الترخيص مفتاح نجاح المشاريع المنزلية...تجربة أم سيف إنموذجاً
"حلمي أفتح مطعم وأشغّل فيه السوريات والأردنيات لأنّ الوضع مأساوي"..عبارة تردّدها أم سيف وكأنها رَجْعُ صدى آتٍ من عمق وجعها الماضي، وملامح أمل ترسمها بداية النجاح الذي حقّقته بفضل تصميمها وإرادتها.
لقد مرّت عشر سنوات على اللجوء السوري في الأردن، ومعاناة النساء السوريات إلى تفاقم! اضطرّ الكثير منهن إلى العمل رغم مواجهتهن للعديد من التحدّيات، فلجأنَ إلى إنشاء مشاريع إنتاجية في أماكن إقامتهن، بعد أن أفسحت الحكومة الأردنية المجال أمام منح تراخيص العمل من المنزل.
ميسرة الزعبي (أم سيف، 46 عاماً) لاجئة سورية من محافظة درعا، تقيم مع أبنائها الثلاثة في محافظة إربد منذ عام 2012، عانت الأمرّين لتعيل أولادها، وعملت مع منظمات إنسانية في مدينة إربد، وبعد مرور عدّة سنوات، قرّرت عام 2018، إقامة مطبخها الإنتاجي، ولم تكن تملك المعدّات اللوجستية اللازمة، لكنها رغم ذلك، أطلقت مشروعها الخاص.
تقول الزعبي: "كنت أستخدم أدوات كهربائية مستعملة بسبب عدم توفر رأس المال، فعملت أوّلًا بأوّل، أصبحت أصلح ما يلزم ممّا أجنيه من أرباح، مثل إصلاح البوتاجاز (غاز كبير)، إذا تعطل".
رغم بداياتها الصعبة، حاولت أم سيف جاهدةً، يوماً بعد يوم، تطوير مطبخها؛ بدأت بتوزيع حبّات من الكبّة على جيرانها وأقاربها، كوسيلة لجذب الزبائن والتي سرعان ما لاقت منتوجاتها إقبالاً، وشجّعها متذوِّقو طعامها على الاستمرار في العمل.
خضعت الزعبي لتدريبات مهنية تساعدها على تطوير مطبخها الإنتاجي، عام 2021 حصلت على شهادة مساعد "شيف" من أكاديمية خطوات الإبداع في محافظة إربد، برعاية منظمة الإغاثة الإسلامية.
سعت أيضاً إلى تطوير مشروعها ومهاراتها بشتّى الوسائل، بعدما نالت ترخيصاً رسمياً من بلدية إربد الكبرى عام 2022، حصلت على معدّات خاصة بالمطبخ الإنتاجي من منظمة "بلومنت"، كما تلقّت تدريبات إضافية في غرفة تجارة إربد، بالإضافة إلى حصولها على دعم مالي من مؤسسة نهر الأردن ومنظمة الإغاثة الإسلامية.
بدأت الزعبي تتعاقد مع منظمات وجمعيّات أردنية، فتقدّم لها وجبات الطعام التي تنتجها لقاء مقابل مادي، وعلى قائمة هذه الوجبات، الأكلات السورية والأردنية؛ كالمنسف السوري والمنسف الأردني والمكمورة وورق العنب، إلى ما هنالك ممّا لذّ وطاب من أطباق شهية.
وفي هذا السياق، تشير الزعبي إلى أنّ "العمل في المشاريع المنزلية أفضل بكثير من الوظائف العادية بالنسبة للكثير من النساء، فهكذا عمل يوفر الوقت والجهد، بالإضافة إلى أنه مريح مقارنةً بالعمل في الخارج الذي يفرض التغيّب عن المنزل وترك الأولاد، وغيرها من التحدّيات التي تواجه المرأة العاملة تحديداً".
وعلى الرغم من أن المشاريع المنزلية تدرّ دخلاً جيداً وتعين كل محتاج على تأمين متطلبات الحياة ومستلزمات العيش، إلا أنّ عقبات كثيرة كانت تحول دون تنفيذ هذه المشاريع قبل إصدار تراخيص العمل من المنزل.
إلى أنه، في عام 2022، أصدرت بلدية إربد الكبرى ما يزيد على 100 ترخيص عمل منزلي للنساء العاملات في أماكن سكنهنّ.
وشجعت البلدية النساء والشباب الذين تخلّفوا عن استصدار تراخيص لمشاريعهم المنزلية، أن يتوجّهوا إلى الجهات المعنية بإصدار التراخيص، على اعتبار أنّ هكذا إجراء قانوني يرفع نسبة الطلب على منتجاتهم، إذ يؤكّد للمستهلكين جودتها، ما يحفّزهم على شرائها.
يفيد رئيس بلدية إربد الكبرى الدكتور نبيل الكوفحي، بأنّ التراخيص الممنوحة تندرج في إطار عملية تنظيم سوق العمل، وترعاها مجموعة من الشروط التي تضمن سلامة المنتج ومطابقته لمواصفات السلامة العامة، ما يجعلها خاضعةً لموافقات صادرة عن وزارة الداخلية ووزارة الصحة.
ويعرض الكوفحي لمسألة الرقابة على حملة هذه التراخيص، مشدّداً على ضرورة توجيه أصحاب هذه المهن وتأمين الرعاية لهم ودعمهم كما يجب، وأن يخضع مكان العمل للرقابة الحثيثة، لا من أجل غاية فرض الضرائب وجبايتها، وإنما من أجل حماية هذه المهن وتطوير عناصر نجاحها وضمان ظروف استمراريتها.
في المقابل، ورغم إشارتها إلى الصعوبات الكبيرة التي واجهتها خلال سعيها لاستصدار الترخيص اللازم لعملها في المنزل، تشدّد الزعبي على الفائدة التي حققتها بعد حصولها على الترخيص.
وأهم هذه الإيجابيات، بيع منتجاتها الغذائية للمطاعم العامة التي عادةً، لا تقبل بالتعاون مع أيّ مطبخ إنتاجي غير حائز على الترخيص.
من جهته، يعدّد رئيس غرفة تجارة إربد محمد الشوحة التسهيلات التي تقدّمها الغرفة، كالتعاون على نطاق واسع مع أصحاب هذه المشاريع، وتأمين التدريبات المتخصّصة لهم وأبرزها؛ تلك المتعلّقة بكيفية تسويق مشاريعهم ومنتجاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف زيادة حجم الإقبال على منتجاتهم، وبالتالي رفع مستوى مداخيلهم.
صعوبات جمّة وتحدّيات لا تُحصى قد تعيق مسيرة النساء اللاجئات في الأردن، لكنهنّ يقفن لها بالمرصاد؛ هنّ يواجهنها بالإصرار على تحقيق أحلامهنّ وأهدافهن، ولو من داخل جدران منازلهن.