ذو الإعاقة من أبناء اللاجئين السوريين "مبعدون" عن المدارس
فادي عبيدات، لاجىء سوري في الأردن منذ عام 2013. يقيم في لواء بني كنانة بمحافظة إربد، ولديه ثلاثة أطفال يعانون من إعاقات حركية وعقلية. حاول تسجيلهم في أقرب مدرسة خاصة لذوي الإعاقة تبعد 7 كيلومترات عن منزله. مدير المدرسة لم يقبلهم.
عبيدات عامل في قطاع البناء، ودخله لا يسمح له بتسجيل أبنائه في المدارس الخاصة في مدينة إربد، فهي بعيدة عن لواء بني كنانة مكان سكنه، قرابة 30 كيلومترا. وتكلفة المواصلات يوميا نحو 20 دينارا، " هذا إذا قبلوهم في المدارس"، يقول عبيدات بعد فقدان الأمل في إلحاقهم بمدارس "كفر سوم" الأساسية في لواء بني كنانة.
لا يختلف حال الفتاة سارة (12 عاما)، المصابة بـ "متلازمة داون". يقول شقيقها إبراهيم الحاج علي إن مسيرتها التعليمية توقفت بعد فصل دراسي واحد في إحدى المدارس الخاصة، لم تحرز فيه "أي تقدم"، بل أصبحت تعاني من العزلة نتيجة "وضعها مع أشخاص من إعاقات مختلفة".
في وقت علقت معلمتها لوالدها بأن سارة ذكية، لكنها بحاجة إلى الاهتمام بشكل متواصل، لتقف مسيرتها التعليمية بعد عدم القدرة على الوصول لمدارس تقدم خدمة تعليمية تراعي مستواها التعليمي.
تقول رائدة عثامنة مديرة مدرسة الخنساء الأساسية في لواء بني عبيد، إنها لم تستقبل أي طالب من ذوي الإعاقة من أبناء السوريين، وهي لا تعلم إن كانت إدارة المدرسة قد رفضت قبل استلامها الإدارة طلاب من ذوي الإعاقة السوريين.
وتلفت أن مرافق المدرسة ليست مهيئة لإستقبال الطلاب ذوي الإعاقة من حيث البنية التحتية وقدرة تعامل المعلمات مع الحالات.
يؤكد أحمد مساعفة الناطق الإعلامي بإسم وزارة التربية والتعليم، أن الوزارة تقوم بمتابعة كافة الحالات التي يتم رفضها من قبل مديري المدارس من ذوي الإعاقة فور وصول شكوى، حيث يتم التواصل مع إدارة المدرسة الرافضة ومعرفة الأسباب التي بنيت عليها الرفض، امتثالا لعدم وجود أي مبرر قانوني تستند عليه المدارس لرفض الطلاب.
ووثقت معدة التقرير حرمان أبناء ثلاثة عائلات سورية تمت مقابلتهم، من التعليم، بعد أن رفضت مدارس خاصة تسجيلهم فيها.
يشير تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش، بعنوان: "بدي اكمل دراستي"، إلى أن العقبات تعترض وصول الأطفال السوريين اللاجئين إلى التعليم كلما تقدموا في المدرسة، وتترافق العقبات مع انخفاض معدلات الالتحاق من حوالي 90 في المئة في الصفوف الابتدائية إلى 25 - 30 في المئة بالمرحلة الثانوية، وفقا لبيانات حكومية وأخرى صادرة عن الأمم المتحدة.
لاجئون محرومون من حقهم بالتعليم
في تقرير آخر نشر عام 2020، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن 233 ألف لاجئ سوري في سن الدراسة بالأردن، يعانون من عقبات عدة للوصول إلى التعليم، جراء نقص وسائل النقل المدرسية بتكلفة معقولة، والسياسات الحكومية التي تحد من الوصول إلى التعليم، ونقص التعليم الشامل الذي يُبقي الأطفال ذوي الإعاقة خارج المدارس.
في حين كشفت دراسة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسف) عام 2021، أن السوريين الذين يعيشون في المجتمعات المضيفة، يتأخرون بمستوى نصف صف دراسي عن أقرانهم الأردنيين، بينما يتأخر السوريون الذين يعيشون في المخيمات العشوائية بواقع صفيين دراسيين تقريبًا عن أقرانهم الأردنيين.
وتقول ميسون الصمادي، ناشطة اجتماعية في شؤون السوريين، أن أبرز تحدي أمام الطلبة ذوي الإعاقة السوريين، هو عدم توفر وسائل نقل خاصة إلى المرافق المدرسية، وعدم تقبلهم من قبل بعض الأطفال الآخرين، وذلك يعود إلى "البيئة والثقافة".
وتنتقد الصمادي سياسة وزارة التربية والتعليم في عدم استقبال جميع الإعاقات في مدارسها، إذ تركز الوزارة على استقبال الأطفال من ذوي الإعاقة الحركية الذين لا يعانون من إعاقات ذهنية.
"بعض العائلات السورية ممن لديها طفل من ذوي الإعاقة، تشعر بالخجل والإهانة أو النقص، لذا ينبغي عمل جلسات توعية للأهالي من خلال الجمعيات التي تخدم الجالية السورية". تقول الصمادي.
ويحدث ذلك، رغم أن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الأردني رقم (20) لسنة 2017 نص في المادة 18 على أن وزارة التربية والتعليم ملزمة بالتنسيق مع المجلس الأعلى لذوي الإعاقة لأجل قبول ودمج الأطفال ذوي الإعاقة في المؤسسات التعليمية.
تقول ممثلة اليونيسف في الأردن، تانيا شابويزات أن حوالي 19 ألف سوري يعيشون في المخيمات العشوائية بالأردن (أكثر من نصفهم أطفال)، وهم من بين بعض الفئات الأكثر هشاشة في المملكة، ويواجهون تحديات في الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم. وتتفاقم التحديات في توفير الخدمات لهذه الأسر التي تعيش في مواقع نائية.
وذكر مدير مديرية برامج الطلبة ذوي الإعاقة في وزارة التربية والتعليم محمد الرحامنة، أن عدد الطلبة ذوي الإعاقة السوريين المسجلين في الوزارة 1741 طالب وطالبة (903 ذكور، و 838 إناث)، قائلا إن المدارس الحكومية تستقبل الإعاقات الحركية، والسمعية، والبصرية، والذهنية واضطراب طيف التوحد و بطء وصعوبات التعلم.
وعن الخدمات التعليمية المقدمة للأطفال السوريين، يقول الرحامنة، إنها تتمثل بتصوير مناهج وزارة التربية والتعليم ونشرها على منصة "درسك"، وتصوير مناهج وزارة التربية والتعليم بلغة الإشارة الأردنية للطلبة ذوي الإعاقة السمعية، وتسجيل صوتي لمناهج التربية والتعليم للطلبة ذوي الإعاقة البصرية، وكذلك تقديم دروس مبسطة وسهلة الفهم للطلبة ذوي الإعاقة الذهنية، وتوفير غرفة مصادر للطلبة ذوي صعوبات التعلم، وتقديم وسائل النقل، إضافة إلى تعديل سلوك الطلبة ذوي الإعاقة.
وأشار إلى أن الآلية التي تعمل عليها الوزارة لاستقطاب الأطفال ذوي الإعاقة السوريين، تكمن في التعاون مع المنظمات الدولية في تقديم الخدمات التعليمية والتأهيلية للطلبة، وتسهيل قبولهم في المدارس الحكومية، وتقديم ورش توعوية للكادر الإداري والتعليمي عن أهمية التعليم الدامج، وتزويد المدارس الحكومية والمخيمات بالأدوات والأجهزة التعليمية وأجهزة التأهيل.
وتؤكد شابويزات، أن "اليونيسف" تدعم النقل المدرسي لقرابة ألفي طفل يعيشون في أماكن نائية كل عام دراسي، مشيرة إلى التحاق 67 في المئة من الأطفال ممن يعيشون في "مجتمعات يصعب الوصول إليها" بالمدارس بتوفير وسائل النقل، مقارنة بواحد فقط من كل أربعة أطفال في المناطق التي لا يوجد فيها أية وسائل نقل.
وتقول إن الافتقار إلى وسائل النقل المدرسي يشكل أحد المعوقات الرئيسية أمام الأطفال. مظهرة إحصائية وزارة التربية والتعليم الأردنية 2022 بأنه التحق في المدارس في العام الدراسي 2016 - 2017 من الطلاب السوريين نحو 126 ألف طالب وطالبة. في وقت لا توجد إحصائيات توضح أعداد الطلاب الملتحقين من ذوي الإعاقة.
التعليم الدامج
يقول المتحدث باسم حملة "ابني" أنس ضمرة إن وزارة التربية والتعليم تحاول منذ 2017 العمل على "التعليم الدامج"، لكنه يرى أنه لم يتحقق إنجاز يذكر، وأن نسبة دمج الأطفال ذوي الإعاقة ضئيلة من دون تلقيهم خدمات خاصة داخل الصف تراعي الاختلاف لدى هذه الفئة.
وبنظر ضمرة، فإن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017، هو أحد اهم القوانين الموجودة على مستوى الوطن العربي لكن ينقصه التطبيق والتفعيل.
ولأن القانون المحلي لا يشمل الجنسيات الأخرى، يقول ضمرة، إن حملة "ابني" تحاول الاحتماء بالاتفاقيات الدولية التي تنص على عدم التمييز بحق الأشخاص ذوي الإعاقة "مهما كانت جنسياتهم".
التعليم حق تكفله القوانين الدولية
تقول وزارة التربية والتعليم في خطتها الاستراتيجية (2018 - 2022) إن حق التعليم مضمون لكافة المقيمين في الأردن، مع ضمان حقهم بالوصول، والمساواة بين الطلاب من كلا الجنسين، واستيعاب جميع الفئات العمرية.
ومن خلال ما نصت عليه ديباجة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن الفقرة (ص) من الاتفاقية تعترف بأنه "ينبغي أن يتمتع الأطفال ذو الإعاقة تمتعا كاملا بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية على قدم المساواة مع الأطفال الآخرين". وتشير إلى الالتزامات التي تعهدت بها الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل تحقيقا لتلك الغاية.
"الغالبية العظمى من الأطفال السوريين اللاجئين يفقدون فرصة الدراسة والتعلم حتى قبل أن يصلوا إلى المدرسة الثانوية"،تقول بريانا سمول، زميلة حقوق الأطفال في هيومن رايتس ووتش.
وأمام وعود المانحين لسنوات بمنع ضياع الجيل، تضيف سمول إنه يتوجب على المانحين في مؤتمر بروكسل هذا العام، الذهاب إلى ما هو أبعد من التعهدات، وضمان أن يكون التعليم الثانوي هو القاعدة وليس الاستثناء للأطفال السوريين.