتصارا جديدا لما حققه عبر أشهر مضت، وفيها استطاع الجيش العقائدي، إثبات قوة إرادته وعزيمته في كنس فلول تجار الموت الإرهابيين والسوداويين والقتلة من حواضننا، كما دفن كل المؤامرات التي استهدفت لحمة هذا الجيش، ومحاولات النيل من عقيدته القتالية.

يوميا تكنس "داعش" وأخواتها من مناطق مختلفة من سورية والعراق، وبات الذين راهنوا على إمكانية نيل تلك العصابات الإجرامية من سورية البلد، وتحقيق رغبات سكنت في نفوس بعضهم، يضربون رؤوسهم بالحائط، وهم يرون أن الأرض السورية تعود تدريجيا إلى حضن الشرعية، ويشاهدون انهيارات عصابات، كانوا يعتقدون أن بإمكانها النيل من نسيج الدولة، وأن يحققوا بالتالي مآربهم وطموحات أسيادهم، الذين وفروا لهم دعما لوجستيا وماليا وعسكريا لتحقيق الهدف، ولكن هيهات.

انقلب السحر على الساحر، وبات العالم يعرف أكثر أن "داعش" وأخواتها من "جبهة النصرة"، وكل ما يتفرع عنهما من مسميات إرهابية، عبارة عن وحدات موت وتخريب متنقلة، قد تضرب في أي مكان، في دمشق وبغداد وليبيا وتونس ومصر واليمن، والجزائر، وفي بلجيكا وباريس ومالي وتركيا أيضا، وقد يضربون أينما سنحت لهم الفرصة.

أولئك القتلة خرجوا من مدارس إرهابية سلفية أصولية معقدة سوداوية، يعرفون الدين بطريقتهم السوداوية المنحرفة، ويحقدون على الآخر مهما كان دينه (مسلما أو مسيحيا)، ويرفضون المدنية والتطور، والديمقراطية والحضارة، والحرية، والتقدم والعلم، ويريدون إعادة الحضارة لآلاف السنين للوراء، فأولئك تلقوا دروسا مشوهة واستوطنت في رؤوسهم أفكار منحرفة خارجة عن كل الأديان، وزرعت في شرايين عقولهم رغبة القتل والدمار.

وحتى لا نذهب لقتل ذنب الأفعى، ونترك رأسها تسرح وتمرح في عقول الناس، تزعزع ضمائرهم، وتهز سكونهم ووداعتهم، وتحفز العالم على الكراهية والحقد، علينا أن نسأل أنفسنا السؤال الأول، ونقول: ترى من علم أولئك القتل والتدمير وسفك الدماء؟ ومن هم شيوخهم الذين يغذونهم بكل فتاوى القتل والعنف والدمار؟

نعم؛ عادت تدمر لحضن الوطن السوري، وستعود الرقة وسيرفع الحصار عن دير الزور، وستعود الموصل حتما، ولكن المشكلة ليست في كنس "داعش" من سورية والعراق فحسب، فإن تم كنسهما من حواضن عواصمنا (بغداد ودمشق) قد يظهر "داعش" جديد، بشكل مختلف وبوساخة أخرى في مكان آخر، ربما في اليمن او ليبيا او في الجزائر، في تونس، في مصر أو في أي مكان، مشكلتنا الأساسية لا تكمن في كنس "داعش" من الأرض فحسب، وإنما كنس الفكر الذي يتغذى منه ذاك التيار المنحرف السوداوي القاتل، الذي يؤمن بالقتل وسيلة للحوار، والسبي والسرقة وسيلة للسيطرة وفرض الذات، ولا يؤمن بالحوار نهجا، والوسطية فكرا وقبول الآخر نهج عمل.

من دون البحث عن المدارس الفكرية، التي يتغذى منها التنظيم، ويستمد أفكاره المنحرفة، واستئصالها، وردع شيوخ تلك المدارس، والبحث بجدية عمن يدعم أولئك ويغذي وجودهم بالمال وبالرجال، فإن "داعش" وإن غاب عن مكان سيظهر في مكان آخر، وسيبقى العالم يعاني منه ومن ارتداداته القاتلة.

هي مناسبة لنقول أهلا بعودتك تدمر، والأمل أن نرحب بعودة باقي المدن الأخرى، التي وقعت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، وفي الإثناء لا بأس من دعوة العالم أجمع، للنظر للأمور بكلتا العينين، وليس بعين واحدة، وتفحص أولئك الجالسين في جنيف، ضمن ما يعرف بالوفود المعارضة بحجة المشاركة بمفاوضات سلام، ومعرفة مدى ارتباطهم بالإرهاب فكرا، والبحث أيضا عن ممولي الإرهاب المتنقل، وقطع رأسه قبل أن يستشري في مكان آخر.

أضف تعليقك