"هم منا ونحن منهم".. كادر سلسلة مطاعم سورية في عمان يضربون مثالاً رائعاً بالاندماج بين الشعبين
"اندماجي مع الموظفين السوريين كان سلساً للغاية، لأنهم عاملوني كأخ لهم، وأنا أعدّهم من أفضل الأشخاص الذين عملت معهم طيلة حياتي"، هذا ما قاله محمد النمر 20 عاماً، أردني الجنسية، عن العلاقة التي تربطه بأقرانه السوريين ممن يعملون إلى جانبه في إحدى المطاعم السورية التي تقدم المعجنات في العاصمة عمان، والتي يدير أفرعها مستثمرون سوريون.
وكان النمر قد أنهى دراسته بتخصص "الفندقة والمطاعم" قبل أربع سنوات، وتم انتدابه كمتدرب للعمل في ذات المطعم، ضمن أجواء عمل وصفها بـ"الرائعة"، شعر فيها بأنه "بين أهلي وناسي منذ اليوم الأول للعمل"، وهو ما دفعه لـ"الاستمرار في العمل معهم حتى اليوم"، كما قال.
روح العمل التعاوني ألغت الفوارق بين الجنسيتين
كغيره من السوريين لم يختر اللاجئ السوري إياد مظهر، 36 عاماً، مهنته في العمل كـ"كاشير"، في إحدى المطاعم السورية، وإنما "هي اختارته"، على حد تعبيره، فخلال سنوات دراسته في جامعة دمشق بتخصص الفلسفة، عمل المظهر في مجالات التسويق والمحاسبة وإدارة المطاعم.
ومع بدء الحرب في سوريا في العام 2011، اضطر المظهر إلى مغادرتها، حاله كحال أقرانه السوريين، ليصل إلى الأردن في العام 2012.
وفي العام 2017، انتقل المظهر للعمل في فرع آخر لذات المطعم الذي يعمل فيه النمر، وحول تجربته في العمل قال المظهر: "في الفترة الأولى لم أشعر بأهمية موضوع الاندماج أو معناه، كون الكادر الذي كنت أعمل معه سورياً بالكامل، ولكن عندما بدأت المنشأة التي أعمل بها، بإدخال الشبان الأردنيين ضمن كوادرها تماشياً مع قوانين العمالة والضمان الاجتماعي، عرفت مدى أهمية وجود كوادر من جنسيات مختلفة".
إذ "عمل معنا الكثير من الشبان الأردنيين، بعضهم من لم يتحمل ضغط العمل، وآخرون كثر اندمجوا في العمل، حتى وصل بهم الحال لتعلم طريقة تحضير الأطعمة السورية سواءً التي ينتجها المطعم أو التي يعرفها الشبان السوريين الذين يعملون في المطعم، ليقوموا بتحضيرها لعائلاتهم في المنزل، وكذلك الحال بالنسبة للشبان السوريين، وهو ما حول الاندماج من اندماج بين المضيف والمستضيف، إلى اندماج حتى على مستوى الأطعمة التقليدية للمجتمعين"، بحسب المظهر.
ومن خلال تجربته في العمل، لفت المظهر إلى أن الاندماج بين السوريين والأردنيين "شمل أسماء الأطعمة أيضاً"، فعلى سبيل المثال "(فطيرة السجق) كما نسميها نحن في سوريا، والتي يطلق عليها في الأردن مسمى (فطيرة الهوت دوغ)، أصبحت متداولة الآن في عمان بمسماها السوري، إذ بات الزبون الأردني يعرف السجق السورية، ويقول لفطيرة اللحم "صفيحة"، بعد أن كان يطلق عليها في الأردن "لحم بعجين"، وعلى هذا المقياس نقيس".
من جهته، أكد أمين الناصر 29 عاماً، أردني الجنسية، أنه لم يواجه أي نوع من "التفرقة العنصرية" خلال سنوات عمله في ذات المطعم، بل على العكس، إذ "يعاملنا مالك المنشأة بسوية واحدة جميعاً، بروح الأخوة التي قد لا أجدها في مكان آخر إلا نادراً".
كما يشير الناصر إلى أنه لمس "نوعاً من الاختلاف بين العمل مع السوريين والعمل مع الأردنيين، فقد تعرفت على عادات جديدة ولهجة جديدة أحببتها وأحببت أصحابها، ونبل أخلاق في التعامل، خلق بيني وبينهم علاقة متينة جعلتني أحب عملي أكثر".
واتفق المظهر في رأيه مع الناصر، مضيفاً أنهم ككوادر سورية وأردنية في أفرع المطاعم التي يعملون فيها بإدارة سورية، ينظمون رحلات ترفيهية بشكل دوري إلى أماكن للتنزه، وهو ما عزز أواصر الألفة والمحبة بيننا".
الاندماج بين الشعبين لم يكن وليد موجة اللجوء
دفعت الحرب في سوريا معظم رجال الأعمال والمستثمرين السوريين، على مختلف مستوياتهم الاقتصادية إلى الخروج من سوريا، باحثين عن بيئة مناسبة للاستثمار، تتمتع بالأمان والاستقرار، وكان الأردن أحد تلك الوجهات، بسبب مجاورته لسورية، ولوجود مستثمرين سوريين فيه ما قبل عام 2011، ولموقعه كسوق مفتوح على مناطق أخرى بعد إغلاق الحدود السورية لسنوات.
وفي هذا السياق قدمت الحكومة الأردنية العديد من التسهيلات القانونية المتعلقة بالاستثمار للمستثمرين السوريين بشكل خاص، من خلال حصر إنجاز معاملات المشاريع بهيئة الاستثمار، وتسهيل الحصول على الموافقات الأخرى، بالإضافة لتعليمات البنك المركزي الأردني الصادرة عام 2014، والتي أكدت على تسهيل حركة الأموال للتجار والمستثمرين السوريين على وجه الخصوص، بهدف جذب وتشجيع الاستثمار.
وعليه "أسهمت تلك التسهيلات بخلق فرص عمل للأردنيين والسوريين على حد سواء في المنشآت الاستثمارية السورية"، بحسب ما قال أنس أبو الجود، سوري الجنسية، وهو مالك إحدى المطاعم السورية في العاصمة الأردنية عمان. لافتاً إلى أن "العمل في مجال المطاعم بين السوريين والأردنيين ليس بجديد عليهم، إذ جمعتهم هذه المهنة سابقاً، إلا أنه ازداد انتشارها بعد الحرب السورية، مع انتقال آلاف السوريين من اللاجئين وأصحاب الاستثمارات إلى الأردن".
وكان قد أشار موقع الغد الأردني إلى أن 16.6% من المطاعم في الأردن أصحابها سوريون، من أصل 18 ألف مطعم موزع في المحافظات الأردنية. فيما تقدر إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، أعداد اللاجئين السوريين بنحو 672 ألف لاجئ.
وحول أسباب اختياره الاستثمار في مجال المطاعم في الأردن، قال أبو الجود أن "العمل في مجال المعجنات كان ولا يزال مصدر دخلي الأساسي، وهي صنعتي أنا وإخوتي منذ الصغر في سوريا، و إتقاني لها هو السبب الرئيسي لاستمراري في العمل بها، ومحاولة التميز والإبداع الدائم بحثاً عن تحقيق الطموحات في التوسع والانتشار بشكل كبير في العاصمة الأردنية".
وأردف أبو الجود، أن مهمة تسهيل وسرعة الاندماج بين كوادر العمل من جنسيات مختلفة، يقع على عاتق إداريي الشركة الاستثمارية بالدرجة الأولى، وهو ما "يضعنا كإداريين أمام تحديات تجعلنا حذرين في التعامل، كي نكون عادلين مع جميع الموظفين، بحيث تكون كلمات المديح والتأنيب والثواب والعقاب، بحسب إنجاز العامل في العمل، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، كي لا تدخل في سياق التفرقة العنصرية وماشابه".
أيضاً، "نحاول جاهدين، حل كافة الخلافات المهنية بود، وإيصال فكرة أن الخلافات في أوقات ضغط العمل ماهي إلا خلافات مهنية لا أكثر، دون أي تمييز في المعاملة بين أبناء الجنسيتين، وهذا أمر مهم جداً في نطاق العمل".
وبرغم أن الشيف المسؤول عن إعطاء التوجيهات والتعليمات في كل فرع من أفرع المطاعم التي يملكها أبو الجود، "يحمل الجنسية السورية، بحكم خبرته في هذا المجال، كون مطعمنا متخصص بتقديم أصناف المأكولات الشامية، إلا أننا نحاول دائماً أن نوضّح للشبان الأردنيين العاملين معنا بأن هذا أمر طبيعي، و أنه بإمكانهم التعلم والوصول لمنصبه في العمل مع مرور الوقت".
وتشير الأرقام الأردنية الرسمية إلى أن عدد الشركات السورية المسجلة لدى دائرة "مراقبة الشركات" وصل عام 2014 إلى "4,062" شركة، توزعت بشكل خاص على قطاعات الغذائيات والنسيج والتجارة والعقارات.
من جهته يرى الناصر أنه "من الضروري جداً وبعد 10 سنوات من الحرب السورية، دمج السوريين والأردنيين داخل سوق العمل الأردني بكافة مجالاته، وفتح المهن المغلقة عنهم، فالسوريين ليسوا لاجئين أو غرباء، هم أخواننا و ضيوفنا وأهلنا، ونحن منهم وهم منا".